أقرت اللجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي بمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، في اجتماعها العاشر الذي أقيم بالعاصمة الناميبية ويندهوك خلال الفترة من 29 نوفمبر إلى 4 ديسمبر 2015 القهوة العربية ضمن التراث الثقافي الغيرالمادي، لكونها تراثا كبيرا في العادات والتقاليد العريقة بمنطقة الخليج العربي. ويرجع اكتشاف القهوة بحسب رواية شائعة إلى راعي غنم من اليمن لاحظ النشاط والنشوة على قطيعه بعدما تناول أوراق من شجرة البن وقتها، وهو ما جذب انتباهه فقام هذا الشخص بقطف حبوب هذه الشجرة وقام بنقعها في الماء وشربها فشعر هو الآخر بالانتعاش والنشاط. ومن هنا انتشرت القهوة في الجزيرة العربية، وهذه الرواية تؤكد أن العرب هم من اكتشفوا القهوة وصدروها إلى كل بقاع الأرض. وذكرت المعاجم العربية أن القهوة سميت بهذا الإسم لأنها تُقهي الشارب أي تقلل شهيته عن الطعام. طقوس القهوة وتحتل القهوة مكانة كبيرة في البلاد العربية ولها طقوسها الخاصة، كما أن أدوات إعدادها تختلف كثيرا عن غيرها من المشروبات التي تحتاج مياه ساخنة، وكوب، وثواني معدودة وتحتسيها، أما القهوة فلكي تستمتع بها تجوب مشوار طويل وتفاصيل دقيقة حتي تفوز بمذاق القهوة العربية الأصيلة الفريدة من نوعها. وتختلف مسميات الأواني الخاصة بالقهوة من بلد لآخر لكن الوظيفة واحدة، أول ما يستقبل القهوة ويجهزها المحماس أو ( المحماسه ) وهو عبارة عن إناء له زراع يمسك بها وتوضع فيه حبوب البن لتحميصها على النار. وبعدها يأتي دور الهون وهو لهرس وصحن القهوة حتي تصبح كالبودرة وعادة ما يكون من النحاس الأصلي ومنه الخشبي للأسر البسيطة التي لا تستطيع شراء غالي الثمن. وبعد كل هذه الخطوات يأتي دور الكنكة لتحضير القهوة وتكون نحاسية الصنع أو من الألومنيوم توضع بها القهوة والمياه والسكر ومنها على موقد شعلة صغير "السبرتاية". وبعد نضجها تُصفي جيدا وتقدم في فناجين أو فنجال كما يطلق عليه في بعض الدول العربية وتقدم للضيف في المناسبات السعيدة والحزينة. ولفنجان القهوة العربية مسميات عديدة منها "الهيف" الذي يشربه صاحب المجلس أمام ضيوفه لإثبات سلامة القهوة، الضيف" باعتباره يحل محل العيش والملح بين المضيف والضيف، و"الكيف" الخاص بالتذوق والمزاج، و"السيف" الذي يلزم الضيف بالدفاع عن تلك العشيرة كونه بمثابة عهد بينهم ويدل على القوة والشرف، فأصبحت القهوة العربية تعبر عن الكثير من المشاعر متل الكرم من صاحب البيت وإجابة الطلب والحزن والفرح . قراءة الطالع وبالنسبة للسيدات فالقهوة لها طابع خاص فبجانب أنها ذات مذاق مميز إلا أنها تعتبر إحدى وسائل معرفة النساء لمستقبلهن وهي عادة قديمة ومن ثقافة مجتمعنا الشرقي. فبعد الانتهاء من شرب فنجان القهوة تأتي إمرأة متخصصة في هذا المجال لقراءة الطالع، وبالرغم من عدم الإيمان بمثل هذه المعتقدات فتمارس النساء هذه العادة من باب الفضول. عادات وتقاليد ولشرب القهوة وتقديمها آداب اجتماعية موروثة، وهي أشبه بالقوانين تسير على الضيف والمضيف معا في الجلسات التي تكون القهوة بطلتها وقائدتها الأولي. فمسكة الفنجان لها أثرها فلا