قال عنها الإمام محمد عبده "إن باحثًا مدققًا إذا أراد أن يعرف أين تموت اللغة العربية؟ وأين تحيا؟ لوجدها تموت في كل مكان، ووجدها تحيا في هذا المكان".وعدها عباس العقاد مدرسة شعرية فريدة بقوله : " الدرعمى عربى سلفى عصرى ... ولا يسعك وأنت تقرأ قصيدة الشاعر من أركان هذه المدرسة الدرعمية أن تحجب فكرة (اللغة) من خاطرك .." ، أما امير الشعراء شوقي فجعلها قبلة الشعراء وشمس زمانهم التي بلغت كمالها. وبالفعل فقد تخرج مئات العباقرة بفروع الأدب واللغة العربية من هذا الصرح العريق الذي أسسه علي باشا مبارك وكان للشعر نصيب وافر من خريجي دار العلوم، ونذكر منهم ك خالد سليم، هاشم الرفاعي، حفني ناصف، علي الجارم، علي الجندي، محمود حسن اسماعيل، طاهر أبوفاشا، فاروق شوشة، أحمد بخيت، أحمد بلبولة، أحمد درويش، الحساني حسن عبدالله، أبوهمام وغيرهم الكثير. وفي أمسية عرفان للمبدعين، التقى شعراء دار العلوم مساء أمس الأول على ضفاف النيل بالقرية الفرعونية، في تجمع رعته الكلية العريقة ومشروع "عابر" الثقافي والمؤسسة العربية للعلوم ودار ا "غريب" و"غراب" للنشر والتوزيع. حضر الملتقى عشرات المبدعين من دار العلوم والمحبين لمدرستها الشعرية واللغوية، وعلى رأسهم د. أحمد الجارم نجل الشاعر الكبير علي الجارم. واختتمت الليلة بتوزيع شهادات تقدير للمشاركين. وألقى الشاعر الدرعمي محمد حجاج منسق اللقاء ومدير الندوة كلمة تعريفية بتاريخ الدار العريقة منذ تأسست عام 1872 وإدماجها بالكليات الجامعية بنهاية الأربعينات، ومرورا بتطورها وانتقالها لحرم جامعة القاهرة 1980 ، وقد كانت الدار معنية بتدريس العلوم الإنسانية والتطبيقية ثم بدأت بالتركيز على العلوم اللغوية والشرعية والأدبية التي تنمي وجدان العربي المعاصر. يقول شوقي بقصيدته "دار العلوم" اتخذت السماء يا دار ركناً وأويت الكواكب الزهر سكنا وجمعت السعادتين، فباتت فيك دنيا الصلاح للدين خدنا نادما الدهر في ذراك، وفضا من سلاف الوداد دنا فدنا وإذا الخلق كان عقد وداد لم ينل منه من وشى وتجنى وفي كلمته، أشار داوود الكوري أحد الطلبة الذين يدرسون العربية بالقاهرة، إلى أن اللغة العربية قوية وقديمة ولا تضاهيها لغة في اشتقاقاتها وثرائها وهي اللغة الثانية الرسمية ببلاده . وفي أبيات أنشدها الشاعر محمد حجاج بعظمة دار العلوم العريقة يقول : عين ترافق عيني حثها السهر لا يعرف الدار من لا فيه يزدهر ألا ترى الثمرات الغصن ضممها من بعد نضج عسى أن يؤكل الثمر .. .. عشقي لساني وشعري لا يفارقني والشرع بينهما من حيث ينتظر وقدوتي قمم لو شئت تعرفهم دار العلوم بها الأنجم الزهر طابت لنا دارنا دنيا وآخرة في جنة الخلد تلك الدار تختصر أما نجل الشاعر الكبير على الجارم فتذكر مواقف عدة مع والده، منها زيارتهم لبيروت وإلقائه قصيدة نيابة عن والده – وبعد إلحاح طويل- في حضور شعراء العربية ودبلوماسييها، كان ذلك قبل عام واحد من نكسة العرب في 1948 وقيام دولة الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين، وقد قرأ الشاعر من ديوان أبيه قصيدة "العروبة" الشهيرة، وفيها يقول : بني العروبةِ إنَّ اللّه يجمعُنا فلا يفرِّقُنا في الأرضِ إنسانُ لنا بها وطنٌ حرٌّ نلوذُ به