يعد الروائي السيد نجم أحد مراجع أدب المقاومة والحرب، وهو إلى جانب كونه نائبا لرئيس اتحاد الإنترنت العرب فهو كاتب صحفي وأديب .. وفي لقائه مع "محيط" أكد نجم أن إسرائيل توزع مجلات للطفل اليهودي حول العالم تحض على الكراهية ولذا لابد أن نخاطب أطفالنا ليواجهوا التحدي . وحذر الكاتب في الحوار من خطر التكنولوجيا على لغتنا العربية وكذلك حذر من الإنسياق وراء القيمة المادية كحافز للإنتاج الأدبي العربي .
محيط : ما ملامح تجربتك مع الكتابة ؟
- نشرت أول قصة قصيرة لي عام 1970م، بمجلة روز اليوسف، وهو ما يعنى أنني من جيل السبعينيات، وهذا الجيل تحديدا هو جيل أكتوبر73 ، وأظن أن أغلب ما كتبت من روايات أو في المجموعات القصصية كلها تضمنت بعض من التجربة الحربية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأنا مهتم بتناول حياة المهمشين ومساكن الإيواء فى روايتي "أيام يوسف المنسي"، وتناولت مجمل أهم أحداث الثمانينات والمتغيرات المجتمعية بعد الانفتاح الاقتصادي، واتفاقية كامب ديفيد فى روايتي "العتبات الضيقة" و"الروح وما شجاها" وهو ما برز أيضا فى المجموعات القصصية حيث "الغربة" والاغتراب داخل الوطن.
محيط : وماذا عن أدب الطفل الذي تكتبه ؟
نشرت نحو 11 كتابا إبداعيا للطفل ولكن تجربتي معهم بدأت متأخرة بعد أن رزقت بابنتي "مي" و"بسمة"، وقد كنت أقص عليهما ما يرد على رأسي بما يشبه الحكى، ووجدت استقبالا شجعني أن أحاول الكتابة للطفل بشكل علمي ومحدد بقوانين الأدب. ومن المؤكد أن أدب الطفل له خصوصية ويتطلب أن يتسلح كاتبه بمعلومات علمية حول عالم الطفل النفسي والتي تنعكس في خبراته وسلوكه ولغته، وأن يتعرف على الفروق السلوكية بين الذكر والأنثى ، وتحديد المرحلة العمرية الملائمة لكل شكل من الكتابة، وكيف يحول القيم كالأمانة والإخلاص لقصص محكية غير مباشرة . وأعترف أنني حاولت التركيز في قصصي للطفل على فكرة المقاومة ، وفازت إحدى القصص بجائزة مكتب التربية العربي للخليج وهي بعنوان "العصفور الصغير ينقذ الغابة" ، وكذلك قصة ضمن سلسلة "قطر الندى" بعنوان "الأشبال على أرض الأبطال" وقد اقتنتها وزارة التربية والتعليم . ولى تحت الطبع حاليا أربعة كتب، فى دار المعارف وهيئة الكتاب.
محيط : لماذا ذكرت من قبل أن تجربة الحرب مثل تجربة الحب لها خصوصية ؟
- أشعر أن تجربة الحب لها معايشاتها الخاصة وكذلك تجربة الحرب والتي لا يدري معناها إلا من عايشها ، وخاصة أن النفس البشرية مجبولة على حب الحياة، وأذكر أننا في حرب أكتوبر لم نكن نفكر لحظة في الموت . وأدب الحرب ليس أن تكتب عن مقاتل خلال فترة زمنية من التاريخ، ولكنه أساسا معالجة لفكرة الصراع السياسي وتأثيراته، من خلال معايشة المبدع للتجربة، وليس شرطا أن يكون المبدع محاربا ولكن يكفي أن يكون قد عايشهم ورأى تجارب الأسر والقتال والطرد أو التهجير والاستشهاد والحصار وغيرها .
بعد أن أنهيت الخدمة العسكرية، وانخرطت فى الحياة الثقافية، تفرغت للبحث ودراسة أدب الحرب، وأنتجت أول كتاب تنظيري في هذا المجال بعنوان "الحرب: الفكرة الإبداع" عن هيئة الكتاب ، ثم نشرت كتبا في هذا المجال وتم تكليفي من اتحاد الكتاب الفلسطينيين لكتابة أدبيات الانتفاضة، كما نشرت أخيرا كتاب "الطفل والحرب فى الأدب العبري" ، ولي أعمال روائية في هذا المجال منها رواية "السمان يهاجر شرقا" و"أيام يوسف المنسي".
محيط : ولماذا تهتم بأدب الطفل العبري ؟
- إسرائيل تتوجه للطفل عبر استراتيجية مدروسة، فهم على وعي بأهمية هذه المرحلة في تشكيل الإنسان، ومن أساليب الوصول للطفل هو الأدب، فهم يصدرون سلسلة للصغار منذ 1950م وحتى حينما يرحل الكاتب يغيروه بكاتب آخر في نفس السلسلة التي تغرز العداء للعرب ، وأدبهم بوجه عام ينمي روح المغامرة العسكرية في الصغير ، والأهم أنك تجدين السلسلة مترجمة للغات أوروبية خمس ، وتوزع بالمجان على الطفل اليهودي والأوروبى، وتخاطب الطفل الأوروبي بالأفكار ذاتها!
