دخلت المنافسة بين الديمقراطية كلينتون والجمهوري ترامب على رئاسة أمريكا والمقررة في الثامن من نوفمبر الحالي، مرحلة تكسير العظام بعد سيل الاتهامات الموجه من كل طرف للآخر على خلفية تحقيقات سابقة مع هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة الخارجية الأمريكية في القضية المعروفة إعلامياً ب "قضية الرسائل الشخصية". ورغم تصريحات ترامب غير المعهودة في مجال السياسة الخارجية، وكذلك مواقفه المثيرة للجدل والتي توصف بالعنصرية والفاشية والمتعصبة في كثير من الأحيان، يثير "ترامب" بحديثه عن "التطهير" ومحاربة الفساد في حالة فوزه، زوبعة في الداخل الأمريكي، وهو ما دفع الكثيرون داخل الولاياتالمتحدة إلى الحديث عن التحولات الخطيرة المستقبلية في السياسة الأمريكية. ويحاول ترامب التأثير على الناخب الأمريكي خلال الفترة المهمة القليلة المتبقية على الانتخابات، من خلال تضخيم "قضية الرسائل الشخصية" لكلينتون، واصفاً إياها ب" إنها أضخم فضيحة سياسية منذ (فضيحة) ووترجيت" التي دفعت الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون إلى الاستقالة عام 1974، مؤكداً أن "التصويت لكلينتون يعني تصويتاً لإخضاع دولتنا للفساد العام"، متهماً منافسته بأنها " وعدت وزيرة العدل لوريتا لينش بإبقائها في منصبها إذا أسقطت الملاحقات ضدها". تتميز الانتخابات الرئاسية الأمريكية لهذا العام بعدة ظواهر في ظل تفردها عن الانتخابات السابقة، ولذا نبّهت هيلاري أنصارها إلى أن المعركة "ليست محسومة"، معتبرة أن البليونير النيويوركي ترامب يسعى الى تجنّب تصويت "النساء والشباب والملونون والرجال الأذكياء". الإعلام والسوشيال ميديا تحسم الفائز يلعب المال السياسي دوراً لا يمكن إنكاره أو التقليل منه في انتخابات 2016، لكن تنبع أهميته من تمكينه للمرشح بأن يتواصل مع المواطنين الناخبين عبر التلفزيون أو الراديو أو إعلانات الطرق أو حتى الإعلانات على شبكات التواصل الاجتماعي. وتأسيساً على ذلك، يلعب الإعلام والسوشيال ميديا دورًا طاغيًا في التأثير على هوية المرشح الفائز، خاصة أن أكثر من 60% من البالغين في الولاياتالمتحدة يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، منها "تويتر" و"فيسبوك". وأن الإعلانات عبر الشبكة العنكبوتية توفر للحملات الانتخابية المزيد من القوة، وتضمن سهولة نقل الأخبار والرسائل إلى الجمهور. وتساعد وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الناخب الأمريكي على تكوين صورة عن المرشحين. ولهذا يلجأ المرشحان إلى تلك الوسائل بنشر شائعات وفضائح عن المرشح الآخر للحصول على اهتمام الناخب الأمريكي الذي يطمح إلى رئيس يحقق تطلعاته. وما تم مؤخراً، يبين بشكل لا شك فيه أن كل مرشح يلجأ إلى هزيمة خصمه في حرب نفسية إعلامية من خلال عملية تعبوية للناخبين، وذلك بالترويج عبر صفحات المرشح الشخصية أو أصدقائه أم ممن هم قياديون في حملته. وما يدلل على أهمية تلك الوسائل ما نشره موقع "بوليتيكال إنسايدر" من أن حجب خدمة الإنترنت عن مؤسس موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج جاء لتسريبه وثائق متعلقة بهيلاري كلينتون، ونشره معلومات من بريدها الإلكتروني؛ حيث تلعب تلك الوسائل أهمية كبيرة في تجميل أو تشويه صورة أي من المرشحين. وأظهر تحليل بيانات عدة وسائل إعلام أمريكية هامة (بلومبرج، فوكس، سى