يراهن الصومال على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة نهاية سبتمبر الجاري، إذ يتطلع المواطنون إلى طي صفحات الخراب والصراعات القبلية، والعودة إلى الاستقرار واستعادة الدولة هيبتها، رغم التحديات التي تحيط بتلك الانتخابات، مع إصرار الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، على إجرائها باعتبارها "اختباراً عملياً له". بعد الإطاحة بالحكم المركزي عام 1991، ودخول البلاد مرحلة الفوضى التي أتت على الأخضر واليابس، خاض الصومال 4 انتخابات رئاسية وبرلمانية؛ ثلاثة منها عقدت خارج البلاد في كينيا وجيبوتي، بينما الأخيرة التي انتخب فيها الرئيس الحالي (تنتهي ولايته في العاشر من سبتمبر الجاري)، عقدت في العاصمة مقديشو، غير أن الانتخابات المقبلة قد تكون مختلفة عن سابقاتها من حيث حجم التمثيل السياسي والمشاركة، وكيفية إجرائها. وعادةً ما تكون الانتخابات رئاسية وبرلمانية معا، وتجري بطريقة غير مباشرة حيث ينتخب مندوبو القبائل - وليس الشعب - المجلسين بغرفتيه "الشيوخ" و"الشعب" (البرلمان)، وبدوره ينتخب الأخير رئيس البلاد من بين المرشحين للرئاسة. وبهذا الخصوص، يقول "محمد عثمان" مدير مركز آفاق للإعلام (مستقل) للأناضول، إن الانتخابات المقبلة ستشكل انتخابات استثنائية من حيث المشاركة السياسية، وتأييد المجتمع الدولي الذي يسعى جاهدا لتحقيق مشهد سياسي فريد من نوعه، يعكس النموذج السياسي الذي يمر به البلاد، رغم التحديات الأمنية والاقتصادية. وأضاف عثمان، أن المجتمع الدولي فشل في تحقيق انتخابات شعبية داخل الصومال، نتيجة عدم بسط الحكومة سيطرتها على جميع أنحاء البلاد، والتهديدات الأمنية التي لا تزال قائمة في بعض الأقاليم الصومالية، إلى جانب غياب آليات تضمن نجاح تلك الانتخابات، ما دفعه إلى التوجه نحو انتخابات غير مباشرة تكون الأقاليم الإدارية والتركيبة القبلية منطلقا رئيسيا لها. ومضى قائلا إن حالة من الاستقطاب السياسي تسود مؤخراً بين الحكومة الصومالية ورؤساء الأقاليم الفيدرالية، حول توقيت الانتخابات، وتوفير الظروف والأجواء المناسبة للخروج بها نزيهة وذات شرعية واسعة. ومن المقرر أن تكون الانتخابات المقبلة، هي الأخيرة التي تجري وفق نظام "المحاصصة القبلية"، إلاّ أنها تختلف عن سابقاتها، حيث من المتوقع أن يشارك فيها نحو 14 ألف و25 مندوبا، يتم اختيارهم على أساس قبلي، بدلا من 130 شيخاً قبليا، عيّنوا أعضاء البرلمان المنتهية ولايته في انتخابات العام 2012. وينتخب المندوبون الجدد، أعضاء "مجلس الشيوخ" المؤلف من 54 عضوا، وهو مجلس جديد، و"مجلس الشعب" المكوّن من 275 نائبا، في خطوة تشير وفق المراقبين إلى أن الصومال تتجه نحو الاستقرار. ويتم انتخاب المجلس الأعلى في 25 سبتمبر الجاري، بينما ينتخب مجلس البرلمان في الفترة من 24 سبتمبر لغاية 10 أكتوبر المقبل، على أن يتم انتخاب رئيس البرلمان في 25 أكتوبر، كما يتم انتخاب الرئيس البلاد في 30 من الشهر نفسه، وهو أعلى منصب في البلاد، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ويحق له تعيين رئيس الوزراء والقضاء في جميع الأقاليم. بدوره قال "عبد القادر هاجر" محلل سياسي في مركز القرن للاستشارات والبحوث (مستقل)، إن العصى السحرية الوحيدة التي يمتلكها المجتمع الدولي لتجاوز المرحلة الراهنة في البلاد، هي الانتخابات، رغم الشبهات التي تحوم حولها بسبب نظام المحاصصة القبلية المعروف باسم، "4.5"، (أربع قبائل كبرى ونصف قبيلة، تمثل القبائل الصغيرة) وهو القاعدة التي يتم على أساسها اختيار المندوبين. وأضاف هاجر أن العملية السياسية في الصومال التي أنتجت الانتخابات المزمعة، لا تمهد فقط إلى انتخابات شعبية عام 2020، بقدر ما تساهم أيضا في عملية التحول الديمقراطي، حيث تزيح عقلية الحرب والسلاح التي يعتمد عليها السياسيون للوصول إلى سدة الحكم منذ عقود، مبيناً أن حكومة العام 2017، المنبثقة عن الانتخابات المقبلة، ستسعى لإتباع نهج يوصل البلاد إلى انتخابات شعبية عام 2020. وأشار "هاجر"، أن وصول