تعتبر النفايات الفضائية الناجمة عن نشاط الإنسان، تلوثاً يهدد سير العمليات الاستكشافية في الفضاء، فيما لم تكتشف بعد معظم الأجزاء الخطرة من النفايات الفضائية الموجودة في مدارات منخفضة حول الأرض، حيث يدور ما يعادل 10الآف طن من النفايات الناجمة عن الإنسان، وتشكل هذه الأجزاء خطراً واقعياً على كوكب الأرض. ويقول مصدر في المكتب الإعلامي للمعهد المركزي لبحوث بناء الماكينات الروسي "حسب معطيات حصلنا عليها في 31 يوليو الماضي، بلغ عدد الأجسام الاصطناعية المسجلة التي تدور في الفضاء حول الأرض 17141، من بينها1361 جهازا عاملاً، أي أن الأجسام الباقية 15780 هى نفايات فضائية". الصواريخ .. مخلفات فضائية منذ أن بدأ عصر الفضاء أي في ستينيات القرن العشرين الماضي، والإنسان يطلق الصواريخ الواحد تلو الأخر نحو الفضاء حاملة معها الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، ومنذ تلك الفترة وهذه الصواريخ تترك مخلفاتها في الفضاء حول الأرض، حتى وصل عددها إلى عشرات الآلاف في الوقت الحالي. وقال دونالد كسلر مدير وحدة نفايات ناسا الفضائية، "إن البيئة الفضائية تشكل خطراً متزايداً على المركبات الفضائية ورواد الفضاء نتيجة مخلفات المركبات الفضائية والأقمار الصناعية". ونتيجة لذلك فعلى وكالة الفضاء الأمريكية تحديد الوسائل الممكنة من أجل تلافي الأخطار المحدقة برواد الفضاء والمركبات الفضائية بسبب حطام الصواريخ والمركبات الفضائية الموجودة حولنا والتي يقدر عددها بحوالي 22 ألف قطعة حديدية، وأكثر من مليون قطعة صغيرة من بقايا الأقمار الصناعية. وتشكل الأقمار الروسية بحسب موقع قناة "روسيا" اليوم، الحصة الأكبر من النفايات الفضائية، تليها الولاياتالمتحدة ثم الصين، ومشكلة هذه الأجسام أنها لا تتحرك ضمن مدارات واضحة، وإنما تسبح في مسارات عشوائية تقريباً، وتشكل تهديداً للمركبات التي لا تزال تنفذ مهام معينة. ولم يتضرر أي إنسان حتى الآن بالفضلات الفضائية، إلا أن أجزاء من المحطة الفضائية الأمريكية سكايلاب التي وصلت إلى الأرض قتلت بقرة في أستراليا عام1979. أما أخطر اصطدام لجسم فضائي بقطعة من المخلفات فقد كان عام 1996 عندما اصطدم قمر تجسس فرنسي بقطعة من صاروخ أريان. ويقول العلماء إن عملية تنظيف الفضاء من الفضلات مسألة معقدة جدا، لذلك حذروا من ازدياد هذا العدد مستقبلا. عاصفة من النفايات الفضائية قال خبراء فضاء بريطانيون إن عاصفة متصاعدة من الإنقاض التي تطير في الفضاء تزيد بشكل مثير من خطر حدوث تصادمات فلكية وستؤدي الخطوات اللازمة لتفاديها إلى زيادة تكاليف رحلات الفضاء المقبلة بشكل كبير. وتوقعت دراسة هؤلاء الخبراء لمستقبل الفضاء أن تزيد "المواجهات القريبة" في الفلك بنسبة 50% خلال السنوات العشر المقبلة، وأن تزيد بنسبة 250% إلى أكثر من 50 ألفاً أسبوعياً بحلول عام 2059. وحول هذه المسألة، قال هيو لويس من كلية العلوم الهندسية بجامعة ساوثامبتون، الذي رأس الدراسة "الآن الوقت المناسب للتحرك قبل أن يصبح الوضع أصعب من أن تتم السيطرة عليه. كما أن عدد الاجسام في الفلك ستزيد وسيكون هناك تأثير لذلك". كيف يتم رصد المخلفات الفضائية؟ في عام 1999م قدمت لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية التابعة للأمم المتحدة تقريرا يبين الطرق المتبعة لرصد المخلفات الفضائية، وهى كالتالي: - الرصد بواسطة الأجهزة الأرضية: وذلك إما بواسطة الرادارات التي لها القدرة على رؤية الأجسام الفضائية والتي تنتشر في عدة دول مثل ألمانيا "ردارات" واليابان 3 ردارات وروسيا وأوكرانيا ردار واحد والولاياتالمتحدةالأمريكية 5ردارات. ويعتبر ردار جولدستون التابع لوكالة ناسا أدق هذه الرادارات حيث له القدرة على رؤية جسم قطره 2 ملم على ارتفاع 500 كم. كما يمكن الرصد باستخدام التليسكوب "المقراب"، حيث يمكن رؤية الأجسام الفضائية عندما تعكس أشعة الشمس أثناء الليل. - الرصد بواسطة مركبات فضائية: ويتم ذلك عن طريق فحص بدن المركبات العائدة إلى الأرض وتقدير عدد المخلفات تباعا، ويحسب ذلك على أساس المدة التي قضتها المركبة في الفضاء ومساحة السطح المعرض للاصطدام بالمخلفات الفضائية. كما يتم الرصد عن طريق إرسال أقمار صناعية خصيصا لرصد الأجسام الفضائية حيث يتم رصدها عن طريق الأشعة دون الحمراء. وسجلت إصابة واحدة بسبب المخلفات الفضائية حيث أصيبت لوتي ويليامس في كتفها بجسم قياسه 10X13 سنتيمتر في عام 1997م. وقد تحدد مصدر الجسم بأنه أحد أجزاء خزان الوقود للمركبة دلتا -2 والتي أطلقتها القوات الجوية الأمريكية عام 1996م. تاريخ المخلفات الفضائية بدأ عصر الفضاء في عام 1957م، حيث تم إطلاق 4600 مركبة فضائية لوضع6000 قمر صناعي في المدار المخصص له، وأقدم هذه الأقمار هو القمر"فانقارد" والذي أطلق عام 1958م، وهو يعتبر من أقدم المخلفات الفضائية حيث لازال في مداره حول الأرض، وتشكل هذه الأقمار نسبة بسيطة من المخلفات مقارنة بالمخلفات الأخرى كقشر الأصباغ وخزانات الوقود، كما تعتبر التصادمات بين الأقمار الفضائية مصدرا آخر للمخلفات. وحذر دونالد كسلر في تقرير لوكالة ناسا الفضائية من خطر التصادم المتسلسل للأقمار الصناعية، حيث إن المخلفات الناتجة عن تصادم جسمين فضائيين ستؤدي إلى تصادم أعداد أكبر من الأجسام الفضائية. وفي 10 فبراير 2009م اصطدم قمران صناعيان أحدهما أمريكي "إيريديوم 33"والآخر روسي "كوسموس"، ونتج عن هذا التصادم ما بين 500-600 جسم لا يتعدى حجم بعضها 10 سم. وقامت وكالة ناسا الفضائية بقياس احتمالات حدوث حادث خطير لإطلاق المكوك الفضائي، فوجدت أن هناك احتمال وقوع حادث خطير لكل 318 عملية إطلاق مكوكية، ويعتقد أن بعض هذه المخلفات الناتجة عن الاصطدام قد تبقى في مدار الأرض لمدة 10000 عام. ومن أهم الحوادث التي أدت لتكوين العديد من المخلفات عندما اختبرت جمهورية الصين الشعبية صواريخ مضادة للأقمار الصناعية وذلك في 11 يناير 2007م، حيث تم إطلاق صاروخ يعمل بالوقود الصلب من قاعدة زيجانق ليصيب أحد الأقمار الصناعية الصينية، الذي كان يدور في مدار قطبي وهو متخصص في الأرصاد الجوية. يذكر أن الصاروخ المضاد للأقمار الصناعية لم يكن مجهزا برأس متفجر