بالتعاون بين الجامعة الأمريكية في القاهرة والمجلس الأعلى لثقافة ألقي المؤرخ الأمريكي الشهير بيتر جران محاضرة بعنوان ""صعود الغرب أم صعود أهل النفوذ، مشكلة غير محلولة لدى المؤرخين " وقدمت للمحاضرة المؤرخة الكبيرة د نيلي حنا ، والتي تعد من نفس مدرسة بيتر جران التأريخية والتي علي ما يبدو هي التي نسقت لحضوره لكي يتعرف علي أوضاع مصر ما بعد ثورة 25 يناير . اشتهر بيتر جران بكتابه الهام " الجذور الإسلامية للرأسمالية: مصر1760-1840 " والذي أحدث ضجة عند صدوره في منتصف الثمانينيات وترجمه المؤرخ الكبير د رءوف عباس حامد ، حيث قدم لنا جران الرأسمالية الغربية حينها باعتبارها تحمل في طياتها جذورا إسلامية ، مما لا ينبغي لنا كمجتمعات إسلامية أن نصطدم معها في مكنونها الأساسي . وأسهب المؤلِّف حينها في أن المبادئ الاقتصادية الإسلامية وفرت المنطق الإيديولوجي الذي زوّد أوروبا بالوسائل اللازمة للخروج من ثلاثة قرون من اقتصاد العصور المظلمة ممّا جعل الغرب قادراً على الحصول على الأدوات الرأسمالية الأساسية التي نجح علي إثرها . وبينما كانت أعمال سابقة ككتاب ماكسيم رودنسون بعنوان "الإسلام والرأسمالية" قد تناولت الطبيعة الرأسمالية للنظام الاقتصادي الإسلامي من خلال تطبيق أسلوب التأريخ الاقتصادي على التأريخ الاستشراقي العائد للقرون الوسطى . إلا أنه فاجأنا في محاضرته الأخيرة في القاهرة والتي أصر علي إلقائها بالغة العربية (وبالطبع كانت لغة عربية ركيكة جدا ) أن أساس الرأسمالية الحقيقي هو النهب والسرقة ، بل وهو أساس في عصر الكولونيالية (الاستعمار (وأكد أن الأفراد هم المسئولون علي هذا النهب ، لأنهم شركاء في الرئاسة وقدموا خدمات بذلك لأهل النفوذ . وتطرق المؤرخ الأمريكي إلي الثورة المصرية وشبهها إلي حد كبير بالثورة المكسيكية أولى ثورات القرن العشرين- وأكد انه من الصعب توثيقها حاليا؛ لأنها لم تصل إلى مرحلة الاكتمال فضلا عن الوثائق التي يصعب الحصول عليها ، رغم ان هناك عدد كبير جدا من الوثائق المرئية المتوفرة لثورة 25 يناير والتي يوثق لها عدد كبير من الشباب بشكل فردي وقدرات خاصة . وأكد جران أن ثورة 25 من يناير كانت وليدة الإضرابات العمالية على مدار الأعوام السابقة، وأن مواقع التواصل الاجتماعية ساعدت بشكل كبير على اندلاعها. وطرح فكرة الفجوة الكبيرة بين الحكام والمحكومين في مصر بسبب تطبيق الرأسمالية بشكل خاطئ والتي عشتها مصر في فترة عصر مبارك وحلفائه في المنطقة العربية . ولفت المؤرخ الأمريكي إلى أن أهل النفوذ الذين تمتعوا بعلاقة جيدة مع السلطة الحاكمة استفادوا كثيرا من قانون الإصلاح الزراعي الذي أصدره الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، مشيرا إلى أن النظام السابق في مصر كان مبنيا على الظلم والاستبداد. كما ركز جران على أن مصر تواجه العديد من المشكلات الهامة التي لا يعرف عنها المصريون الكثير من المعلومات وعلى رأسها عشوائيات القاهرة، والهجرة من الريف إلى المدن، قضايا الصعيد، داعيا إلى تسليط الضوء عليها ومحالة إيجاد حلول لها. وتعرض جران خلال المحاضرة إلى الجدل القائم حول نشأة العالم الحديث، صعود أهل النفوذ كتفسير محتمل لتطوير نظام العالم الحديث حسبما أكد في كتابه الأخير. يذكر أن تشبيه جران الثورة المصرية بالمكسيكية جاء نظرا لاستمرار الثورة المكسيكية سنوات عدة، حيث قامت في بداية القرن العشرين على أيدي الفلاحين والعمال الزراعيين ، ودامت نحو 30 عاما كاملة دون انقطاع، حتى استقرت في 1940، مما جعل من الصعب توثيق أحداثها وتأريخ كل ما جاء فيها من أحداث سياسية. يشار إلى أن بيتر جران أحد المؤرخين المتخصصين في التاريخ المصري الحديث ويعمل في هذا الحقل منذ ستينيات القرن الماضي، وأصدر مجموعة من الكتب ومنها كتابه "الجذور الإسلامية للرأسمالية»، "ما وراء المركزية الأوروبية " ، و "صعود أهل النفوذ" والذي سوف ينشره المركز القومي للترجمة قريباً