في الوقت الذي بدأت فيه سوريا عملية فرز الأصوات في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد للبلاد ، أفادت مصادر اخبارية باستمرار اعمال العنف والتي قتل فيها ما لا يقل عن 65 شخصا في محافظتي حمص وحماة ، فيما طالب الرئيس الأمريكي باراك اوباما الحكومة السورية "وقف قتل مواطنيها فورا". وقال نشطاء من المعارضة السورية إن القوات الحكومية نفذت قصفا مدفعيا وصاروخيا كثيفا اليوم الإثنين لأحياء يقطنها السنة في حمص، حيث يتحصن معارضون خلال أسابيع من القصف. وقال الناشط محمد الحمصي لوكالة "رويترز" متحدثا من حمص إن القصف العنيف بدأ على الخالدية وعشيرة والبياضة وبابا عمرو والمدينة القديمة فجرا. وأضاف أن الجيش يطلق النيران من الطرق الرئيسية على الأزقة والشوارع الجانبية. وتابع أن تقارير أولية تشير إلى سقوط قتيلين على الأقل في منطقة السوق.
فرز الأصوات
ويأتي ذلك في الوقت الذي بدأت فيه عملية فرز الاصوات في الاستفتاء الذي نظم في سوريا امس على دستور جديد ينص على امكانية تعدد الاحزاب.
وكانت عملية التصويت على مشروع الدستور الجديد قد جرت بينما استمر قصف حي بابا عمرو الذي بدأ منذ أكثر ثلاثة اسابيع، واستمرت التظاهرات الاحتجاجية ايضا.
وجرى التصويت على الدستور الجديد الذي يلغي الدور القيادي لحزب البعث القائم منذ خمسين عاما، وعُدّلت المادة الثامنة بفقرة تنص على "التعددية السياسية" بدلا من التشديد على دور حزب البعث "القائد في الدولة والمجتمع". فيما تنص المادة 88 على ان الرئيس لا يمكن ان ينتخب لاكثر من ولايتين، كل منها من سبع سنوات، لكن المادة 155 توضح ان هذه المواد لا تنطبق على الرئيس الحالي، الا اعتبارا من الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يفترض ان تجري في 2014. ويبقي الدستور على صلاحيات واسعة للرئيس.
واعتبر وزير الداخلية محمد الشعار ان عملية الاستفتاء سارت "بشكل طبيعي في معظم المحافظات وان المراكز شهدت اقبالا كبيرا من المواطنين باستثناء بعض المناطق"، بحسب وكالة الانباء السورية الرسمية "سانا".
المعارضة تدعو للمقاطعة
وكانت المعارضة السورية التي تطالب برحيل الاسد، قد دعت الى مقاطعة الاستفتاء، معتبرة انه لا يحظى بالشرعية.
وقالت "الهيئة العامة للثورة السورية"، في بيان لها على موقعها على شبكة الإنترنت: "هذا دستور وضعه مجرمون فاقدون للشرعية، ولم يطبقوا شيئا من الدستور السابق، ولم يراعوا قانونا ولا عرفا ولا إنسانية".
ودعت الهيئة إلى المقاطعة التامة للاستفتاء، وإلى عدم الذهاب إلى مراكز الاقتراع، وشجَّعت السوريين على وضع صناديق في أماكن المظاهرات "للاستفتاء على إعدام المجرم بشار".
واعلن المجلس الوطني السوري الذي يضم غالبية اطياف المعارضة في بيان الاحد انه "يمد اليد" الى الطائفة العلوية، التي ينتمي اليها الرئيس بشار الأسد، من اجل بناء "دولة المواطنة والقانون".
وقال "لن ينجح النظام في دفعنا الى قتال بعضنا البعض. إننا مصممون على التكاتف والوحدة الأهلية، وأول بوادر هذه الوحدة هي مد يدنا الى اخوتنا العلويين، لنبني سورية دولة المواطنة والقانون" وفي هذا السياق ، كشفت أنباء أن أعضاء بارزين في المجلس الوطني السوري شكلوا منظمة منشقة، ليعلنوا بذلك عن اكبر انشقاق في صفوف المعارضين للرئيس السوري بشار الأسد منذ اندلاع انتفاضة شعبية ضد حكمه في مارس/ آذار من العام الماضي.
وأعلن 20 شخصا على الأقل من الأعضاء العلمانيين والإسلاميين في المجلس الوطني المؤلف من 270 عضوا والذي أنشئ في اسطنبول العام الماضي تشكيل ما أطلقوا عليه "مجموعة العمل الوطني السوري".
ويرأس المجموعة الجديدة هيثم المالح وهو محام وقاض سابق قاوم حكم عائلة الأسد منذ بدايته في عام 1970، وانضم إليه كمال اللبواني وهو زعيم للمعارضة سجن ست سنوات وأفرج عنه في ديسمبر/ كانون الأول، ومحامية حقوق الإنسان كاترين التللي، والمعارض فواز تللو الذي له صلة بالجيش السوري الحر، والمعارض وليد البني.
وانضم العديد ممن يطلق عليهم اسم "الإسلاميين الجدد" والذين يعتبرون أكثر تحررا إلى حد ما من الإخوان المسلمين، إلى مجموعة العمل الوطني السوري ومن بينهم عماد الدين الرشيد وهو واعظ سجن في بداية الانتفاضة ضد الأسد.
وقال بيان للمجموعة "لقد مضت أشهر طويلة وصعبة على سورية منذ تشكيل المجلس الوطني السوري.. دون نتائج مرضية ودون تمكنه من تفعيل مكاتبه التنفيذية أو تبني مطالب الثوار في الداخل".