إذا تناءتْ مسافاتٌ وأوْطَانُ غدا الصليبُ هلالاً في توحُّدِنا وجمّع القومَ إنجيلٌ وقرآنُ ولم نبالِ فُروقاً شَتَّتْ أُمماً عدنانُ غسّانُ أو غسّانُ عدنان أواصرُ الدَّمِ والتاريخِ تَجمعُنا وكلُّنا في رِحابِ الشرقِ إخوانُ وعلى الرغم من دراسته بإنجلترا وتمكنه من اللغة الإنجليزية لم ينسَقِ الجارم وراء الاتجاه الغربي، وظل المدافع الأول عن اللغة العربية لغة القرآن الكريم وأحد المعتزين بها فعمل جاهداً على نهضتها ورقيها. وهو من قال : نَزَل القُرْآنُ بالضَّادِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا سِواهُ لكَفَاها وقد تبحر الجارم في علوم اللغة العربية بالبحث والدراسة والممارسة، كما تبحر بالتراث والتاريخ والنحو، وقدم عددا من أرصن وأقيم المؤلفات العربية . وقد تغنت السيدة أم كلثوم بإحدى قصائده ومنها يقول : مالي فُتِنْتُ بلحْظِكِ الْفَتَّاكِ | وسَلَوْتُ كُلَّ مَلِيحَة ٍ إِلاَّكِ يُسْرَاكِ قَدْ مَلَكَتْ زِمَامَ صَبَابتي | ومَضَلَّتِي وهُدَاى فى يُمْنَاكِ فَإِذا وَصَلْتِ فَكُلُّ شَيْءٍ باسِمُ | وإذا هَجَرْتِ فكلُ شَيْءٍ باكِي وكتب الشاعر احتفاء بالنصر على الكيان الصهيوني في حرب أكتوبر يقول : تألق النصر فاهتزت عوالينا ~ و استقبلت موكب البشري قوافينا غني لنا السيف في الأعناق اغنية ~ عزت علي الأيك إيقاعا و تلحينا هزته كف من الفولاذ قبضتها ~ في الهول ما عرفت رفقا و لا لينا نفسي فداء فلسطين و ما لقيت ~ و هل يناجي الهوي إلا فلسطينا وتذكر المجمعي الطبيب نجل الشاعر الجارم كيف لعب القدر دورا بحياة أبيه، فبعد إلغاء المدارس بعهد الخديو سعيد، أرسله والده للأزهر الشريف ليتعلم الدين، ثم تتملذ على يد الشيخ حمزة فتح الله من فطاحل اللغة العربية، وبرز نبوغه المبكر باللغة والشعر والفكر، وإن تعرض لمحنة منع آثاره بعد ثورة يوليو 1952 من التداول، لكن أعماله عادت للتداول لتؤكد مكانته فيما بعد . ومن جانبه تذكر الشاعر سعيد شوارب، الخبير المجمعي، علاقته بدار العلوم التي يؤكد أنها حياة كاملة وليست معهدا دراسيا . وقرأ الشاعر الكبير مقاطع من ديوانه الجديد "أعترف الآن" ومنها : عصفورة خطرت فتلفت الورق ومشى الحرير إليه والأرق سر لوجهك كم عجبت له كل الحدود إليه تخترق كسيف الحرير مشى إليه وما في الدرب إلا الوجد والقلق وتنوعت قصائد الشعراء الشباب خلال الأمسية ومنهم : محمد حجاج، يسري الغزالي، معتز صقر القاء عن أخيه محمد جمال صقر، سيد يوسف، السيد خلف، هشام زغلول وعلي الشيمي . وكان الفيتوري، علم الشعر السوداني الراحل، حظ من الأمسية نقدا وشعرا، فقد انتسب فترة من حياته للكلية وتتملذ برحابها، وحضرت قصائده السياسية الثائرة والصوفية العذبة، ومنها "ياقوت العرش" و"أغاني إفريقيا" و ، وركزت ورقة للناقد أحمد حسن على الوجوه المختلفة للفيتوري وقرأ "حسن" مقاطع متنوعة للفيتوري منها بالحب : "في حضرة من أهوى عبثت بي الأشواق حدقت بلا وجه ورقصت بلا ساق وزحمت براياتي وطبولي الآفاق عشقي يفني عشقي وفنائي استغراق مملوكك لكني سلطان العشاق" وفي مقاومة الطغاة حضرت كلمات الفيتوري ، ومنها : "إن صوتي مشنقة للطغاة جميعا ولانادما إن روحي مثقلة بالغضب كل طاغية هو صنم دمية من خشب. "