ضجت قاعة نقابة المحامين - التي استضافت أمس الشاعر تميم البرغوثي - بالغضب، إثر إعلان الضيف الشاعر تأييده لحزب الله في جنوب لبنان برئاسة حسن نصرالله، وكذلك تأييده لدولة إيران، جاء ذلك خلال الندوة الأسبوعية التي ينظمها حزب التوحيد العربي. وقال تميم أن الفرصة لإنجاح الثورة في مصر، هي الانتخابات الرئاسية التي يجب أن تأتي برئيس غير معاد لإيران، لأنها الحليف الأوحد في المنطقة لمصر، حيث قال الشاعر أن مصر يجب أن لا تسمح بقصف إيران، وتحمي الشام من الحرب الأهلية، وتكون واضحة في مخالفتها لأمريكا وإسرائيل.
وحين اعترضت القاعة ووصفت إيران بأنها سبب التخريب في البلدان العربية، فهي تقلب الشيعة في البحرين، والحوثيين في اليمن، وهكذا تفعل في العراق وغيرها.
أجاب الشاعر أنه إذا عرفنا أن نبني في البلدان العربية إجماعاً ضد إيران، سنستطيع حينها أن نكف تدخلها، لكن هذا لن يحدث لأنها متغلغلة في البلدان العربية، وهي قوة لا يمكن إنكارها,
دافع البرغوثي عن حسن نصر الله واصفاً إياه وحزبه بأنه أكفأ قوة عربية، استطاعت الانتصار على إسرائيل حين صمت الجميع، كما انه أجبر إسرائيل على الانسحاب غير المشروط، قائلاً انه يختلف مع موقف حزب الله من سوريا وتأييده لبشار، إلا أنه لا يلوم نصر الله، لأنه يساند إيران التي تمده بالسلاح الذي يحارب به إسرائيل، ومن يلومه عليه أن يعطه سلاحاً ولا يتركه يحارب بأوراق الشجر، على حد قوله وهو ما أثار استياء الحضور، الذي هاجمه أحدهم لأنه كتب قصيدة تمجد حسن نصر الله ووصفه فيها بأنه أمير المؤمنين!.
احتلت المسألة السورية جزء كبير من مناقشات الحضور، وحين سئل الشاعر عن الطريق الأمثل لحل المسألة السورية، قال لا أعرف فالطريق برأيه مسدود، منتقداً استعانة المجلس الوطني السوري بالعواصم العالمية، التي تمثل برأي الشاعر استعماراً لن يكون بأية حال دواء للاستبداد، قائلاً: من استعان بالاستعمار على الاستبداد بُلي بكلا الداءين، مؤكداً أن شروط نجاح الثورة السورية هو كشروط نجاح كل الثورات العربية، أي توفير قدر من الإجماع عليها، لائماً على المعارضة السورية التي كان عليها أن تأخذ وقتاً أطول لبناء هذا الإجماع، واللجوء إلى السلاح سيأتي بالنصر لمن يملك السلاح الأقوى، وسينتهي الوضع في سوريا إلى عراق ولبنان جديدتين.
وعاب تميم على المعارضة السورية التي "تدفع بالناس إلى الشوارع للاستشهاد، في حين أن الحل هو الإجماع" بحسب رأيه قائلاً: إذا استطاعت المعارضة السورية أن تحشد الملايين المناهضة لنظام بشار في دمشق، سيسقط النظام، واستدرك قائلاً أن البلدان التي تعاني من الطائفية يكون الأمر بها أصعب في إسقاط النظام.
حاول البرغوثي الإجابة عن سؤال هل تحمل ثورات الربيع العربي مشروع نهضة بداخلها، مثلما فعلت الثورات الفرنسية والروسية والأمريكية التي حملت بطياتها أفكار جديدة؟ ليجيب أنه رغم أن الظاهر في الثورات العربية أنها لم تحمل أفكاراً جديدة، إلا أنها بالفعل حملت مشروعاً للنهضة.
