"بينوكيو" هو بطل فيلم كارتون شهير أُخذ عن قصة للأديب الإيطالي "كارلو كولودي"، يحكي أن نجاراً صنع دُمية خشبية بدأت في التحرُكِ بعد الإنتهاء من صُنعها ومن ثم هربت من منزلهِ، ولكن بسبب البرودة التي شعرت بها هذه الدُمية خارج المنزل اقتربت من مدفأة لتشعُر بالدفء ولكن شعر "بينوكيو" أن قدمهِ تحترق فخاف كثيراً وهرب مرة أُخرى ولكن في هذه المرة عائداً إلى صاحبهِ النجار الذي صنعهُ. ولأن "بينوكيو" كان حديث الولادة قليل التجربة في هذا العالم الجديد، ولم يميز الصواب من الخطأ، فقد كان يكذب كثيراً ، ومن ثم تطول أنفهِ مما كان يتسبب في فضح أمرهِ سريعاً. بدايةً ألصقت فكرة "بينوكيو" بالإعلام المصري الرسمي الذي فُضح أمرهِ تماماً أثناء أحداث ثورة الخامس والعشرين، وما تلاها مع تبدُل القيادات وعدم الدراية بكيفية التعامُل مع ما نحنُ من المُفترض على مشارفهِ مما نسمع عنهُ من ديمُقراطية والتعبير عن حُرية الرأى، وما تتطلبها من مهنية إعلامية تحوي المصداقية والحيادية ونقل جميع الآراء بنزاهة وشفافية. فرأينا الإعلام كالطفل الذي لا يعرف أين يتجه - مثلما فعل "بينوكيو" - مما تسبب في حالة التخبُط في البيانات والتقارير التي كانت تصدُر منهِ وخاصة في فترات تصاعُد الأحداث مثل أحداث "البالون"، و"ماسبيرو"، و"مجلس الوزراء"، وما إلى ذلك، فتماماً هو مثل دُميتنا كان يُفضح أمرهِ، فهُناك الإعلام الرقمي الذي يُمثل حالياً الرقيب على الإعلام بنوعيهِ، ويستطيع كشف الكثير من الحقائق، وإسقاط العديد من الأقنعة. ومع الوقت بدأت الفكرة تنطبق على بعض القنوات الفضائية الخاصة والتي إستعانت بوجوه إعلامية كانت تُسبح بحمد النظام السابق وأصبحت بين ليلة وضُحاها تلعنهُ وتنتقده، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ولكن بدأت تسير مع الإتجاه السائد، ولكن عندما وصلت الأحداث لمُفترق الطُرق حين نادى الثوار بسقوط الحكم العسكرى، إضطرت تلك الوجوه الإستناد إلى الإمكانيات الهائلة التي تتوفر في القنوات التي يعملون بهِا كمُحاولة لجذب المُشاهد لأسلوب تغطيتها للأحداث وموُاكبتها لها مُستعينة بحجة الوجود في قلب الحدث والتي بالطبع تُلاقي قبول لدى المُشاهد الغيور على بلدهِ والشغوف لمُتابعة ما يحدُث ولا يستطيع التواجُد في مكان الحدث. ورأينا كيف تبدلت الوجوه والمبادئ وأصبح المُشاهد المصري في حيرة من أمرهِ وهُناك من بدأ يُعاني نفسياً من كم النفاق والكذب والتبدُل في المواقف الذي نراهُ من خلال الشاشات والقنوات والتي تُمثل إعلام النظارة السوداء ويطوف بها المُشاهد يومياً آملاً في الإطمئنان على بلدهِ .. ولكن هيهات. وبصراحه الإعلام الخاص أصبح حدوته فهل ما كان ينطبق على الإعلام الرسمي في ظل النظام السابق سنراهُ مرة أُخرى مُرتدياً طاقية الإخفاء ليظهر في صورة الإعلام الخاص هذه المرة. هذا الإعلام الذي سيطر عليهِ وجوه بعينها وأصبح مُقتصراً عليهِم، وبدأ في توجيه رسائل مُختلفة وفي جميع الإتجاهات لا أرى أنها إرتجالاً أو قائمة على الحيادية وعرض جميع الآراء ولكنها مُوجهة وبذكاء لخدمة أهداف مُحددة وأشخاص بعينِها لم تتحدد ملامحهُم بعد بشكل قاطع. فالدليل على ذلك ما حدث في قناة التحرير مع العديد من الرموز الإعلامية الثورية أياَ كان مدى إتفاقي أو إختلافي معهُم، وأيضاً ما حدث مع الإعلامي "مُعتز مطر" في قناة مودرن حُرية والغموض الذي يُحيط بتلك الواقعة حتى الآن. على خلاف ما يحدُث مع الإعلامي "توفيق عُكاشة" وقناة الفراعين التي يرأس إدارتها، حيثُ لم يؤخذ ضدهُما أى إجراء على الرغم من ما يصدُر عن تلك القناة ورئيسها من تجاوُزات ومُخالفات. وبالتوازي تسير فكرة "بينوكيو" في الساحة السياسية مُنذ ظهور شخصيات ورموز ثورية تُغني بأمجاد الثورة وكيف أنها حامي حماها، ولكن سريعاً وبعد ترتيب المواقع والكراسي بدأت تختلف في تصريحاتها وآراءها، ومن ثم بدأت تفقد الكثير من مصداقيتها وبالتالي ثقة الناس بها. وها نحنُ وقبل إنتخابات الرئاسة وبدء المُحتمل ترشُحهُم في الظهور على القنوات الفضائية أمام تكرار سيناريو النفاق والكذب والذي سريعاً ما يظهَر مع مُقارنة ما كانوا يقولوه قبل الثورة أو أثناء الثورة، وما يقولوه الآن. وأخيراً ودون الخوض في تفاصيل قضية التمويل الأجنبي – فالجميع على دراية بها- والتي تضاربت حولها الأقاويل مُنذ بدايتها وتسببت في كثير من الإنقسامات بين طبقات الشعب المصري حول صحتها أو خطأها. وما شاهدناهُ جميعاً من نهاية مؤلمة حيثُ الطريقة التي أُغلقت بها القضية ووصول من كان يُقال عليهُم عُملاء إلى ديارهِم آمنين دون أى تفسير مُقنع. لقد حول حلم الديمُقراطية الكثيرين إلى أطفال حديثِ الولاده فاقدين البوصلة التي توجهُهم وتُرشدهُم إلى الطريق الصحيح، هذا إلى جانب البيئة التي وُلدوا بهِا فهى دائماً ما تعودت على القهر والطاعة والتلوُن من أجل البقاء، وبالتالي أصبح الكذب والنفاق شعار الفترة الحالية – فهُم ردوا إلى بيئتهِم وطبيعتهِم- ولكن لازال لا يُدرك الكثيرين أنهُم أمامنا أصبحوا مثل "بينوكيو" الذي سريعاً ما يُفضح أمرهِ.