أظهر تقرير حديث إلى أن ربحية قطاع الخدمات المصرفية للشركات في دول مجلس التعاون الخليجي هي الآن في طريقها إلى التعافي من تداعيات الأزمة المالية العالمية، وجاءت السعودية والإمارات فى مقدمة دول التعاون الأكثر ربحية فى هذا القطاع. بين تقرير صدر حديثاً عن شركة "بوسطن كونسلتينغ جروب" بعنوان "المقارنة المعيارية للأعمال المصرفية للشركات أنه بالرغم من أن مخصصات خسائر القروض قد بلغت ذروتها في عام 2009، إلا أن ربحية الخدمات المصرفية للشركات قد انخفضت إلى مستويات أدنى من تلك التي شهدتها في عام 2007.
ومع ذلك، بدأت مخصصات خسائر القروض بالتراجع في عام 2010 واستمرت على ذلك النحو وصولاً إلى النصف الأول من عام 2011.
وقال ماركوس ماسي، الشريك والعضو المنتدب والرئيس الإقليمي لقطاع الخدمات المصرفية للهيئات والمؤسسات وأسواق رأس المال في "ذا بوسطن كونسلتينغ جروب" : لقد أدى هذا إلى ارتفاع معدل ربحية الخدمات المصرفية للشركات لأكثر من 40 % بالمقارنة مع مستويات عام 2009، فيما بقيت الإيرادات ثابتة طيلة الفترة الممتدة من 2009 إلى 2010، والنصف الأول من عام 2011."
طليعة الدول
وجاءت المملكة العربية السعودية في طليعة الدول الماضية في هذا الاتجاه التصاعدي، إذ سجلت أعلى زيادة بنسبة 45 % سنوياً في ربحية قطاع الخدمات المصرفية للشركات منذ عام 2009. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة هي الدولة الوحيدة الأخرى التي أحرزت تقدماً ضئيلاً لكن واضحا في هذا الاتجاه بزيادة بنسبة 3 % في الربحية مقارنة من الفترة من عام 2010 إلى 2011.
وقد لا يتم أخذ جميع القروض المتعثرة بالحسبان، نظراً لوجود بعض البنوك، وخصوصا في دولة الإمارات العربية المتحدة، قد تعرضت للمزيد من خسائر القروض.
وأبدت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى أداء مستقراً انعكس من خلال الحفاظ على وتيرة ربحية ثابتة، باستثناء البحرين التي شهدت انخفاضاً مستمراً في معدل الربحية منذ عام 2007، بتراجع بنسبة 24 % سنوياً حتى النصف الأول من عام 2011.
ولا تزال الإيرادات لجميع دول مجلس التعاون الخليجي ثابتة نسبياً، ومرة أخرى باستثناء البحرين التي سجلت انخفاضاً في هذه الفئة. يكمن الدافع الرئيسي المحدد لاتجاهات الربحية الخاصة بكل دولة في نسب الانخفاضات المتفاوتة لمخصصات خسائر القروض من عام لآخر في هذه الدول.
استعدادات البنوك
وقامت "ذا بوسطن كونسلتينغ جروب" باستطلاع آراء بعض كبار المسئولين التنفيذيين للخدمات المصرفية للشركات لدى كبار البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي لتكوين صورة كاملة عن تصوراتهم وتوقعاتهم والتعرف على كيفية استعداد البنوك للاستفادة من الاتجاهات المقبلة في مجال الخدمات المصرفية للشركات.
ويعتقد معظم المسئولين التنفيذيين للخدمات المصرفية للشركات الذين شملهم الاستطلاع أن الناتج المحلي الإجمالي العام لدول مجلس التعاون الخليجي سينمو بنسبة تتراوح من 5 % و 10 % في عام 2012 وعام 2013. وتقود قطر والمملكة العربية السعودية هذا الاتجاه بمعدل نمو يزيد عن 10 % و8 % و 10 % على التوالي.
