صدر للشاعر سالم الشهباني ديوان جديد بعنوان "الدليل" عن دار "أكتب" للنشر، ويعد هذا الديوان السادس في تجربة الشهباني الشعرية. الديوان عبارة عن قصيدة واحدة طويلة بعنوان "الدليل"، تدور أحداثها حول مصر قبل وبعد ثورة 25 يناير من خلال الرجوع للموروث المصري الفرعوني و العربي. ونقرأ من الديوان قصيدة "خدم الولي" وهي بالعامية المصرية: واقف لوحدى شريد قلبى يتيم فى العيد والفرحة كدابة نبحت كلاب ع الجسر.. عوت ديابة أنا صرختى دَوِّت قصيدتى بنت الغلابة بنت المتاح والصدق والممكن بنت التاريخ محفور على صدور الغلابة ... الحكى قبل الكتابة أبوزيد وكل الزغابة راحلين على تونس البنت عشقت يونس كسرت بإيدها الحجر خَضَّر فى قلبه الشجر والحكمة لو فى الصبر.. يبقى التسرع ضجر ... البدو غير الغجر لكل منهم قانون مش كل كن فى يكون فى الإختلاف معرفة.. فى المعرفة شىء م الجنون!! ... سليمان عليم بالجن والطير... والبشر عرش الأميرة هنا قبل ارتداد البصر والعبد ربانى نصر الرسول وفْ بدر حضن الصحاب حانى حزن الصديق مش حزن أو خوف وشىء مجانى حزن الفراق عن أهله عن موطنه قاله الرسول: لا حزن.. طبطب عليه طمنه ... هنا الكلام يفرق والقصة راح تختلف يا أميرة الفراشات أنا عمرى واخده سلف وهَارُدُّه للمولى شايفك فى كل الحاجات لا قوة ولا حول! ... مشاعرى وهاجة سامحينى لو فرت زى الحمام... م البرج هى اللى حيلتى يجوز... سفينتى عند الطوفان فرسى فى زمان العرج الكدابين الأدعاياء مرضى النفوس أتباع بَسُوس فى الفتنة وشرار الحرب ... خدم الولى شر البلية الكدب الكدب شر المبتلى رفعو القصايد ع الأسنة مكيدة وقفنا احترامًا للشعر احترامًا للقصيدة ... آمِنَّا بالحكمة فْ بلوغ الصبر مشينا جبر لشىء مانعرفهوش كل الوشوش ع السكة تشبه بعضها ماشيين بأمرالحكم والعادة كانت سحابة فى السما صايبها طلق الولادة ... نزل الشوارع بشر قلبى انفطر م الفرح غنى قاللى الصديق: دى الثورة يظهر!! أنا بعت يوم الحنة فى الأزهر ووقفت ببخورى وعطورى.. أسترزق كان خوفى م البلدية.. (فى بلاد يقول الأزالة) يمنعنى.. أرفع صوت كان عندى اشوف الموت ولا اشوفش هذا الوش صاحب بلادة وجهل وبلاغة فى الغش .. والظلم والباطل .. والكدب بزيادة ... نظرة يا اصحاب السيادة لو كلامى فْ يوم أشار للغلابة المطحونين تحت خط الفقر جبرًا أو فى مرة صرخت جهراً من همومى ومن جنونى قولت كونى كونى زى الطير.. وكونى.. فُلْك نوح ... روح موانسة ضِلِّى عارفة حاسة بالجرح وبكايا كونى زى الشعر ثاير سندريلا فى الحكاية ليه تسيبى الجرح غاير قلب بيصيبه الرصاص فى المظاهرة فْ ليل يناير ... بعد يوم عشرين بخمسة/ الزمان وقفت الكلاب بتعوى ع الميدان سَانَّة لولادك نيبان.. الظلم بان وانكشف كل اللى كان/ فى ليل يناير تاجروا بالقصة وما فيها واوعدونا بالخلاص واضربونا فى المظاهرة بالرصاص ... انتو أصحاب السيادة والمعدل والفوائد والموارد والعوائد والشواهد والموائد والكلام عن دخل فائض عن جيوبكم ... دوسو