إن إن، وإم إس إن بي سي، برامج التوك شو الليلية، سي إن بي سي) من خلال مشروع بحثي لتحليل البيانات الضخمة، بعد أن جمع وحلل بيانات وسائل الإعلام المذكورة - أن كثافة ذكر وتكرار أسماء المرشحين كان المعيار الأهم الذي جمع بين المرشحين الفائزين ببطاقة الحزب الجمهوري والديمقراطي، "ترامب" و"كلينتون". كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا متزايدًا يكشف عن فاعلية دورها في التأثير على هوية المرشح الفائز. المرشحان "ترامب" و"كلينتون" متقاربان من حيث أعداد المتابعين على حسابات تويتر. يبلغ عدد متابعي ترامب 11.6 مليون شخص، وكلينتون 8.9 ملايين شخص. ووفقاً لتقارير الصحافة الأمريكية عن مواقع التواصل الإجتماعي، ولجهة التبرعات، فقد أعلنت لجنة الانتخابات الفيدرالية الأمريكية، أن حملة المرشحة الديموقراطية هيلاري من أكثر مرشحي الرئاسة الأمريكية حصولا على تبرعات، حيث حصلت على أكثر من 114,000 دولار. وكان المرشح الجمهوري السيناتور ماركو روبيو قد جاء في المرتبة الثانية، حيث حصل على تبرعات بقيمة 16,604 دولار من فيسبوك قبل انسحابه من السباق الرئاسي في شهر مارس الماضي. سمات متفردة ولا شك أن هذه الانتخابات الأمريكية تنفرد ببعض السمات عن سابقتها، أولها، وصول امرأة للمرة الأولى في التاريخ الأمريكي للترشح لمنصب الرئيس عن الحزب الديمقراطي، ووصول رجل أعمال ليست له أي سابقة أو خبرات سياسية أو انتخابية للترشح ممثلا للحزب الجمهوري. ثانيها، أن حالة التنافس بين متنافسي الحزبين للفوز ببطاقة الحزب في انتخابات هذا العام أظهرت تزايد عدم ثقة الأمريكيين في مؤسساتهم الحزبية القائمة، وهي عبارة عن شبكة شديدة التعقيد رسمية وغير رسمية من كبار المسؤولين الحاليين والسابقين للحزب، وممثلي الحزب سواء في الكونجرس أو المناصب التنفيذية، ورجال المال والأعمال القريبين من الحزب، والمراكز البحثية المرتبطة بالأحزاب بصورة مباشرة أو غير مباشرة. أما ثالث السمات المتفردة التي تتميز بها الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 هي خلوها من رئيس سابق يسعى لإعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، وتخلو في الوقت ذاته من سعي نائب رئيس حال (جو بايدن في هذه الحالة) للوصول لمقعد البيت الأبيض، وهو ما يجعل من سباق 2016 حالة فريدة قلما تتكرر في التاريخ السياسي الأمريكي. في حين تتمثل السمة الرابعة في عدم التزام قطاعات واسعة من الناخبين الأمريكيين بما يمثله الإطار الأيديولوجي للحزب السياسي، ويرى الكثيرون أن المؤسسة الحزبية كشيء من تراث الماضي. فعلى سبيل المثال، يُنادي الحزب الجمهوري كلاسيكيًّا بالسياسات المحافظة المتشددة اجتماعيًّا بالمعايير الأمريكية، مثل: معاداته لزواج المثليين جنسيًّا، ورفضه حق الإجهاض أو الإنجاب خارج منظومة الزواج، وضد الإلحاد. واقتصاديًّا ينادي الجمهوريون بتخفيض الضرائب، وتقليص الموازنة والإنفاق العام، ورفع القيود عن التجارة. وسياسيًّا هم متحفظون تجاه قضية الهجرة، ويعادون سياسات دعم الدولة لخدمة الرعاية الصحية للجميع أو توفير تعليم مجاني. تبقى الإشارة إلى أن ماراثون الثامن من نوفمبر أمريكياً قد يحمل بين طياته الكثير من المفاجآت بين كلينتون وترامب، وسيكون لدور وسائل الإعلام والإعلام الرقمي الجديد "السوشيال ميديا" كلمته في ترجيح كفة أحد المرشحين. /أ ش أ/