بل قام بتدمير القمر عن طريق الاصطدام فقط، ومع هذا فقد نتج عن الانفجار ما بين2300 – 2500 جسم "أصغرها بحجم كرة التنس"، ويعتبر هذا الاصطدام الحدث الأكبر في تكوين المخلفات الفضائية. وفي يونيو عام 2007م وبسبب كم المخلفات الناتج عن التجربة الصينية تم تغيير مسار القمر الصناعي المركبة الفضائية تيرا المتخصصة في دراسة المناخ وذلك لتجنب الاصطدام المحتمل بهذه المخلفات، وهي المرة الأولى التي تضطر فيها ناسا لتغيير مسار مركبة أو قمر صناعي. وفي الفترة بين عامي 1968 و 1986م قامت كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة بتجربة أكثر من 20 صاروخا مضادا للأقمار الصناعية. ويكمن الاختلاف بين التجربة الصينية والتجارب الأمريكية والسوفيتية أن الأقمار في التجربة الأخيرة كانت في مدار منخفض والمخلفات الناتجة عن الانفجار احترقت في الغلاف الجوي للأرض، بينما في التجربة الصينية تم الانفجار على ارتفاع 550 عن سطح الأرض، والمخلفات التي نتجت انتشرت بين 200 كم و3850 كم مما يؤثر على غالبية الأقمار الموجودة في مدار الأرض المنخفض. وتعتبر التجربة الصينية الحدث الأكبر في تكوين المخلفات، ولكن الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق هما المسببان الأكبر للمخلفات الفضائية على مدى 50 عاما منذ التجربة الفضائية الأولى. وفي عام 2004م أصدرت وكالة ناسا الفضائية تقريرا يحدد مقدار المخلفات الفضائية في مدار الأرض الناتج عن الرحلات الفضائية لكل دولة، والجدول التالي يوضح ذلك: وفي 12 مارس 2009م، تم إخلاء محطة الفضاء الدولية بسبب اقتراب جسم فضائي بصورة خطرة من المحطة، ويقدر طول الجسم بثلث بوصة. و لأن لهذا الجسم قدرة تخريبية كبيرة من الممكن أن تقدر ب 100 بليون دولار، ونتيجة لتأخر إبلاغ رواد المحطة بالجسم لم يستطيعوا المناورة حول الجسم مما اضطرهم إلى إخلاء المحطة واللجوء إلى كبسولة الإنقاذ سويوز، وذلك لحمايتهم من انخفاض الضغط الحاد في حال وقوع اصطدام. وسقط جزء من حطام قمر صناعي روسي كان يستخدم لأغراض تجسسية قرب طائرة الإيرباص E340 التابعة لخطوط لان الجوية "LAN Airlines" في رحلتها من سانتياغو تشيلي إلى أوكلاند نيوزيلندا وعلى متنها 270 راكبا خلال طيرانها عبر المحيط الهادي وذلك في 22 مارس 2007م. مدافع الليزر للتخلص من النفايات يعمل خبراء معهد "Riken" الياباني للبحوث، على تصميم تكنولوجيا خاصة بالتخلص من النفايات الفضائية التي تحلق في مدارات قريبة من الأرض، وأصبحت تشكل خطورة جدية على الملاحة الفضائية، لذلك طُرحت أفكار ومقترحات عديدة للتخلص من هذه النفايات. ولكن خبراء من معهد "Riken"الياباني للبحوث اختاروا طريقة جديدة، حيث ابتكروا منظومة تتكون من جهازين أساسيين: جهاز لأشعة ليزر قوي والتلسكوب الياباني "EUSO " الذي له زاوية بصر عريضة. هذه المنظومة الجديدة ستسمح في رؤية حتى النفايات الصغيرة الحجم، وستكون قادرة على تدمير النفايات حتى على بعد 100 كلم . حيث ستتحطم قطعة النفايا المطلوب تدميرها بواسطة الليزر وتتحول إلى أجزاء صغيرة جدا ستحترق