أجرت صحيفة "لوبوان" الفرنسية حوار مع الدكتور محمود العزب ، مستشار الشيخ أحمد الطيب إمام الأزهر ، وأوردت فى مقدمة الحوار أن الأزهر – الذى كان غائبا عن الحوار الشعبى منذ الاطاحة بحسنى مبارك فى فبراير 2011 – خرج من الظلام بعد أن قام بنشر وثيقة حول مستقبل مصر الجديدة. وتعد تلك المبادرة – وهى من ثمار التفكير جنبا إلى جنب مع الأحزاب السياسية والجماعات الدينية المختلفة – هى أول مبادرة لجمع الناس فى جو انتخابى متوتر. وقد قام الدكتور محمود العزب بالإجابة على أسئلة صحيفة "لوبوان" الفرنسية. *ما هى مهمة الأزهر؟ لقد نشأ الأزهر فى اليوم نفسه الذى أقيمت فيه مدينة القاهرة ، منذ 1050 عاما. والأزهر مؤسسة تقوم بتدريس الصلاة والعبادات ، ولكن تدرس أيضا العلوم واللغة العربية والحضارة الإسلامية والمقارنة. وكان الأزهر دائما فى قلب اهتمامات الأمة المصرية وانحاز إلى الشعب من خلال تنظيم المقاومة – سواء كان ذلك خلال ثورة القاهرة فى عصر نابليون بونابرت (1798) أو خلال أزمة قناة السويس (1956) – عندما كان الأزهر منبرا لعبد الناصر.
منذ أكثر من ثلاثين عاما ، لم يعد الأزهر مرجعا للشعب المصرى الذى يعتبره أداة للدولة، ما تفسيركم؟. فى الواقع ، لقد ضعف الأزهر – مثلما هو حال مصر – على مدار الثلاثين عاما الأخيرة بسبب النظام الديكتاتورى الذى لم يكن يعرف القيم الحقيقية للبلاد. وقد أطلق الشيخ الطيب – الذى تولى رئاسة مشيخة الأزهر منذ ابريل 2010 – العديد من الإصلاحات لصالح الانفتاح من خلال محاولة الابتعاد عن الخطاب الإسلامى الطائفى ، والذى كان يشجعه النظام فى ذلك الوقت.
تحت قيادة الأزهر ، نشرت مؤخرا وثيقة موقعة من الأحزاب السياسية والجماعات الدينية. ماذا تضم تلك الوثيقة؟ فى موجة من الانفتاح ، دعا الإمام الإخوان المسلمين والسلفيين والعلمانيين وأيضا الكتاب والمفكرين للاجتماع من أجل الاجابة على السؤال التالى : ما هى الدولة التى تريدونها لمصر الجديدة؟ وقد عقدت ستة لقاءات وأسفرت عن وضع ميثاق من إحدى عشرة مادة. وتعد المادة الأولى رئيسية وتدل على الرغبة فى بناء دولة لمصر تكون : وطنية ودستورية وديمقراطية وحديثة. وتشير تلك الوثيقة إلى أن مصر لم تشهد دولة دينية مثلما يقول الكثيرون. نحن لسنا دولة دينية ولسنا دولة عسكرية. نأمل أن يستند الدستور على المواطنة.
تتطرق تلك الوثيقة كذلك إلى قضية الشريعة الإسلامية الشائكة؟. نعم. هناك العديد من المفاهيم الخاطئة حول تلك القضية ويعتزم الأزهر تبديد تلك المفاهيم. يجب معرفة أنه فى الدستور الحالى لا تطبق الشريعة إلا فى نطاق الحياة الشخصية : الزواج والطلاق والميراث. فليس لدينا دستورا إسلاميا كما هو الحال فى إيران أو السعودية. فلدينا فى مصر قانونا ومحاكم مدنية. لا نقوم بقطع يد السارق ولا نرجم النساء. كما يجب أن نضع فى الاعتبار أن الشريعة لا تنطبق إلا على المسلمين. ويطبق المسيحيون عاداتها الخاصة بهم. وللمرة الأولى فى تاريخ مصر الحديث ، جميع التيارات – المرشحين للرئاسة ورؤساء الأحزاب الإسلامية والمسيحية والناصريين والسلفيين – وقعت على هذه الوثيقة.
نشرت كذلك وثيقة حول الحريات الأسبوع الماضى؟. فى الواقع ، وضعت التيارات نفسها وثيقة بعنوان "الحريات الأربع الرئيسية : حرية العقيدة وحرية الرأى والتعبير وحرية البحث العلمى وحرية الإبداع". وسوف نلتقى الأسبوع القادم لتناول قضية دور المرأة فى مصر الجديدة.
اقترح الشيخ الطيب تغييرا فى قانون إمام الأزهر ، الذى يعينه حتى الآن رئيس الجمهورية. متى سيحدث ذلك؟ سوف نعيد ما كان قائما قبل ثورة 1952 ، وهى "هيئة كبار علماء الأزهر". وسيكون هؤلاء العلماء مسؤولين عن انتخاب الإمام الأكبر. وللمرة الولى فى تاريخ الأزهر ، سيتم اعادة النظر فى سن التقاعد. فالأمر لا يتعلق أن يبقى الإمام مدى الحياة. وقد اختارت أكاديمية البحوث الإسلامية أن يكون سن التقاعد 80 عاما.
منذ 1952 ، الدولة هى التى تمول الأزهر. فهل ستقومون أيضا بالتخلص من تلك التبعية المالية؟ فى عصر عبد الناصر ، تم تأميم أصول الأزهر ، وهذا ما نسميه "الأوقاف" ، مما يعنى التبرعات التى قدمها المواطنون المسيحيون والمسلمون الأثرياء من أجل المساعدة فى ادارة الجامعة. والأمر يتعلق ب1045 هكتار من الأراضى التى نأمل أن نستعيدها لإيجاد استقلالنا المالى. ولكن هل يكونوا كافيين؟ الأزهر حاليا يشمل 70 كلية والطلاب يأتون من 106 بلدا من جميع أنحاء العالم. فقضية تمويل المؤسسة لم يتم حسمها بعد...
هل سيكون للأزهر دورا فى كتابة الدستور بعد نتائج الانتخابات التشريعية؟ نعم ، سوف يلعب الأزهر دورا فى كتبة الدستور القادم. نحن لسنا وزارة وليس لدينا سلطة تنفيذية ، ولكن الشارع معنا.
هناك دعوات للتظاهر فى الخامس والعشرين من يناير أطلقت فى البلاد ، فى حين أن الجيش يدعو إلى الاحتفال فى هذا اليوم. ما هو موقف الأزهر؟ نحن نوافق على المظاهرات ، بشرط أن تكون سلمية. وندعو إلى تحقيق أهداف الثورة. ولم يكن الجيش موجودا خلال اجتماعنا الكبير الذى أسفر عن إعداد الميثاق المكون من إحدى عشرة مادة. ومن بين تلك الأهداف ، وقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية والإفراج عن السجناء السياسيين وتعويض أسر الشهداء ووضع إدارة مخصصة لهم ، وكذلك عودة الجيش سريعا إلى ثكناته. وهذه هى رغبة الأزهر والموقعين على الوثيقة.