أشجار اللمون اللى فْ دوربكم هِدُّوا أبراج الحمام كَسَّرُوا بيوت الغلابة واوصفوهم بالخوارج عن نظامكم دُوْسُوا ع الحلم بجزمكم امتثالاً للنظام اسجنوا النور ان هزمكم امتثالاً للنظام اكسرو الحق ان قَسَمْكُم امتثالاً للنظام بُكْرَة من صلب القصايد تنطلق أسراب يمام ... بكرة من صلب القصايد جَاىّ شاعر يبقى ملح الأرض وترابها وشجرها يكشف الكدب فْ عينيكم وانتو زى الغيمة سودا فوق سماها دود بينخر فى جدارها انتو أسوأ ما فْ قدرها انتو نارها..وانكسارها... واختصارها.. فْ رأس مال فيلا كانت أو فى قصر بُكْرَة من صلب الغلابة تيجى مصر
سالم والجسر
يروي الشهباني شهادته عن نشأته ل "محيط" بقوله أنه بدأ تعلقه بالشعر بعد رحيل أبيه، ويتذكر حينما كان يعبر معه الجسر الذي يقسم كفر الشرفا نصفين غربي وشرقي ، ويذهب سالم معه إلى مكان عمله؛ حيث كان والده يعمل غفيراً بإحدى مشروعات الدولة للمحاجر وإنتاج مواد البناء. ويتابع في شهادته : " والدي من أصول بدوية ينتمي لقبيلة. تقول القصص ان جدي الأول كان يعمل راعي للجمال عند رجل شريف لمدة سبع سنوات، قام الرجل الشريف بتزويجه ابنته الكبرى والتي كانت تعاني من العنوسة، وكان لديها بعض خصلات الشعر الأبيض، ويطلق عليها الشهابي بين بنات الشيخ . تزوج منها جدنا فانجبت له سبعة اولاد ،عرفوا فيما بعد بالشهبان، وكل ولد بعد ذلك اصبح قبيلة نعبر الجسر يخرج علينا صوتاً مندفعاً كالعصافير، تفر من البيوت ذات الطوب اللبن، والأسطح المغطاة بالغاب، لأم تغني لأبنها اغاني موروثية او صوت لسيدة ترثي غائباً عنها، أو فرح يقومون فيه بارتجال الشعر والغناء فيما يعرف بالسامر والتحية عند البدو. او اطفال يلعبون فوق الجسر ويتخلل لعبهم غناء استطاع البدوي أن يجعل من حياته فقيرة التفاصيل إلى حياة غنية بالتفاصيل، والجمال والشعر، أن يفرح بالشعر, وأن يحزن بالشعر, وأن يكره بالشعر, وان يحب بالشعر. الشعر عند البدوى حياة. تعلمت من والدي حارس الليل غفير الدرك (فرج عودة ) الكثير، احببت الشعر من خلاله حيث كان من من يرتجلون الشعر في السوامر والتحية، وكان ايضاً كبير العائلة مقاماً ويأخذ بكلمته في قبيلته. كان والدي في الكثير من الأحيان يعلمني بالمجاز والشعر، فكان مثلاً ان أراد تنبيهي وتحذيري من دخول مكان معين يقول ( بيتاً كتر ورده ... خف القدم عنه). امي من قبيلة ابو محيجن وهي قبيلة بدوية يرجع أصلها إلى قبيلة العميرات، تحفظ الكثير من اغاني البدو الموروثة التي كانت تغنيها لنا ونحن اطفال، تعلمت منها الكثير من لهجتي ومفراداتي البدوية اعتبرها ميراثي. الانتقال إلى المدينة لم يكن بالشيء الهين بالنسبة لوالدي ووالدتي؛ حيث اضطر والدي للسكن في حلوان لظروف عمله. اتذكر ان والدي بعد انتقالنا بسنة قدم اوراقي للالتحاق بمدرسة المأمورية الإبتدائية في عزبة الوالدة "حلوان". والمدرسة كانت عبارة عن قصر قديم لأم الملك فاروق الوالدة باشا استغلته وزارة التربية والتعليم كمدرسة، كان اول درس تعلمته