وتابع البيان قائلا "لقد بات واضحا لنا أن طريقة العمل السابقة غير مجدية لذلك قررنا أن نشكل مجموعة عمل وطني تهدف لتعزيز الجهد الوطني المتكامل الهادف لإسقاط النظام بكل الوسائل النضالية المتاحة بما فيها دعم الجيش الحر الذي يقع عليه العبء الأكبر في هذه المرحلة".
وصدر هذا البيان في تونس حيث كان أعضاء المجلس الوطني السوري يحضرون مؤتمر "أصدقاء سورية" الذي شاركت فيه 50 دولة الأسبوع الماضي في محاولة لدفع الأسد لإنهاء القمع العسكري.
ويتعرض المجلس الوطني السوري لضغوط متزايدة من داخل سورية بسبب عدم دعمه صراحة المقاومة المسلحة ضد الأسد والتي يقودها الجيش السوري الحر.
ويرأس المجلس برهان غليوني وهو استاذ علماني يدافع عن الديموقراطية في سورية منذ السبعينات، وتجدد فترة رئاسته للمجلس بشكل شهري ويحظى بدعم أساسي من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بالمجلس الوطني.
مفاوضات الصليب الاحمر
ولم تثمر المفاوضات التي تجريها اللجنة الدولية للصليب الاحمر مع السلطات والمعارضين السوريين لاجلاء جرحى بينهم صحافيان غربيان، وهما الفرنسية إديت بوفييه، والبريطاني بول كونروي، من حي بابا عمرو في حمص.
وقال صالح دباكة المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر في دمشق ، لوكالة الأنباء الفرنسية "لن يحصل الاجلاء الاحد لان ارسال سيارات اسعاف ليلا، إلى حمص لنقل الجرحى امر بالغ الخطورة. من الارجح القيام بذلك الاثنين".
واصيبت بوفييه وكونروي الاربعاء في قصف على منزل حوله ناشطون الى مركز إعلامي، وتسبب ايضا بمقتل زميليهما الفرنسي ريمي اوشليك والاميركية ماري كولفن.
ردود دولية وفي واشنطن ، قال الرئيس الأمريكي باراك اوباما إن الوقت قد حان لكي توقف الحكومة السورية قتل مواطنيها". ومن جانبها ، حذرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون من أن تسليح المعارضة السورية يمكن أن يساعد تنظيم القاعدة وحركة حماس، لكنها أكدت في الوقت ذاته أنها تشعر "بالتعاطف الشديد" مع الدعوات إلى التحرك لوقف حملة القمع التي يقول نشطاء إنها أودت بحياة 7600 شخص. وقالت كلينتون في مقابلة مع شبكة "سي بي سي نيوز" الأمريكية أثناء زيارتها للمغرب "إننا لا نعلم في الحقيقة من هي الجهة التي نسلحها" في سوريا، مشيرة إلى أن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أعرب عن دعمه للمسلحين السوريين. وتساءلت الوزيرة الأمريكية قائلة "هل نحن ندعم القاعدة في سورية؟ .. حماس تدعم المعارضة الآن. هل نحن ندعم حماس في سوريا؟". وكان كبار قادة القاعدة وحماس قد أعربوا عن دعمهم للمسلحين السوريين الذي يقاتلون ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وعن حملة القمع التي تنفذها القوات الموالية للأسد والتي أودت بحياة الآلاف، قالت كلينتون "أحيانا الإطاحة بالأنظمة الوحشية يستغرق وقتا ويكلف الأرواح، ويا ليت الحال كان غير ذلك" في سوريا.
وتابعت قائلة إن "هذه ليست ليبيا التي كان لنا فيها قاعدة عمليات في بنغازي، والتي كان فيها أشخاص يمثلون المعارضة بأكملها"، في إشارة إلى الثورة المسلحة ضد نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي والتي أدت إلى الإطاحة به ومقتله بعد تدخل عسكري دولي.
وأشارت إلى أن عددا من المسؤولين الأمريكيين التقوا عددا من قادة المجلس الوطني السوري المعارض، لكنها لفتت إلى أن هؤلاء القادة "ليسوا داخل سوريا".
وحول صعوبة التدخل العسكري في سوريا، قالت كلينتون إنه "لا يمكنك إحضار دبابات إلى حدود تركيا ولبنان والأردن. لن يحدث ذلك".
وتوقعت كلينتون أن "تتمكن بعض الجماعات من إيجاد طرق لتهريب أسلحة رشاشة إلى داخل سورية، ولكن من الصعب إيصال الأسلحة بشكل فعال إلى الجبهات التي يقاتل فيها المسلحون".
وتساءلت الوزيرة الأمريكية عن موقف هؤلاء الذين لم يثوروا ضد نظام الأسد قائلة "ماذا عن الناس في دمشق، ماذا عن الناس في حلب؟ ألا يعلمون أن أشقاءهم من السوريين والسوريات والأطفال يذبحون على يد حكومتهم؟ ما الذي سيفعلونه حيال ذلك؟ متى سيبدأون التحرك ضد هذا النظام غير الشرعي؟". وفيما تدعو الولاياتالمتحدة والقوى الغربية الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي، قالت كلينتون إن الأسد "لديه أصدقاء أقوياء للغاية" مشيرة بالتحديد إلى "روسيا والصين وإيران المصرة على إبقاء الأسد لأنه يشتري أسلحتها ويبيعها النفط". واستخدمت موسكو وبكين حق النقض (الفيتو) مرتين في أكتوبر/تشرين الأول وفبراير/شباط لمنع مجلس الأمن من إصدار قرار يدين النظام السوري.