ومن المتوقع أيضاً لدولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والكويت أن تحقق نمواً، ولو بمعدلات أقل، يتراوح بين 3 % و5 %. كانت البحرين الدولة الخليجية الوحيدة التي يتوقع أن تشهد انخفاضا في ناتجها المحلي الإجمالي.
تأثير الأحداث العالمية
وقال محمد طره، مدير مكتب "ذا بوسطن كونسلتينغ جروب" في دبي والمؤلف المشارك في التقرير:"بالرغم من التوقعات السائدة لحدوث نمو في الناتج المحلي الإجمالي العام. ألمح مسئولون تنفيذيون إلى أن المخاطر الرئيسية لا تزال تلوح في أفق دول مجلس التعاون الخليجي من خلال حالة عدم الاستقرار الإقليمي وعدم كفاية الإنفاق الحكومي على البنية التحتية والأحداث التي تشهدها الأسواق العالمية (وخاصة الأزمة في منطقة اليورو)."
وأضاف طره قائلاً:"يعتقد أنه سيكون للوائح الجديدة أو المقررات المنبثقة عن "بازل 3" تأثير ضعيف وهذا ينبع من حقيقة أن معظم البنوك الخليجية تتمتع بالفعل بمستوى عالٍ من نسبة كفاية رأس المال.
وتمكنت من مراجعة وتنقية محافظها الاستثمارية خلال عامي 2008 و2009 وبالتالي يتوقع المسئولون التنفيذيون للخدمات المصرفية للشركات تنامي إيرادات وربحية هذا القطاع جراء ارتفاع حجم القروض والهوامش، وإحداث مزيد من الانخفاض في مخصصات خسائر القروض.
عملاء البنوك
كما ستكتسب المنافسة على عملاء الخدمات المصرفية للشركات طابعاً محتدماً بالتزامن مع تحسن الظروف الاقتصادية.
فلقد كان عملاء البنوك من الشركات الضخمة (وهي الشركات التي تحقق حجم أعمال سنوي يزيد عن 150 مليون دولار أمريكي) محط الاهتمام الأبرز لمعظم بنوك الخدمات المصرفية للشركات على نحو تقليدي.
ومع ذلك، يتوقع أن يشكل عملاء البنوك من الشركات متوسطة رأس المال (وهي شركات ذات عوائد سنوية تتراوح بين 25 و150 مليون دولار أمريكي) بيئة رئيسية خصبة لنمو العديد من بنوك الخدمات المصرفية للشركات.
وهنا يقول ماسي :"يعود هذا إلى عاملين، أحدهما أن البنوك ركزت أكثر وبشكل تقليدي على قطاع الشركات ذات إمكانات رأس المال الهائلة بالتزامن مع الطفرة الاقتصادية قبل الأزمة، دون أن تستغل نسبياً الفرص الاستثمارية المتاحة في قطاع الشركات المتوسطة الرأس المال.
ويتمثل العامل الثاني في أن الشركات متوسطة الحجم مملوكة من قبل العائلات، وهي، بطبيعة نهجها التقليدي، وبالتالي أقل اعتماداً على المنتجات والخدمات المتوفرة عن طريق بنوك الخدمات المصرفية للشركات."
الاستثمار والإقراض
أما من ناحية المنتج، فليس هناك فرص نمو متوقعة للاستثمار في أعمال القروض التقليدية، لأن المسئولين التنفيذيين يتوقعون ظهور حالة من التردد المستمر نحو زيادة قدرات الإقراض. ومن جهة ثانية، يتوقع تحقيق نمو في المنتجات غير التقليدية، مثل المعاملات المصرفية والودائع والتمويل/السندات المهيكلة.
