تزامنت الأقدار وتوافقت الأزمان فى أن يتبؤ البابا شنودة الثالث كرسى البابوية للكنيسة القبطية وهو قد كان شخصية استثنائية . مع ظروف سياسية استثنائية أيضاً ولذا فقد كانت ألاربعون سنة الماضية هى فترة باباوية استثنائية . ولذا فليس بالضرورة ولا يجب ان تتكرر هذه المرحلة مرة اخرى وبنفس المواصفات. فشخصية البابا شنودة الثالث كانت تمتلك الكثير من الكاريزما والقبول وتتمتع بكثير من الثقافات المتعددة والخبرة الحياتية الواسعة . فقط ماتت والدته وهو طفل رضيع فى قرية سلام بأسيوط وقامت سيدات كثيرات بأرضاعه ومنهن سيدات مسلمات . مما جعلة ينشأ كاسراً حاجز البعد عن الأسلام فكانت ثقافته الأسلامية هي النبع الذى ارتوى منه فأجاد واحب بل عشق اللغة العربية وكان قد قرأ القرأن مع اغلب تفاسيره . كما أنه كان ذات خلفية سياسيه بهوى وفدى وأحب مكرم عبيد بل حفظ جميع مرافعاته القانونية وتأثر بمقولته الشهيرة (مصر وطناً يعيش فينا وليس وطناً نعيش فيه) . ولذا فقد تمتع بشخصية قيادية ظهرت إبان رسامتة اسقفاً للتعليم فى عهد البابا كيرلس السادس فأقام اجتماعاً أسبوعياً كل جمعه وأستمر هذا الأجتماع حتى وفاته وقد تغير الى يوم الاربعاء . ومن خلال هذا الأجتماع وفى بداية الستينيات قاد الشباب والشعب القبطى طارحاً افكاراً جديدة على الكنيسة مازجاً بين الدور الدينى والدور السياسى حتى لو كان داخل الكنيسة . ولذا فبعد أن أصبح بطريركاً توافق مجيئه مع السادات فتوافقتا الشخصيتان فى تكوينهما الزعامى والتصادمى فكان الصدام بينهما الذى انتهى بأعتقال البابا وكان خروجه عام 1985 فى عهد مبارك . الشئ الذى جعله فى نظر الاقباط زعيماً دينياً وسياسياً . فحقق ذلك طموح البابا شنودة وقام بالدور الدينى والسياسى فأرتضى الشعب القبطى ذلك . خاصة أن مبارك لم يكن صاحب قرار ولا كان قادراً على المواجهه على أى أرضية . فى الوقت الذى تنازل فيه نظام مبارك عن حق الولاية على مواطنيه من المصريين المسيحيين للكنيسة ملقياً مشاكلهم عليها. فتحولت العلاقة التصادمية السادات/شنودة الى علاقة مصلحة تبادلية مبارك/شنودة . فأصبح البابا يتعامل وكأنه زعيماً وممثلاً سياسياً للأقباط وكأن الكنيسة هي الدوله البديله وساعد على ذلك تلك المشاكل الواقعة على الأقباط وغياب الدوله عن مواجهة تلك المشاكل مما لاقى ذلك التمثيل السياسى للأقباط قبولاً لديهم . وكان فى كثير من الاوقات للبابا ما يريد مثل استرداد وفاء قسطنطين أو الافراج عن أقباط معتقلين أو منع فيلم هنا أو مسلسل هناك وكانت هذه أشياء محل أرضاءً للغرورالدينى للأقباط وللبابا . وكان نتيجة ذلك خلط الكنيسة لدورها الروحى مع دور سياسى ليس دورها وتم استغلال موقع البابا الروحى فى تحويل ابناء الكنيسة الى شعب الكنيسة ليمارس البابا من خلاله الضغط السياسى عند اللزوم . وكان ذلك مقابل دفع الأقباط لصالح النظام ومبارك والحزب الوطنى استفتاءاً وانتخاباً وتاييداً واخيراً كانت الموافقة على التوريث . هنا قد تغيرت الظروف السياسيه الاستثنائيه فلا يوجد السادات التصادمى ولا مبارك التوافقى بل هناك مناخ سياسى ثورى بعد ثورة يناير . ولا يوجد شخصية البابا شنودة الاستثنائيه . فليس بالضرورة أن تستنسخ هذه الشخصية مرة أخرى . ولذا فلماذا الخوف؟ هل على الكنيسة الروحية ام على الكنيسة السياسية؟ على المستوى الروحى للكنيسة فالكنيسة تقليدية منذ مؤسسها مارمرقس الرسول فلاأجتهاد ولا تغيير ولا مشكلة فهكذا تاريخ الكنيسة الذى كان وسيظل . اما الخوف على الكنيسة السياسيه فالكنيسة طوال تاريخها لا علاقة لها بالسياسه من قريب او من بعيد (اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله) . فالدور السياسى للكنيسة لا هو دورها ولا مطلوب منها ولا هي قادرة عليه . وليس مطلوب من البابا القادم أن يكون زعيماً سياسياً وليس هذا أحد شروط الترشح للبابويه . كما أن التجربة السابقة والوحيدة فى عهد البابا شنودة قد ثبت فشلها فلا هي حلت مشاكل الأقباط ولا هى قضت على المناخ الطائفى فالمشاكل تجذرت والمناخ تكرس . حيث قد انتج ذلك فرزاً طائفياً جعل مشاكل الأقباط مشاكل طائفيه للأقباط وليست سياسيه للمصريين كما أنه لا حل لهذه المشاكل الا بالمصريين فى اطار سياسى . فعلى البابا القادم أن يقوم بدوره الكنسى والروحى وأن يترك للأقباط دورهم السياسى كمصريين وليسوا كأقباط وخارج الكنيسة .فلا حقوق بدون واجبات ولا مطالب مع هجرة وتقوقع داخل الكنيسة ولكن الحل الذى يسقط الخوف هو المشاركة على الأرضية السياسية وليست الطائفية بعيداً عن الكنيسة التى يجب أن تقوم بدورها الدينى وعلى الدولة الدور السياسى وحل مشاكل الأقباط كمشاكل سياسية للمصريين .