"الوطنية للانتخابات": 341 مرشحا فرديا لانتخابات مجلس النواب في اليوم الثاني    "مهارة-تك" المصرية تفوز بجائزة اليونسكولاستخدام التكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم 2025    الطاهر: الدولة تبنت برنامجًا طموحًا لزيادة إنتاج الطاقة المتجددة وتعظيم قيمتها الاقتصادية    عاجل| ترامب: سيكون هناك مراسم للتوقيع على الاتفاق في مصر    ترامب: نجحنا في إنهاء الحرب في غزة.. والإفراج عن المحتجزين الاثنين أو الثلاثاء    مسار يقسو على الإنتاج الحربي برباعية في دوري المحترفين    خلاف بين محمد فؤاد ومنتج ألبومه الجديد وأغاني تنتقل لعمر كمال    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9-10-2025 في محافظة الأقصر    إصابة 4 أطفال فلسطينيين برصاص جيش الاحتلال في الخليل وجنين    موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر وإلغاء الصيفي 2025    بث مباشر مباراة منتخب مصر الثاني ضد المغرب الآن استعدادًا ل كأس العرب    ياسين محمد: فخور بذهبية بطولة العالم للسباحة بالزعانف للناشئين    مصدر من اتحاد الكرة ل في الجول: من السابق لأوانه تحديد المرشحين لتدريب مصر للشباب    «الحديد كان بيولع زي الورق».. تفاصيل 16 ساعة في حريق مركز قطع غيار سيارات بالحرفيين (معايشة)    في اليوم الثاني لفتح باب الترشح لمجلس النواب بالبحر الأحمر: «لم يتقدم أحد»    على أنغام السمسمية.. مسرح المواجهة والتجوال يحتفل بانتصارات أكتوبر فى جنوب سيناء    «محدش فينا هيتردد».. كريم فهمي يكشف حقيقة اعتذاره عن المشاركة في «وننسى اللي كان» ب رمضان 2026    «واخدينها بالفهلوة».. رجال هذه الأبراج هم الأسوأ في قيادة السيارات    تحذير مهم من «الأطباء» بشأن تصوير الأطقم الطبية في أماكن العمل    زيارة مفاجئة لوزير الصحة لمستشفى الخازندارة العام بشبرا (تفاصيل)    خبيرة أمن: ترامب واضح في التزامه بجلب السلام للشرق الأوسط    بارليف.. نهاية وهم إسرائيل.. تدريبات الجيش المصري على نماذج مشابهة ببحيرة قارون    ساليبا: نريد الثأر في كأس العالم.. والإصابة مزعجة في ظل المنافسة الشرسة    بيت الزكاة والصدقات يثمّن جهود الوساطة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة    هل يجوز للرجل الزواج بأخرى رغم حب زوجته الأولى؟.. أمين الفتوى يجيب    جهاز تنمية المشروعات ينظم معسكر للابتكار ضمن معرض «تراثنا 2025»    سمير عمر: الوفود الأمنية تواصل مناقشاتها لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق غزة    تأثير اللولب على العلاقة الزوجية وطرق التغلب على ذلك    جلسة منتظرة بين مسؤولي الزمالك وفيريرا ..تعرف على الأسباب    جامعة قناة السويس ضمن تصنيف التايمز البريطاني لعام 2026    أوبو A6 Pro 5G.. أداء خارق وتقنيات متطورة بسعر يناسب الجميع!    