بينما تشتعل الساحة السياسية في مصر بمواجهات ما بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وفلوله من جهة، وبين ثوار 25يناير من الجهة الأخرى، تابعنا الجهود التي يبذلها اللواء مراد موافي رئيس جهاز المخابرات المصرية. تلك الجهود التي أدت مؤخراً إلى تنفيذ المرحلة الثانية من صفقة الأسرى، وإطلاق سراح المئات من أهلنا الفلسطينيين، والذين كانت تحتجزهم "إسرائيل" في سجونها، وتم استبدالهم بالجندي الأسير لدى المقاومة الفلسطينية المدعو جلعاد شاليط.
ولم تكد تمضي ساعات على إنهاء صفقة "جلعاد شاليط" بمرحلتيها، إلا وبدأ رجال الأمن القومي بوطننا مسعى جديد لتفعيل ملف المصالحة "الفلسطينية- الفلسطينية" بين حركتي فتح وحماس، توطئة لرأب الصدع في الصف الفلسطيني، ودخول الفلسطينيين من جديد في جولة مفاوضات جديدة مع "إسرائيل"، في محاولة من قبل كل الأطراف لتصفية القضية الفلسطينية ووضع نهاية لها قبيل أن تتمكن الثورات العربية من ترتيب أمورها, وتتمكن من التفكير في طريقة جديدة للتعامل مع احتلال "تل أبيب" للأراضي العربية، تفكير يعبر عن ضمير الشعب العربي في مصر، وغيرها من البلدان الأخرى.
ومن خلال تلك التحركات يتضح لنا أن استراتيجية الأمن القومي المصري لا تزال تسير في الطريق الذي رسمه لها الجنرال عمر سليمان ورفاقه، ولا تزال نفس الأطقم التي كانت ترسم سياسات مصر أيام الجنرال عمر سليمان والرئيس المتنحي حسني مبارك تواصل عملها، وتفكر بنفس الطريقة، ونفس الأسلوب، وهي أطقم لها اجتهاداتها، التي لم نري منها في العلن سوي كل ما يهين مصر ولا يحافظ عليها.
ولذلك نقول ونحن في غاية الاطمئنان أن تلك الاجتهادات فشلت، ومخططيها أخفقوا في الحفاظ على مصر وتركوا مبارك وتشكيله يدمرونها مكانة واقتصادا وسمعة، ويعتدون على أمنها القومي، ونرجو ألا يغضب من كلامنا الإخوة في جهاز الأمن القومي.
ونتمنى في قرارة أنفسنا أن نكون مخطئين، وأن يكون فهمنا قاصر؛ لكون أننا نقدر إخوتنا في جهاز الأمن القومي لما يتحلون به من وعي وثقافة وفهم لمقتضيات عملهم، وهم يعلمون أننا نقدر دورهم ونحترمهم.
ونحن نؤكد حفاظنا على أمن مصر القومي كهدف أول لنا، واجتهاداتنا تتم في هذا السياق، وذلك الإطار، ولكن على قيادات هذا الجهاز أن تقر بفشل سياساتهم على مدار الثلاثة عقود الماضية، ويفسحوا المجال لزملاء جدد لهم ليقدموا لثورة 25يناير استراتيجية جديدة تفعل دور الأمن القومي، وتحافظ على كرامة مصر وعزتها وسيادتها.
وللأسف لقد استخدم سماسرة التسوية قيادات هذا الجهاز على مدار العقدين الماضيين، أبشع استخدام، وكان زعيم السماسرة الأكبر حسني مبارك يستخدم رئيس الجهاز الجنرال عمر سليمان، بشكل دمر تاريخ الرجل وشوه سمعته، وأتمنى ألا يسير اللواء مراد موافي الذي نكن له تقدير واحترام في ذات السياق.
وأرجو بدلا من إضاعة الوقت في اتصالات مع "تل أبيب" أن نهتم بالعبث الصهيوني في جنوب السودان ومنابع النيل، والذي اتسع بشكل مزعج عقب تفجر ثورة 25يناير المجيدة في وطننا العظيم.
وعلى كل، إن كنا نحيي ما فعله إخواننا بجهاز الأمن القومي والمخابرات من إفراج عن أسرى فلسطين، وجهود المصالحة "الفلسطينية –الفلسطينية" التي يقودونها مشكورين الآن، فإننا نتمنى أن يتوقف هؤلاء الإخوة فورا عن دعم سياسات السمسرة بالقضية الفلسطينية تحت ستار خدمتها، أو تحت أي مبرر.
نتمنى أن يتركوا تلك الأمور للسياسيين والدبلوماسيين ليتعاملوا فيها، حتى نحافظ على هيبة هذا الجهاز، ويتفرغ رجاله الذين نجلهم لحماية أمن مصر القومي بشكل يحفظ كرامة الوطن، ويحمي ترابنا الوطني.
وأخيرا، ندعو اللواء مراد موافي أن يعيد ترتيب مهام ذلك الجهاز، وأن يضع سياسة جديدة تنسجم مع مطالب ثورة 25يناير؛ لكون أننا لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي، ونحن نجد الجهاز يسير على خطى نظام مبارك، والتي دمرت سياسات مصر، وأهانتها، وقطعت صلاتنا بأحزمة أمننا القومي.