وبوجه عام، تتنامى حدة المنافسة مع توجه معظم البنوك الخليجية نحو التركيز على قطاعات العملاء ومنتجات النمو ذاتها في آن معاً. وأضاف ماسي بقوله: "سيكون تطوير حلول محددة لتلبية متطلبات القطاع وتحقيق الاستجابة الفورية، إلى جانب تبني إطار عمل فاعل لهيكلة أنشطة المبيعات والخدمات، من أهم العوامل الرئيسية لنجاح البنوك وقدرتها على المنافسة في السوق."
وبالتطلع نحو الأمام، يحوّل المسئولون التنفيذيون للخدمات المصرفية للشركات تركيزهم من إدارة دفاتر القروض إلى إدارة علاقات العملاء.
كما قامت "ذا بوسطن كونسلتينغ جروب" أيضاً باستطلاع أراء المسئولين التنفيذيين للخدمات المصرفية للشركات عن الممارسات والأساليب ال 15 الأفضل التي من الممكن تبنيها من قبل بنوك الخدمات المصرفية للشركات من أجل تحسين مستوى قبول ونتائج الأعمال.
حيث تمحورت أراء العدد الأكبر من المدراء المستطلعين حول أن البنوك، وعلى مدى الثلاث سنوات الممتدة بين عامي 2008 و 2010 ركزت على احتواء آثار الأزمة المالية العالمية، في حين أنها في عام 2011 وما بعده، بدأت البنوك وستستمر في تحويل تركيزها نحو المستقبل، وتحديداً نحو بناء الكوادر البشرية وتطوير قدرات نظمها التشغيلية.
إجراءات نوعية
في عام 2008/2009، ومع نشوء الأزمة المالية العالمية، استجابت بنوك الخدمات المصرفية للشركات بسرعة فائقة عن طريق تخفيض حجم محفظة القروض وزيادة هوامش القروض والضمانات. وفيما بعد، استغلت وحدات الخدمات المصرفية للشركات الفرصة، ولاسيما في عام 2010، لتحسين نوعية الموظفين، بدلاً من خفض عددهم.
في عام 2011، ومع استمرار جهود تحسين جودة القروض والموظفين، يخطط المسئولون التنفيذيون للخدمات المصرفية للشركات لتحويل اهتمامهم نحو الإجراءات والتدابير النوعية والإدارة المهنية المتخصصة لعلاقات العملاء.
يقول ماسي "إن اتساع نطاق المنافسة والتركيز على شرائح من العملاء أدنى من الشرائح السابقة والمنتجات المصرفية غير التقليدية يتطلب توحيد عمليات إنجاز المبيعات والخدمات وتعزيز قدرات البيع المتقاطع على نحو يشبه أسلوب خدمات الأفراد."
حلول واقعية
يقرّ المسئولون التنفيذيون للخدمات المصرفية للشركات في دول مجلس التعاون الخليجي بوجود فجوة في الامكانات والقدرات اللازمة لتطبيق نهج الأعمال الناجح والمستدام.
ستكون مجالات التركيز الرئيسية لعامي 2012 و2013 (منها على سبيل المثال بنية خدمة العملاء الذكية وتخطيط الحسابات وآليات إنجاز المبيعات المهيكلة) متوجهة نحو البنوك الخليجية التي تتسم بأدنى مستوى من التعقيد مقارنة بنظيراتها الإقليمية والدولية.
ويشير ماسي بالقول "تظهر أفضل الممارسات الدولية أن توحيد عمليات مبيعات وخدمة العملاء، إلى جانب إدارة علاقات العملاء الذكية والمتبصرة والمستندة إلى الحقائق هي من أهم العوامل الرئيسية للنجاح."
ويخلص للقول "حتى تتمكن بنوك الخدمات المصرفية للشركات في دول مجلس التعاون الخليجي من تحقيق النجاح، يتعين عليها تطوير حلول واقعية تواكب احتياجات القطاع الدقيقة، فضلاً عن التفوق في قيادة تطبيق نهج العمل الجديد والتغير الثقافي على مدى 2-3 سنوات المقبلة."