في الرابع من مارس 2017 دعا الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى مصالحة شاملة في اليمن، بعد يومين من هجومه على الإخوان المسلمين ودعوته إلى تصفيتهم جسديًا من اليمن نتيجة لمواقفهم في الحرب التي تشنها المملكة العربية السعودية، مستثنيًا منهم "التائب" عن تأييده للحرب بحسب حقوله. صالح في كلمته التي تحدث بها أمام قبائل الطوق المؤثرة في اليمن، كانت دعوته لأربعمائة ألف مقاتل يمني العودة إلى معسكراتهم والاتجاه إلى حدود المملكة العربية السعودية، وحديثه عن الإخوان المسلمين والذي اعتبرهم الكارثة الحقيقية في بلاده ويجب تصفيتهم "إلا من تاب" أو حاد عن توجه حزبه عن الحرب التي تقوده المملكة العربية السعودية على اليمن، أبرز ما جاء في خطابه التي سنخصص قراءة خاصة بها في هذا الموضوع. كان الحديث مفاجئًا للجميع خصوصًا وهو الأول من نوعه أن يخرج الحديث من شخص له ثقل سياسي كبير في اليمن، وأنصاره سيعملون على تنفيذ توجهاته في ملاحقة الإخوان المسلمين، وهو ما يعني اندلاع حرب أهلية كبيرة في البلاد التي مزقتها الحرب. اعتبره البعض أنه خطابًا متشنجًا ضد حزب الإصلاح (الإخوان)، وتخوف الجميع من أن يكون ذلك بداية في دخول اليمنيين مرحلة جديدة من الحرب وخطاب الكراهية والعنف الذي كان يضخ من جهة واحدة طيلة الخمس السنوات الماضية، مع تصنع واضح للعقلانية والانفتاح والتسامح وضبط النفس والنهج السياسي في مواجهته من قبل الطرف الآخر (سواء في القيادة أو القواعد والمؤسسات الإعلامية التابعة لهما).. الإخوان أنفسهم تفاجأوا من خطاب صالح الذي يعرفونه أنه متسامح معهم منذ أن شنوا عليه حملة كبيرة ومنظمة في الانتخابات الرئاسية لعام 2006، لكن هذا الخطاب يثبت إلى أي مدى وصلت هذه الحرب، وإن لم يتلاشى ذلك اليمنيون قبل فوات الأوان فإن الأخ قد يقتل أخوه والجار سيترصد جاره، والصديق سيخون صديقه، وستأكل الحرب الأهلية الأخضر واليابس ولن تنتهي أو تقوم قائمة لليمن بعد أن يتمزق النسيج الاجتماعي اليمني بسبب الكلمات غير المحسوبة من البعض، التي تعد كزيت يصب على النار الملتهبة أساسًا في البلاد. غير أن الإخوان المسلمين الذين استغلوا هذا الخطاب في رد هجمة إضافية على الرئيس اليمني السابق وفي نفس الوقت، عملوا على تبييض صفحتهم التي تشوهت نتيجة مشاركتهم في الحرب وحاول إعلامهم "شيطنة" صالح تحت مبرر الاستهداف لهم، لم يتنبهوا إلى أنهم أول من عملوا على التحريض ضده وضد رجاله دون أن يضعوا عواقب محتملة ليس تجاه حزبهم فقط، وإنما للنسيج الاجتماعي اليمني وخطورة التراشق الإعلامي على يمن هو أمس للتهدئة وتصفية النفوس لمواجهة اجتياح الجوع والفقر في اليمن الأشد فتكًا من الحرب الحالية. جآت دعوة صالح الذي يعتبره البعض أنها طبيعية لحملة تبناها كوادر الإخوان المسلمين من خارج اليمن، تحمل عنوان (عرّوهم) والتي يدعون خلالها إلى تعرية خصومهم السياسيين وتحديدًا المؤتمر الشعبي العام، وتعمدوا نشر صورهم وأسمائهم، وبعضهم دعا إلى قتلهم تحت مبرر (داعمو المجوس!). وبهذه الحملة استطاع الإخوان جرّ صالح إلى أدنى مستنقع الفجور في الخصومة المرفوض سياسيا والممقوت دينيا، (وربما حلقة ضمن مسرحية الصراع المدمر لليمن واليمنيين)، الأمر الذي من شأنه إطالة أمد الصراع وغياب الأمل في إيجاد مخرج يمني يمني لإيقاف الحرب والعودة للسلام. تنبه صالح سريعًا إلى الحفرة التي وقع فيها، وعاد بعد يومين بمنشور له على صفحته في الفيس بوك يُبَيّن ما كان يقصد في خطابه السابق، وطمأن "إخوانه وأبناءه" أعضاء التجمع اليمني للإصلاح في اليمن، وجدد دعوته للمصالحة الوطنية الشاملة التي لا تستثني أحد. وتلك الدعوة ليست جديدة بل قديمة تبناها حزب المؤتمر لكن فرص تحقيقها الآن صعبة نتيجة استمرار الحرب التي يظن كل طرف من أطراف الصراع انه قادرًا على إلحاق الهزيمة بخصومه وفرض أجندته كما أن بعض الأطراف لها مصلحة في استمرار الحرب لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية. المصالحة التي أطلقها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بحاجة إلى وجود طرف ثالث محلي يعمل على التقريب في وجهات النظر وقبل ذلك إيقاف الحرب، والحملات الإعلامية التحريضية من قبل كافة الأطراف، لكن