دهشة عارمة تصيب من يحاول أن يتأمل بموضوعية مشهد الإعلام المصري منذ الإعلان عن توقيتات الانتخابات البرلمانية، فمنذ تقررت هذه التوقيتات أخذت تتعالى الأصوات الزاعقة في حالة هيستيرية من الصراخ والبكاء والعويل المسبق، بل هي حالة من الاستعداء المعلن تورطت فيها بفجاجة حفنة من القنوات الفضائية التي ترفع شعارات المدنية والليبرالية، استعداءً للجماهير على التيارات الإسلامية وتخويفًا لهم منها، ومن شر مستطير يتربص بالعباد والبلاد في حالة فوز هذه التيارات بتواجد يحقق لأصحابها أغلبية في برلمان ما بعد الثورة، وهددوا الناس وخوفوهم من الردة إلى ما وراء الرجعية، ومن التسلط والقمع ومصادرة الحريات العامة بل الخاصة أيضًا. وفي المجمل، فإن هذه القنوات الممولة من جهات كنسية ومن الرأسماليين الذين تضخمت ثرواتهم في عهد مبارك الفاسد حتى فاحت منها رائحة عفنة هي عنوان لفساد عصر، وحقبة هي أسوأ ما مر بمصر في تاريخها الحديث والمعاصر وعلى رأسهم ساويرس. هذه القنوات لم تدع وسيلة لتشويه التيارات الإسلامية إلا توسلتها، ولم تدع تهمة باطلة تلصقها بالإسلاميين إلا جهدت أن تلصقها بهم في إلحاح رخيص، ولم تدع قالة زائفة تزعم تجبر وتسلط واستبداد الإسلاميين إذا ما وصلوا إلى قبة البرلمان إلا وتقولوها، وأفسحوا المجال واسعًا، وأفردوا الساعات الطوال لحناجر وألسنة حفنة من المبطلين المرجفين المرتجفين من الفكرة الإسلامية ليطنوا ويطنطنوا بثرثرات فارغة، فلا تكاد تحول مؤشر القناة إلا وتجد الوجه نفسه والحنجرة نفسها والصراخ ذاته، فكان هؤلاء كالبهلوانات في سيرك كبير اسمه الإعلام المصري. هذه القنوات ذاتها وهذه الألسنة ذاتها كانت – منذ إنشائها وإنشائهم في عهد مبارك - عمياء إلا عما يسمح لها نظام مبارك أن ترى، وخرساء إلا فيما يسمح لها أن تقول، ولم يكن أكثر ما تقوله إلا تمجيدًا لحكمة مبارك وتنويهًا بمآثره وانحيازاته إلى الفقراء ومحدودي الدخل كما كان هو نفسه يقول كاذبًا سافر الكذب، ولم يرتفع من هذه القنوات كلها صوت ولو هزيلًا خافتًا في غضبة، ولو كذبة مفتعلة لأحد هؤلاء الإسلاميين الذين كانوا يزج بهم في معتقلات مبارك وسلخاناته. وتقول حقائق علم النفس إن الإنسان عاجز كل العجز أن يخدع نفسه مهما خدع أو حاول أن يخدع غيره. ولهذا فقد انتظرت هذه القنوات ومعها شراذم المتشدقين المتسفسطين فيها نتائج الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، وهم على يقين أن التيارات الإسلامية سوف تتقدم النتائج، ولكن كان عندهم شيء كالأمل – أو بالأدق هو الوهم – أن تكون أراجيفهم التي جهدوا أن يبثوها طوال أسابيع وشهور ربما تثمر فتغير هذا الواقع لكن الشعب المصري المسلم هوية وتراثًا وثقاقة عصف بأوهامهم عصف الرياح بأوراق الشجر المتساقطة، فقال قولته، فكان أن اكتسح الإسلاميون نتائج هذه الجولة في مشهد كان أقرب وصف له أن الإسلاميين كانوا يتنافسون مع أنفسهم. وهنا تحول الموقف في هذه القنوات فيما يشبه الصدمة، فتشكك المرجفون أنهم طوال هذه الأشهر، كانوا يهاجمون التيارات الإسلامية، والتبس عليهم الأمر فظنوا أنهم كانوا يروجون لهذه التيارات، بل إنهم لو كانوا يروجون لها لما كانت النتائج فارقة بمثل هذا القدر المبهر الذي كانت عليه النتائج. وإذا كان لهذه القنوات ولأبواقها الزاعقة قدر ضئيل من شجاعة البحث عن الحقيقة فلتنظر إلى الأمور بعين الموضوعية التي تدعيها لترى أن المصريين أكثر فطنة من أن ينخدعوا لطنطنات ثرثرتهم الجوفاء، فالمصريون لم يصوتوا للإسلاميين في الانتخابات البرلمانية إلا للمنهج الإسلامي والبرنامج الإسلامي الذي يطرحه هؤلاء الإسلاميون، والذي هو متغلغل في صميم وجدان هذا الشعب المسلم، وما كان المرشحون الإسلاميون إلا معبرين عما هو كائن في وجدان الشعب. وأخيرًا فيا هؤلاء الذين تتشدقون بقيم الديمقراطية: كفوا عن صراخكم الزاعق سخطًا على نتائج الانتخابات الكاسحة، لأن هذا الفعل منكم هو أول مظاهر اللاديمقراطية. عضو اتحاد كتاب مصر