في هذه المدرسة هو الحرية؛ حيث كانت المدرسة بلا اسوار وكنا نأخذ الفسحة في الغيطان المحيطة بالمدرسة، تعلمت ان التعليم اختيار وليس اجبار. كان يحيط بالمدرسة شجر الكافور والجازورين واشجار الجميز العتيقة واشجار التوت التي كانت تعطي خليطاً من الرائحة التي لا انساها إلى الآن وكأنها طبعت في ذاكرتي، كان مجتمع المدينة اكثر انفتحاً واكثر رفاهية بالنسبة لنا كبدو يعيشون في تكتلات، حتى وهم في المدينة يحافظون على عاداتهم ولهجتهم كما يحافظون علي اراوحهم. يعتبرون العرف شيء مقدس لديهم. عشنا في منطقة حلوان التي تعتبر من اهم المدن الصناعية في مصر، كان اغلب سكان المنطقة من الموظفين والباقي تجار وبائعين متجولين. مدينة حلوان شبه جافة سريعة قلقة تعاني من الضجيج، الناس تشبه البيوت التي يسكنونها، ولكن كان هناك ثمة شعر تستطيع ان تلحظه في نداءات البائعين وفي الفرجة الشعبية فيما يعرف بالحاوي والساحر وفي الموالد التي كانت تقام؛ حيث كنا نسمع الغناء والشعر في حلقات الذكر التي كانت تقام احتفالاً بالمولد النبوي. رحل والدي في عام 1997 ولم اجد صديقاً لي سوى الشعر الجسر الذي اعبر من خلاله إلى عالم الأحلام والخيال, ارى كل من احببتهم، اتحدث معهم، اعاتبهم، كان الشعر ملجيء وصديقي بعد وفاة والدي الذي كان اباً بمعني الكلمة، وصديقاً اصطحبني على الجسر وعلمني لغة الليل. قصيدة العامية المصرية اعتبرها بمثابة تأريخ للبيئة الشعبية في مصر ولسان الشارع الذي يعبر عن هموم الفقراء والمطحونين، والتي من الضروري ان تكون الجسر الذي يمرون من خلاله إلى واقع افضل، فقصيدة العامية المصرية تمتد جزورها إلى القصيدة الشعبية في مصر، أي عمرها من عمر غناء الفلاحين في جمع القطن والرعاة في مواسم الرعي وهدهدات الأمهات والعدودة والمثل الشعبي. تعرفت علي فؤاد حداد وصلاح جاهين وقرأتهم بعمق وتعرفت، على من تلاهم من اجيال حتي لا أضع أثري علي أثر من سبقوني حتي استطيع حفر طريقي الخاص. صدر ديواني الأول في عام 2006 عن سلسلة الكتاب الأول المجلس الأعلي للثقافة وكان بعنوان "ولد خيبان". وفي نفس العام اتيحت لي الفرصة للسفر الي سلطنة عمان حيث كانت مسقط في هذا العام عاصمة الثقافة العربية، شاركت في المؤتمر كممثل لشعر العامية عن مصر. وصدر ديواني الثاني عام 2007 عن الهيئة العامة للكتاب ودار اكتب للنشر والتوزيع طبعة ثانية وكان بعنوان "السنة 13 شهر". ثم تقدمت لوزارة الثقافة بمشروع عن الألعاب الشعبية للأطفال ومحاورة هذه الألعاب شعرياً وحصلت علي التفرغ. ثم اصدرت ديواني الثالث عام 2008 عن دار اكتب للنشر والتوزيع وكان بعنوان "القطة العميا"، الجزء الأول من هذا المشروع (مشروع الألعاب الشعبية للأطفال). ثم اصدرت ديواني الرابع عام 2009 عن دار اكتب للنشر والتوزيع وكان بعنوان "الملح والبحر". وبعد ذلك اصدرت ديواني الخمس عام 2010 عن دار اكتب للنشر والتوزيع وكان بعنوان "شبر شبرين" وهو الجزء الثاني من مشروع "الألعاب الشعبية للأطفال".