محافظ كفر الشيخ: تجربة مصر في زراعة الأرز نموذج يُحتذى إفريقيا    إعلان عمان: ندين ما خلفه الاحتلال من أزمة صحية كارثية بقطاع غزة    وزير التنمية النرويجي يلاطف الأطفال الفلسطينيين خلال زيارته لمستشفى العريش العام    الاحتلال الإسرائيلي يطلق قنابل غاز مسيل للدموع وسط الخليل بعد إجبار المحلات على الإغلاق    بتكليف من السيسي.. وزير الصحة يزور الكابتن حسن شحاتة للاطمئنان على حالته الصحية    أطعمة تضر أكثر مما تنفع.. احذر القهوة والحمضيات على معدة فارغة    التضامن: مكافحة عمل الأطفال مسؤولية مجتمعية تتكامل فيها الجهود لحماية مستقبل الأجيال    استبعاد معلمة ومدير مدرسة بطوخ عقب تعديهما على تلميذ داخل الفصل    «المصري اليوم» تُحلل خارطة المقبولين في كلية الشرطة خلال خمس سنوات    نادي جامعة حلوان يهنئ منتخب مصر بالتأهل التاريخي لكأس العالم 2026    بالأسماء تعرف علي أوائل الدورات التدريبية عن العام 2024 / 2025 بمحافظة الجيزة    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 134 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق    بعد 24 ساعة من حكم الإعدام.. "القودة" تنهي خصومة ثأرية في أبو حزام بقنا    حبس المتهمين بقتل بلوجر المطرية    قسطنطين كڤافيس وشقيقه كيف يُصنع الشاعر؟    إصابة 12 شخصا فى حادث انقلاب سيارة بطريق العلاقى بأسوان    انتخابات النواب: 73 مرشحًا في الجيزة بينهم 5 سيدات مستقلات حتى الآن    إطلاق قافلة زاد العزةال 47 من مصر إلى غزة بحمولة 3450 طن مساعدات    كوارث يومية فى زمن الانقلاب…حريق محل مراتب بالموسكي ومصرع أمين شرطة فى حادث بسوهاج    برشلونة يعلن رسميا إقامة مواجهة فياريال في أمريكا    محمود مسلم: السيسي يستحق التقدير والمفاوض المصري الأقدر على الحوار مع الفلسطينيين والإسرائيليين    التقييمات الأسبوعية للطلاب فى صفوف النقل عبر هذا الرابط    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    شاهيناز: «مبحبش أظهر حياتي الخاصة على السوشيال.. والفنان مش إنسان عادي»    عاجل - بالصور.. شاهد الوفود الدولية في شرم الشيخ لمفاوضات غزة وسط تفاؤل بخطوة أولى للسلام    من أدعية الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج    دينا أبو الخير: قذف المحصنات جريمة عظيمة يعاقب عليها الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنمية وأعاجيب الارتداد السكانى فى مصر
نشر في محيط يوم 21 - 09 - 2015

يشكل النمو السكانى وتأثيره على التنمية الاقتصادية والاجتماعية قضية مهمة، ومحل جدل فى أى عملية نهوض اقتصادى واجتماعى. فالسكان هم عماد أى عملية تنموية حقيقية وهدفها فى الوقت ذاته. وتبعا لطبيعة التركيب العمرى للسكان فى أى بلد يتحدد التأثير الممكن للسكان على عملية التنمية على ضوء مستويات تعليمهم وتدريبهم وحالتهم الصحية العامة، بينما تحدد مستويات تشغيلهم مدى تحويل الإمكانات السكانية إلى قوة مادية فى الواقع وإلى عماد النهوض والتنمية أو عبء معوق لها. والإدارة الاقتصادية هى المسئولة المباشرة وغير المباشرة عن هذا التشغيل. وكلما تدنت مستويات التنمية الاقتصادية الشاملة وتباطأ التحسن فى مستويات المعيشة أو تدهورت تلك المستويات، تبدأ موجة من استخدام النمو السكانى السريع وما يترتب عليه من زيادة الاحتياجات من السلع والخدمات وعلى رأسها السلع الغذائية، كمبرر رئيسى لهذا التدنى والفشل فى تحقيق التنمية وتأمين الغذاء. وهذا الاستخدام الحقيقى أو الذرائعى للنمو السكانى فى هذا الصدد وفى مجالات أخرى يحتاج لدراسة علمية لطبيعة النمو السكانى ومدى تأثيره على التنمية وتوفير الاحتياجات الغذائية بصفة عامة وفى حالة مصر فى الوقت الراهن.
