تتفق الأديان كلها على أمرين أساسيين الإيمان بالله ، وإكرام الوالدين و برهم و خاصة "الأم" ، و من هنا جاءت الوصايا الإلهية المشددة في كل الكتب السماوية "التوراة و الانجيل و القرآن" بالوالدين ، و الأكثر بالأم لأنها الأولى بجميل المعاشرة و حسن المعاملة ، و يعرض الكاتب "ملاك ميخائيل" في كتاب "أمى" لمكانة الأم في الأديان السماوية . التوراة من الوصايا التى تحملها "التوراة " ضمن الوصايا العشر عن الأم : "أكرم أباك و أمك لكى تطول أيامك على الأرض" وهى الوصية الرابعة التى تدعو لإكرام الوالدين ، و قد وعد الله من يكرم اباه و أمه بطول الأيام التى يعطيها له الله على الأرض ، و طول الأيام لا يعنى طول العمر وكثرة الصين ، لكن تعنى البركة و الخير و الأمان . و في أسفار العهد القديم الكثير من الوصايا ، منها في "سفر اللاويين" يوصى الله قائلا : " تكونون قديسين لأنى أنا قدوس الرب إلهكم .. تهابون كل إنسان أمه و أباه ، و تحفظون سبوتى ، أنا الرب إلهكم " ، و الوصية هنا تقدم الأم على الأب . ووصية أخرى في سفر لاويين "كل إنسان سب أباه أو أمه فإنه يقتل ، قد سب أباه أو أمه ، دمه عليه" ، و شرح تلك الوصية يأتى واضحا في "تثنية" : إذا كان لرجل ابن معاند و متمرد لا يسمع لقول أبيه و لا لقول أمه ، و يؤدبانه فلا يسمع لهما ، يمسكه أبوه و أمه و يأتيان به إلى شيوخ مدينته و إلى باب مكانه ، و يقولان لشيوخ مدينته : ابننا هذا معاند و متمرد لا يسمع لقولنا ، و هو مسرف و سكير ، فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتي يموت " . و في "سفر الأمثال" يكرر التوصية بطاعة الوالدين و إكرامهما ، و في بداية السفر ينصح كل ابن عاقل قائلا : " اسمع يا بنى تأديب أبيك ، و لا تنسى شريعة أمك ، لأنهما إكليل نعمة لرأسك و قلائد لعنقك" . و يحذر السفر من عواقب عدم إكرام الوالدين فيقول : "الابن الحكيم يسر أباه ، و الابن الجاهل يحتقر أمه " ، و يقول أيضا : " العين المستهزئة بأبيها ، و المحتقرة إطاعة أمها ، تقورها غربان الوادى و تأكلها فراخ النسر " ، و يقول أيضا " اسمع لأبيك الذى ولدك ، و لا تحتقر أمك إذا شاخت ، اقتن الحق و لا تبعه ، و الحكمة و الأدب و الفهم ، يفرح ابوك و أمك و تبتهج التي ولدتك " . الإنجيل لا يوجد في الإنجيل وصية مباشرة وواضحة لإكرام الأم و الأب ، ربما لأن النبى عيسى عليه السلام أوصى بمحبة الإنسان لكل الناس حتي و لو كانوا أعداء له . و إذا كان المسيح لم يقدم وصية مكتوبة أو كلامية عن إكرام الأم و احترامها و طاعتها ، فإنه قدم مثالا عمليا و فعليا بإكرامه لأمه "مريم " عليها السلام وحبه لها و عنايته بها و طاعتها ، و عن ذلك يقول الإنجيل : " ثم نزل معهما و جاء إلى الناصرة و كان خاضعا لهما " و خضوعه لأمه هنا يعنى الطاعة و المحبة . و عن الطاعة العملية ، قدم عيسى عليه السلام مثلا عن ابنين طلب الأب من أولهما أن يذهب و يعمل في كرمه ، فاعتذر الابن عن العمل و لكنه بعد قليل ندم لرفضه طلب أبيه و ذهب ليعمل في الكرم ، و طلب الأب من ابنه الثانى أن يعمل في كرمه ، فقال الابن متظاهرا بالموافقة : ها أنذا يا أبى ، بكل سرور سأذهب حتما ، و لكنه لم يذهب و يعمل في الكرم ، متسائلا أيهما أطاع الأب ، و الإجابه هى الابن الأول بالطبع . و الوصية الوحيدة المباشرة التي جاءت في الإنجيل تقول : " أيها الأولاد اطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق ، و إكرام أبيك و أمك التي هي أول وصية بوعد ، لكى يكون لكم خير ، و تكونوا طوال الأعمار على الأرض " .فيطالبهم الإنجيل بإطاعة الوالدين في الرب أما فيما يخالف وصاياه فلا طاعة للآباء على الأبناء . و في وصية أخرى غير مباشرة ، يوصى الإنجيل بخضوع الشباب و صغار السن للكبار قائلا : كذلك أيها الأحداث ، اخضعوا للشيوخ و كونوا جميعا خاضعين بعضكم لبعض ، و تسربلوا بالتواضع لأن الله يقاوم المستكبرين ، و أما المتواضعون فيعطيهم نعمة " . القرآن والأحاديث النبوية رفع الإسلام مكانة الأم و حث على برها وإكرامها ، وجاء ذلك جليا في القرآن الكريم و الأحاديث النبوية ، و منها : " و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما (23) و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا (24) " سورة الإسراء . و في سورة لقمان قوله تعالى : " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن و فصاله في عامين ان اشكر لى و لوالديك إلى المصير (14) وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها و صاحبهما في الدنيا معروفا و اتبع سبيل من أناب إلى ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون(15) " . أما سورة الأحقاف فتقول : " ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها و حمله و فصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده و بلغ أربعين سنة قال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت على و على والدي " . و في سورة النساء " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا " . أما الأحاديث الشريفة فهناك منها الكثير الذى يتحدث عن بر الوالدين و فضل الأم و تقديم رعايتها و برها عن الأب ، و نرى ذلك في الحديث الذى نقله البخارى عن أبى هريرة : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و سأله : يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتى ؟ قال له رسول الله :أمك. قال : ثم من ؟ ، قال : ثم أمك. قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك. قال : ثم من ؟ قال أبوك " . و مما يروى عن النبى صلى الله عليه و سلم : إنه قال : من أصبح مرضيا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة و إن كان واحدا فواحدا ، و من أصبح عاصيا لله في أبويه أصبح له بابان مفتوحان من النار و إن كان واحدا فواحدا . قال رجل : يا رسول الله ، و إن ظلما ؟ قال الرسول صلى الله عليه و سلم : و إن ظلما ، و إن ظلما ، و إن ظلما . قال النبى صلى الله عليه و سلم : دخلت الجنة فسمعت قراءة ، فقلت : من هذا ؟ قيل : حارثة بن النعمان . فقال صلى الله عليه و سلم : كذلك البر بالأم ، كان حارثة من أبر الناس بأمه ، فقاده البر إلى هذه المكانة من الجنة . و قال عليه الصلاة و السلم : كل الذنوب يؤجل الله ما شاء منها إلى يوم القيامة ، إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجله لصاحبه في هذه الدنيا قبل الآخرة " .