تقدم باليد اليسري أبدا وعلى المضيف أن ينحني ليصبح الفنجان أدنى من صدر الضيف وفي متناول يده، وتكون الكمية المقدمة لا تتجاوز رشفة صغيرة تغطي قاع الفنجان بارتفاع (1 سم) تقريبا دليلا على أن القهوة (للكيف) وليست شراب غذاء. أما الضيف فعليه واجبات هو الآخر، فمن العرف أن يتناول القهوة باليد اليمني والتصرف بغير ذلك معاكس لآداب الضيافة العربية لأن ذلك احتقار للمضيف وازدراء له، كما أنه لا يجوز أن يتناول الفنجان وهو متكئ، بل عليه أن يستند، وأن يكون جالسا باحترام. "إعط اللي على يمينك لو كان أبو زيد على يسارك".. هذه المقولة تعبر عن أهم أسس تقديم القهوة وهي أن المضيف لابد له أن يبدأ بيمينه حتي لو كان على اليسار شخص ذو جاه وسلطان. إما إذا أعدت القهوة على شرف ضيف قادم من منطقة بعيدة، أو إذا دخل أثناء إعدادها فإن الدور يبدأ به أينما كان مجلسه، ويستمر بمن يجلس عن يمينه حتى ينتهي بمن يجلس عن يساره ولا يجوز أن يخصص أحد الموجودين دون غيره. وللقهوة ترتيب محدد، وعادة ما يكون للضيف ثلاث فناجين فيقول أحد الرجال أن لذة القهوة شرب ثلاثة فناجين: "الفنجان الأول لرأسي" أي يزيل النعاس من رأسي ويجعله يقظا متحفزا، والثاني لبأسي ويزيدني بأسا وشجاعة، الثالث يطير عماسي - والعماس هو الصداع- واللبس واختلال الأمور، أي أن الفنجان الثالث يصفي عقلي ، ويطرد منه الصداع والاختلال فيصبح الذهن نشيطا والعقل متوقدا. الأفضل صحيا ويفضل تناول القهوة العربية عن غيرها كونها خالية من السكر إضافة لاحتوائها على مادة الكربون التي تساعد على الهضم وتنشيط الجسم، خصوصا أنها تنبه العصارات الهضمية وتدر البول. وتساهم القهوة في علاج الشقيقة، والصداع، بجانب الكافيين الذي يستخدم في صناعة الأدوية المخففة للألم والحد من الشهية المفرطة ومقاومة النعاس ونزلات البرد والربو، إضافة إلى أنها مصدر غني بالمواد المضادة للتأكسد، والتي تقلل من آثار المواد الضارة للجسم وتعمل على الوقاية من بعض الأمراض، فلذلك تعتبر صحية مقارنة بالأنواع الآخري. مزاج قبل الدخان الدكتور ناصر إبراهيم أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، قال إن القهوة مزاج وعادة تحكم الشخص وسبقت الدخان في مصر. وأضاف في تصريحات صحفية، أنها أخذت صراعا فقهيا وجذبت الفتاوي لها فمنهم من حرمها لأنها تشجع السهر وخاصة إذا صاحبها رقص النساء وكان ذلك في عصر المماليك أما الصوفية ومجالس الذكر فكانت القهوة مشروبهم المفضل، وتردد على ألسنة الناس المقولة الشهيرة " القهوة شراب أهل الله" لأنها تساعد على السهر للذكر والمناجاة ليلا. وأوضح أن القهوة أصبحت مشروبا شعبيا في القرن السادس والسابع عشر وازداد الطلب على البن بشكل كبير في هذه الفترة، وانتعشت الأسواق المحلية والدولية، واهتمت بها الدولة العثمانية بشكل كبير، وكان لها طقوسا خاصة في تقديمها وشربها. ولفت الى أن كل فئة تختلف عن الأخري في طريقة إعداد القهوة، فالمصريين الميسورين الحال يقومون بتحضير القهوة ببعض النكهات مثل العنبر وماء الورد حتي تعطيها مذاقا مميزا، مضيفا أنها أصبحت مشروب النخبة، حتي أنها بدأت في رحاب الصوفية ومجالس الذكر.