ما يؤسف حقًا في الوقت الحالي أن هذا الطرف "الثالث" غائبا، ومع التراشق الإعلامي وانسداد الحوار وتصلب كافة الأطراف في مواقفها عند فتح أي حور لا يعطي أمل بأن المرحلة القادمة في اليمن ستشهد سلامًا يُعيد نسج خيوط النسيج الاجتماعي اليمني. حتى خطاب صالح التوضيحي والذي دعا إلى العملية السياسية لم يتراجع عن دعوته التحريضية ضد الإخوان المسلمين، وإنما جدد لهم الاتهامات بصورة أكثر تغليفًا بالكلمات السياسية التي تؤدي إلى نفس الطريق مع عدم تحمل تبعات اتهامه بالتحريض على الاقتتال الداخلي، وهو ما يبيّن مقدار الفجوة التي وصل إليها المجتمع اليمني. رسائل صالح السياسية صالح في خطابه ذلك حاول أن يغازل الولاياتالمتحدةالأمريكية والأنظمة العربية التي تكن عداءً حقيقيًا لجماعة الإخوان المسلمين، لاسيما وأنه يريد من خلال ذلك أن يوضح الحقيقة التي تغيب على غالبية تلك الدول والمشاركة في عملية عاصفة الحزم أن قيادات المقاومة الشعبية في اليمن التي تحظى بدعم التحالف هي قيادات إخوانية. تبدو أن رسالة صالح تلك موجهة إلى كل من الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية والولاياتالمتحدةالأمريكية التي تسعى لإدراج جماعة الإخوان المسلمين في قائمة المنظمات الإرهابية تحقيقًا لوعود دونالد ترامب الانتخابية، وما أسهل تنفيذها في اليمن المنتهك سيادته. مصر والإمارات العربية المتحدة اللتان تعتبران أن جماعة الإخوان المسلمين عدوان أساسيان ويهددان نظامي البلدين، كانت أيضًا رسالة صالح إليهم، مفادها كيف يمكن أن تحاربان الإخوان في بلديكما سياسيًا وتدعمانهما عسكريًا في اليمن، وهي ورقة من أوراق صالح الذي يبدو أنه قد ينجح في إحداث شرخ بين التحالف العربي بسبب الإخوان المسلمين. أيضًا لعل أهم رسالة بعث بها صالح في خطابه هي لكوادر الإخوان المسلمين الشبابية المتواجدة في اليمن بالدعوة إلى المصالحة الشاملة معهم مقابل إعلان التمرد عن قيادتها والمشاركة في الحرب ضد ما يسميها " الغزو الخارجي"، وهو ما بات ينجلي ذلك من خلال حديثه المتواصل أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وإسرائيل من تقود الحرب في اليمن، وليست السعودية، وهذا عند اليمنيين يستلزم الاستنفار لقتال المعتدي الخارجي لاسيما إسرائيل وأمريكا والأخيرة أعلنت جهرًا قصفها لمواقع قالت إنها لتنظيم القاعدة، بينها هي في الأساس مواقع لقيادات المقاومة الشعبية التي كانت تخوض حربًا شرسة مع الحوثيين والأخيرين استطاعوا السيطرة على بعض تلك المواقع بفضل الضربات الأمريكية. علاقات تاريخية شجع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ قبائل حاشد على تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي بات أحد أكبر الأحزاب السياسية المعارضة في اليمن فيما بعد. وحزب لإصلاح اليمني تأسس بعد الوحدة اليمنية يوم 13 سبتمبر 1990 على يد الراحل عبد الله بن حسين الأحمر شيخ قبائل حاشد بصفته تجمعا سياسيا ذا خلفية إسلامية، وامتداداً لفكر الإخوان المسلمين، وتم افتتاح مقره الرئيسي في 3 يناير 1991، كان هدف صالح حينها مواجهة الفكر الاشتراكي في عدن. استخدم صالح "الإصلاح" أوراق سياسية نجح في كل مرة يستخدمها، وهي عندما واجه الفكر الاشتراكي واستطاع القضاء عليه في جنوب اليمن، وبعد ذلك استخدمهم في استخراج فتاوي دينية لقتال الجنوبيين حينما أعلنوا الانفصال على اليمن، ونجح في ذلك أيضًا.. وفي عام 2003 عندما بدأ التمرد الحوثي، استخدم صالح حركة الإخوان المسلمين، وجيّش الكثير من كوادره الشبابية ليزج بهم إلى جبال صعدة لإخماد ذلك التمرد، والتي اندلعت ست مرات وانتهت في 2010، قبل أن يتفاجأ اليمنيون بحلف إخواني حوثي يطالب لإسقاط صالح في 11 فبراير 2011. تحالف الرئيس السابق علي عبدالله صالح مع الإخوان منذ وقت مبكر، وحاربوا معه وتحت لوائه في عدة حروب مفصلية بدءً بالمناطق الوسطى ومواجهات الجبهة، مرورا بصيف 94 وانتهاء بحرب الحوثيين.. وبعد انتهاء التحالف بينهم عام 2006، إبان الانتخابات الرئاسية وصفهم بأنهم كانوا عبارة عن (كرت) لعب به واستنزفه إلى أن انتهى وقته. فهل يعود صالح مرة أخرى لاستخدام ورقة الإخوان المسلمين التي كان يربحها كل مرة، ويربحها للمرة الأخيرة هذه المرة؟