واعتبر البرغوثي أن الثورات استطاعت أن تعود بنا لشكل الدولة "الشبح" أو الهيكل الذي يؤدي وظيفة الدولة دون بنيتها، فقد كان في ميدان التحرير طوال ال 18 يوماً من 25 يناير، حتى 11 فبراير، كينونة متكاملة دون إجبار أو قمع، فكان هناك صحة في الميادين وعيادات دون وزارة صحة، وهكذا انضباط دون وزارة داخلية، وإعلام، ودفاع، أي دولة دون بنية لها، وهو الشكل الذي يتواجد حين يحل الإقناع بدلاً من الإجبار.
وهذا الشكل كان موجوداً من قبل في البلدان العربية، ففي فلسطين مثلا أثناء انتفاضة 1987، كان هناك لجاناً عشبية توزع الأموال، وتعطي قرارات تنظيمية للهجوم وغيره، وهكذا حدث في العراق بعد الاستعمار، حيث كانت الكيانات تقوم بوظيفة الدولة.
يواصل: إن محاولة تجاوز الدولة وإقامة كيانات بديلة للحكم شكل جديد، أتت به الثورة، مشيراً إلى أن ما حدث في ميادين التحرير أقرب إلى شكل الدولة في الثقافة العربية الإسلامية، وليست الدولة الغربية state، المرتبطة بالثبات والعقار، الدولة في الثقافة العربية تأتي من التداول، فهي غير مرتبطة بأرض، بل بمحموعة من الحاكمين.
وضرب مثال على أن الدولة المصرية بهياكلها لم تستطع ان تفعل شيئاً إزاء قتل الجنود المصريين على الحدود بأيدي إسرائيليين، لكن "الدولة الشبح" التي بلا قائد يقودهم، استطاعوا باقتناعهم الشخصي أن يتظاهروا أمام السفارة ومارسوا دور وزارة الخارجية وقاموا بطرد السفير.
وانتقد الشاعر تصرفات القادة الليبراليين والإسلاميين المدمرة للإجماع في مصر، مشيراً إلى أنه كان يتوقع من الجماعات الإسلامية الحفاظ على هذا الإجماع، واستغلاله والبناء عليه لصالح مصر.
ويؤكد تميم البرغوثي أننا لن نستعيد الإجماع مرة واحدة، ولن تستطع الدولة الراسخة أن تستعيد نفسها ثانية في القريب العاجل، لذلك يحدث الارتباك في مصر بين دولة الإجبار ودولة الإقناع.
مشيراً إلى أن السياسة الخارجية الرديئة لمبارك أدت لانفصال جنوب السودان، وتخاذل المجلس العسكري في الدفاع عن ليبيا أدى إلى دخول الناتو وتقسيم ليبيا، التي كانت برأي الشاعر فرصة لاستعادة مصر لدورها في المنطقة، ودفع الجحيم عن شعب ليبيا، وكذلك فرصة لفتح سوق عمالة مصرية في ليبيا، التي هي أيضاً عمق استراتيجي لمصر.
من جهة أخرى اعتبر البرغوثي أن الثورة التونسية نجحت لأنها لم تشكل تهديداً للمصالح الغربية، ومن ثم لم يسع الغرب لإفشالها على العكس من مصر، التي تمثل نهضتها تهديداً للمصالح الغربية، ولم تنجح الثورة بها إلا إذا نجحت القوى السياسية في أن تعيد الشعب إلى الميادين مرة أخرى، مؤكداً أن الحوار المجتمعي في مصر هو نواة الإجماع.
وثمّن الشاعر ترشح دكتور عبدالمنعم أو الفتوح لانتخابات الرئاسة في مصر، نظراً لكونه على خلفية إخوانية، لأن الجماعة في رأيه هي الكيان الأهم بمصر الآن، وحين نجاحه سيكون الرئيس أهم من المرشد وسينقاد إليه الكثير من الجماعة، التي من المؤلم كما يقول أن تخسر شخصية مثل أبو الفتوح، ومحمد حبيب.