أولا: مراحل النمو السكانى وأنماط التعامل مع تبعاتها
هناك مراحل متعددة يمر بها النمو السكانى فى أى بلد. والبداية هى مرحلة النمو البطىء فى المجتمعات البدائية على ضوء ارتفاع معدل المواليد وارتفاع معدل الوفيات أيضا فى مجتمعات بها وفرة من الموارد الطبيعية، دون أن تحرز تقدما علميا يساعدها على مكافحة الأمراض والأوبئة. وتليها مرحلة التذبذب الحاد فى عدد السكان على ضوء العلاقة الإيجابية أو السلبية مع عوامل الطبيعة، والسلام أو التطاحن الدموى بين التكوينات الاجتماعية المتجاورة فى الصراع على الموارد، وانتقال الأمراض والأوبئة من مجتمع لآخر عبر التواصل الودى أو العدائى. وفى مرحلة التذبذب هذه قد تحدث انفجارات سكانية كبرى فى بعض المناطق والبلدان حتى فى ظل التخلف العلمى، نتيجة تضافر العوامل الطبيعية المواتية من وفرة الموارد ونقاء الجو وغياب الأوبئة، مع عوامل اجتماعية سياسية مثل غياب الصراعات والحروب، مثل الانفجارات السكانية فى الصين فى فترات السلام الطويلة فى التاريخ القديم حتى فى العصور الوسطى، التى شهدت تقدما علميا فى ذلك البلد، مما جعلها مطمعا لمجتمعات أقل تحضرا وتقدما ولكنها أكثر تسليحا وحيوية لتبدأ فى هجماتها عليها للاستحواذ على الموارد، حتى على البشر فيها. وقد تؤدى مثل تلك الانفجارات السكانية الناتجة عن العوامل الطبيعية المواتية من وفرة الموارد ونقاء الجو وغياب الأوبئة والحروب، إلى التهام الموارد الطبيعية وجعلها محدودة مما يحرك الجماعة البشرية، التى يحدث فيها مثل هذا الانفجار إلى الاندفاع فى موجات من الهجرة أو الغزو تجاه مناطق جديدة، مثل الهجرات والغزوات الكبرى التى حدثت فى التاريخ القديم من صحراء وسط آسيا، إلى أوروبا من جهة وإلى شبه القارة الهندية من جهة أخرى، والهجرات الغازية التى دخلت شمال العراق واندفعت نحو العالم القديم بأسره فى منتصف الألف الثانى قبل الميلاد، التى جاءت من مناطق القوقاز، والهجرات والغزوات المتتابعة، التى انطلقت من شبه الجزيرة العربية إلى بلدان الهلال الخصيب ومصر قبل الإسلام ومعه وبعده.
وتأتى بعد ذلك مرحلة الانفجار السكانى المنتظم التى يتزايد فيها عدد السكان بمعدلات سريعة تؤدى إلى زيادة هذا العدد بصورة انفجارية، بسبب تقدم العلم والرعاية الصحية بشكل يؤدى إلى تخفيض معدلات الوفيات ويطيل العمر المحتمل للإنسان عند الولادة، بينما تكون معدلات المواليد مرتفعة مثلما كانت فى العهود السابقة. وبتعبيرات أخرى فإن معدلات الوفيات تتراجع نتيجة الإنجازات العلمية السريعة والفورية التأثير، بينما تظل معدلات المواليد مرتفعة لأنها لا تتغير إلا بناء على تطورات اجتماعية ثقافية بطيئة التغير بطبيعتها، بل يمكن أن تحدث ارتدادات سلبية فيها إذا تغيرت القوى المهيمنة على صياغة ثقافة المجتمع وانحازت لقيم دينية وأيديولوجية أو اجتماعية رافضة، أو لا تشجع على تحديد النسل.
ومن الجدير بالتأمل أنه كلما كان المجتمع هو الذى يحقق إنجازاته العلمية بنفسه وينتصر لقيم العلم والتنوير، فإن التغيرات الاجتماعية-الثقافية تكون أسرع وضمنها ما يتعلق بحجم الأسرة وتحديد النسل. وبالتالى تكون فترة الانفجار السكانى أقصر وأقل حدة. أما فى المجتمعات التى تعتمد على استيراد منجزات العلم من الخارج، دون أن تسود قيم العلم والتنوير فيها بصورة عميقة وملائمة لمستوى نتائج الإنجازات العلمية، التى حصلت عليها جاهزة من الخارج، فإن الانفجار السكانى فيها يكون أكثر حدة وأطول أمدا وقابلا للتذبذب والارتداد، لأن معدلات المواليد تظل مرتفعة فترة طويلة فى ظل قيم تقليدية أكثر رسوخا، بينما تتراجع معدلات الوفيات بسرعة نتيجة الاستفادة من منجزات العلم التى تحققت فى مجتمعات أخرى انتصرت لقيم العلم والتنوير.