البلاد إلى انتخابات شعبية، تسمح للمواطنين بالإدلاء بأصواتهم، واختيار ممثليهم بحرية، يتوقف على النهج الذي ستسلكه الحكومة المقبلة عام 2017، "لكن الجانب الأهم في الانتخابات المقبلة هو المشاركة السياسية التي تعد الأكبر من نوعها منذ نحو 25 عاما، ما يفتح باب أمل للمجتمعين الصومالي والدولي، بأن الانتخابات التي تليها ستكون أوسع مشاركة، بل وستمهد الطريق لما يحلم به الصوماليون لإجراء انتخابات شعبية". بيد أن ثمة تحديات قد تبقى عالقة أمام إجراء الانتخابات في موعدها، تتمثل في الجانب الاقتصادي، الذي يشكل التحدي الأبرز، حيث تكفّل المجتمع الدولي (ممثلاً بالأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية في إفريقيا "إيغاد" ودول مانحة) بدفع 60% فقط من تكاليف الانتخابات، بينما تتكفل الحكومة بالتكاليف المتبقية (40%). وإلى جانب التحدي الاقتصادي، يبرز الشق الأمني فضلا عن التحدي السياسي، حيث لم يكتمل بعد تشكيل إدارة إقليم "هيران وشبيلي" (وسط) التي كان من المفترض أن تكون إدارته جزءا من العملية الانتخابية المرتقبة بعد أيام، على غرار الأقاليم الإدارية الأخرى، وما زالت الخلافات القبلية أمام تشكيل إدارة تدمج الإقليم لتشكيل حكومة محلية تعمل تحت النظام الفيدرالي، إضافة إلى النزاع السياسي بين رؤساء الحكومات المحلية والحكومة المركزية حول بعض التفاصيل المتعلقة بالانتخابات. وتتوزّع الصومال على 7 أقاليم إدارية محلية، هي "بنادر"، و"جنوب غرب الصومال"، و"جوبالاندا"، و"غلمدغ"، و"بونتلاندا"، و"هيران وشبيلي الوسطى" وهو لا يزال قيد الإنشاء، و"صوماليلاندا"، الذي أبدى اعتراضه على الانتخابات المقبلة، وجميع الأقاليم المذكورة خاضعة للحكومة الفيدرالية الحالية، باستثناء الأخير، الذي أعلن انفصاله عن البلاد، لكنه لم يجد اعترافا دوليا حتى الآن، ومع ذلك يجد حصته في الانتخابات المقبلة. بدوره اعتبر "محمود محمد" الباحث والمحلل السياسي، العجز المالي للحكومة الصومالية وعدم قدرتها على تحمل 40% من تكاليف الانتخابات، "عقبة اقتصادية أمام الانتخابات، ما لم يتكفل المجتمع الدولي بسد العجز المالي المتعلق بها، والوفاء بجميع التزاماته المالية للانتخابات"، مؤكداً أنه "سدد مؤخرا نحو 60% من الميزانية المطلوبة". ومضى قائلا، إن عدم توفير ميزانية مالية للجان التي تعمل على تسهيل إجراءات انعقاد الانتخابات في موعدها، من شأنها أن تعرقل سير العملية، وهو الأمر الذي يحتّم على المجتمع الدولي تحمل جميع الالتزامات المالية لنجاح عملية الانتخابات المقبلة. وختم حديثه بالقول بأن "الانتخابات ستجرى في موعدها رغم العقبات الاقتصادية، فرارا من فراغ دستوري في البلاد، الذي يعاني من مشاكل أمنية أصلا". وحول التحدي الأمني قال "محمد"، إن التحدي الأمني هو أهم عقبة رئيسة في هذه المرحلة، إذ فشلت الحكومة التي تولت مهام البلاد عام 2012 في بسط سيطرتها على الأقاليم، وما زالت بعض المدن تشهد معارك قبلية، فضلا عن حرب العصابات التي تشنها "حركة الشباب" المتمردة في بعض المناطق الخاضعة للحكومة. وأشار الباحث والمحلل السياسي، إلى أن "حركة الشباب" لها القدرة على اختراق الأماكن التي تحظى بحراسة أمنية مشددة، وستستخدم كل إماكانياتها لعرقلة الانتخابات، والهجمات الأخيرة كانت عبارة عن رسائل مفخخة تمثل جرس إنذار من قبل المتشددين. وكثفت "حركة الشباب" من هجماتها خلال أغسطس الماضي (قبل شهر من موعد الانتخابات)، عندما نفذت أربع هجمات، كان آخرها استهداف فندق قرب القصر الرئاسي، والذي راح ضحيته أكثر من 15 شخصا، في رسالة واضحة موجهة للحكومة الصومالية، بحسب مراقبين سياسيين. ورغم التحديّات الماثلة أمام الحكومة تجاه تلك الانتخابات، إلاّ أن الرئيس الصومالي أعلن في أكثر من مناسبة، عن عزم بلاده إجراء الانتخابات، وأنها لن تتأخر عن موعدها. وتشهد الصومال اجتماعات أمنية مكثفة بين القيادات الأمنية في البلاد، وقوات حفظ السلام الأفريقية "أميصوم"، لضمان أمن وسلامة الانتخابات المرتقبة، والحيلولة دون وقوع ما يعكر صفوها.