ولما كانت "اللغة العبرية" من اللغات الميتة، التي لا يتحدث بها أحد، منذ حوالي عشرين قرنا، إلا في معابدهم، بات الطفل هو مستقبل تلك اللغة، والحافظ عليها من الاندثار ثانية، كما أنه مع الطفل يمكن ترسيخ جملة الأفكار التربوية الصهيونية المتضمنة في كل المراحل التعليمية ومن خلال الأدب.
ومن الأمثلة علي ذلك: مجموعة كتب "الأرض الطيبة" وهي التي صدرت عن وزارة المعارف الإسرائيلية عام 1986م، تدرس بالمدارس الدينية اليهودية تحت عنوان لأحد كتب السلسلة "لمن تنتمي أرض إسرائيل"، ويجيب المؤلف علي أن أرض إسرائيل تنتمي لليهود، لكن جاءت بعض الشعوب "كالإسماعيلية" ويعني العرب وكانوا قليلون جدا، إلا أنهم جعلوها خرابا! وغير ذلك كثير، مما يجب الانتباه له! بعد هذا كله، يمكن القول بأن أدب الطفل العبري بلا بوصلة، ولا يلقى الاهتمام النقدي الواجب، على الرغم من الاهتمام العام به خلال العقدين الأخيرين، لكنه ما زال لا يكفى.
محيط : لماذا تعتبر ان التكنولوجيا ضارة باللغة العربية ؟
- الإنترنت مليء بنماذج تشوه اللغة، فنجد من يكتب عبارة "كل عام وأنتم طيبين " بهذا الشكل مثلا ""kol am w antom tybin . وقد اقترح سلامة موسى في الثلاثينات من القرن الماضي كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية, ونال من الذم والهجوم ما لم ينله أحد في زمنه, بالرغم أن الرجل في اقتراحه, لم يزد عن مجموعة من المقالات وكلها محاولة لتبرئة نفسه من تهمة الخيانة العظمى, حيث يدعو لاستخدام لغة المحتل (غير التهم الأخرى التي تسيء لأي مفكر).
الآن.. لم نتحرك قدر أنملة, لا مثقفين ولا سياسيين, لا خاصة ولا عامة, كأن شيئا لم يكن. بينما تزداد الظاهرة غوصا وأصبحت اللغة المتداولة في رسائل الموبيل, وبعض رسائل الانترنت, وأتوقع قريبا نجدها وقد شاعت!
محيط : انتقدت بعض الجوائز العربية الثقافية الكبرى .. ما السبب ؟
- أرى أن تعطى الجوائز المالية الكبرى للكاتب عن مجمل أعماله وليس عن عمل واحد ، وأن يكون لها اشتراطات منها مثلا أن يتبرع الفائز بها بجزء من قيمتها لمؤسسة ثقافية ببلده، وهو ما يدعم الحياة الثقافية ، أو أن يساهم الفائز في تكاليف طباعة وتوزيع الأعمال الفائزة لينخفض سعرها ، ولكني اخشى أن ينخفض الوازع النفسي لدى الأدباء لو خسروا الوازع المادي، ويبدو أن ما توقعته حدث وبعض من فازوا بالجوائز الكبرى كادوا يختفون الآن .
محيط : كيف ترى علاقة الأدب بالثورات وهل يكون محفزاً لقيامها؟
- الأدب الجميل الفني بالضرورة أدب تحريضي، نظرا للمصداقية التي يستشعرها المتلقي. وأظن أنه خلال السنوات العشر الأخيرة، برزت الكثير من الأعمال فى كل أشكال الأدب، ولا يمكن وصفها إلا بأنها أعمال تحريضية جادة. وأرى كذلك أن يخطى البعض إن ظن أن الأدب غير فاعل.. فكل الفنون والآداب الصادقة هي تحريضية بمعنى ما، وإلا اعتبرت استهلاكية، وهى الأعمال التي ينساها الناس والزمن. وهذه الأعمال بالتالي تثمر نتائجها على المدى البعيد.. فليس من المطلوب أن من يقرأ رواية مثلا، يخرج إلى الشارع، أكيد المسألة أعقد من ذلك بكثير، كما هي النفس البشرية معقدة أو مركبة!
أما دور الأدب أثناء الثورات وبعدها، هو الوثيقة الباقية بعد أن يذهب الجميع. وسيظل ما يكتب أثناء الثورات انفعاليا ومتسرعا وتسجيليا، حتى يحين الحين وتتشكل النتائج وتختمر الأفكار وتنضج فنيا، وهو المنتظر دوما بعد فترات من قيام الثورات.. سواء نجحت أم أحبطت!.