عند دخولها إلى الطبقات العليا للغلاف الجوي. كما يقدر العلماء أن هناك أكثر من 500 ألف قطعة معدنية يصل قطرها إلى حوالي 10 سنتمترات (4 بوصات) تدور حول الأرض في الفضاء الخارجي، وتتحرك بسرعات عالية جدا تزيد عن سرعة طلقات البندقية. وأظهرت الدراسات التي أجريت بواسطة الحاسوب أن النفايات الكونية تتجمع مع بعضها البعض في نقطة أخرى، ثم تصطدم مع بعضها البعض مشكلة أجزاء أخرى أصغر من النفايات الكونية. ويوضح تقرير المؤتمر الدولي، حول استراتيجية السيطرة على مخاطر الكوارث الطبيعية، أن المشكلة الرئيسية تتلخص في الواقع بأن الأغلبية الساحقة من الأجزاء الخطرة من النفايات الفضائية لم تكتشف بعد. ومن جانب آخر، أشار خبراء روس إلى أنه في حال عدم استخدام تكنولوجيا جديدة بإطلاق واستغلال الصواريخ والأجهزة الفضائية خلال السنوات العشر المقبلة، لمنع تكون النفايات الفضائية، فإنه بعد 50 – 60 سنة ستعرقل هذه النفايات نشاط الإنسان في الفضاء، مما سيؤثر سلبيا في النشاط الحكومي ويشكل تهديداً للأمن الوطني الروسي. كما تعمل الحكومة الأمريكية على معالجة مشكلة النفايات الفضائية عن طريق نصب رادارات ضخمة تتولى رصد وأرشفة وتحديد المدارات التي تطير بها هذه النفايات، لأن ارتطامها بالأقمار الصناعية أو بالمركبات الفضائية قد يتسبب بكارثة فضائية. مشروع السياج الفضائي وكلفت الحكومة الألمانية شركة لوكهيد مارتن، المتخصصة أساساً في صناعة الأسلحة، بنصب رادارت ضخمة في جزر مارشال في المحيط الهادي بهدف رصد وأرشفة وتحديد مواقع النفايات النووية الدائرة حول الأرض. وأطلق على المشروع اسم"السياج الفضائي"، ورصدت حكومة باراك أوباما 915 مليون دولار له. وقال متحدث عسكري باسم البنتاجون لصحيفة" واشنطن بوست" إن المشروع يتصف بأهمية فائقة بالنسبة للأمن القومي. وواقع الحال أن"السياج الفضائي"، أو نظام الرصد الفضائي، يعمل منذ عام 1961، إلا أنه أصبح قديماً في مقاييس اليوم، لأنه مخصص أساساً لرصد الأقمار الصناعية، ثم أنه عاجز عن رصد قطع النفايات الصغيرة. ويبدو أن البنتاجون كلف لوكهيد بالمهمة منذ عام 2011، وبقيمة 107 ملايين دولار فقط. لكن المبلغ ارتفع اليوم مع زيادة تعقيد المهمة. ويفترض أن يعمل السياج الفضائي الراداري كالمنخل ولا تفلت من رقابته الأجسام الطائرة الصغيرة التي يقل قطرها عن 10 سم. مع ملاحظة أن مركز الفضاء الأوروبي في دارمشتادت كان يراقب أكثر من 8500قطعة، وهي قطع نفايات يزيد حجمها عن 10 سم وتخضع إلى مراقبة دائمة من قبل الرادارات والتيليسكوبات خشية أن تقترب من مدارات الاقمار الصناعية. ولكن الخطوة الأولى نحو تنظيف الفضاء من النفايات، حسب رأي العلماء، تبدأ بوقف المزيد من تراكمها. وهذا يعني اعتماد تقنيات التخلي عن خزانات الصواريخ الاضافية، والتخلي عن الصواريخ الدافعة، ووضع اتفاقية تلزم كافة البلدان بضرورة عدم القاء النفايات في الجو. وينبغي من الآن، على كافة صناعات الفضاء، ان تزود مركباتها صواريخها بتقنيات تضمن عودة الأجزاء الاضافية تلقائياً، ودون خطورة، إلى نطاق الجاذبية.