وقد مرت المجتمعات الأوروبية بمرحلة الانفجار السكانى فى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، ثم وصلت إلى مرحلة النضج السكانى حيث أصبحت معدلات نمو السكان منخفضة للغاية فى ظل انخفاض معدلات المواليد والوفيات معا، مع زيادة محدودة لمعدلات المواليد على معدلات الوفيات. أما البلدان النامية - وضمنها البلدان العربية - فقد شهدت مرحلة الانفجار السكانى المنظم بصورة متفاوتة زمنيا على ضوء مستوى تطور كل دولة ومدى تقدم الرعاية الصحية فيها، لكنه حدث فى غالبيته فى القرن العشرين وبالتحديد فى النصف الثانى منه.
وفى قمة سلسلة التطور السكاني، تأتى مرحلة التوازن التى يبقى تعداد السكان خلالها ثابتا فى ظل تساوى معدلات المواليد والوفيات عند مستويات منخفضة للاثنين. وهناك بعض المجتمعات يتناقص تعدادها بمعدلات هامشية بسبب وجود نقص طفيف فى معدلات المواليد عن معدلات الوفيات عند مستويات منخفضة للغاية لكليهما كما يحدث فى ألمانيا وبعض دول الشمال الأوروبي.
وخلال سنوات الانفجار السكانى الأوروبى فى القرن التاسع عشر ظهرت أفكار «مالتوس» الذى بشر بكارثة ومجاعات عالمية بسبب تزايد السكان وفقا لمتواليات هندسية سريعة التزايد، بينما يتزايد إنتاج الغذاء وفقا لمتواليات عددية بطيئة التزايد. وكانت تلك النظرية سطحية إلى حد بعيد وقائمة على عدم إدراك قدرة العلم على تمكين البشر من التوسع الأفقى والرأسى فى الزراعة وإنتاج الغذاء. كما كانت تتجاهل أيضا أن التزايد السكانى فى الحالات الطبيعية هو مصدر تزايد لقوة العمل التى تعد من أهم العناصر التى تنهض عليها التنمية.
التنمية القائمة على البشر.. اليابان وسنغافورة
ربما تكون اليابان نموذجا على توظيف الإنسان والاعتماد على علمه وعمله وادخاره واستثماره فى تحقيق التنمية الاقتصادية القوية حتى فى فترات الانفجار السكانى فى نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين حتى الآن. وإن كان من الضرورى الإشارة إلى إساءة الإمبراطورية اليابانية لتوظيف البشر فيها خلال النصف الأول من القرن العشرين باللجوء لمستويات عالية من العسكرة لتنفيذ سياسات عدوانية إزاء البلدان المجاورة واحتلال العديد من الدول الآسيوية والتنكيل بشعوبها بصورة إجرامية خلال الحرب العالمية الثانية.
وفى عام 2013 بلغ عدد سكان اليابان نحو 127,3 مليون نسمة ومساحتها 378 ألف كم مربع بما يزيد قليلا على ثلث مساحة مصر. وهى فقيرة جدا فى الموارد لكنها صارت من أغنى البلدان المرتفعة الدخل، وبلغ ناتجها القومى الإجمالى نحو 5900 مليار دولار، ومتوسط نصيب الفرد منه نحو46330 دولارا عام 2013 وفقا لتقرير مؤشرات التنمية فى العالم الذى يصدره البنك الدول. ويحتل اقتصادها المرتبة الثالثة عالميا بعد الولايات المتحدة والصين.
كذلك الأمر بالنسبة لسنغافورة وهى مجرد مدينة يسكنها 5,4 مليون نسمة ولا موارد فيها سوى البشر والموقع الجغرافي. ومن خلال توظيفها للأمرين أصبح الناتج القومى الإجمالى لها نحو 292 مليار دولار، وبلغ متوسط نصيب الفرد منه نحو 54040 دولارا. أما ناتجها القومى الإجمالى المحسوب بالدولار وفقا لتعادل القوى الشرائية، فإنه بلغ 415 مليار دولار، وبلغ متوسط نصيب الفرد منه نحو 76860 دولارا فى عام 2013.
ويمكن القول أن نمط التفاعل مع المرحلة التى يمر بها النمو السكانى بشكل طبيعي، هى التى تحدد نتائج النمو السكانى على التنمية والتشغيل والقوة الاقتصادية-الاجتماعية الشاملة التى هى أساس القوة السياسية والعسكرية لأى دولة.
وفى مصر بدأ الانفجار السكانى المنظم منذ عهد محمد على حيث ارتفع عدد سكان مصر من نحو 2.5 مليون نسمة فى بداية القرن التاسع عشر إلى نحو 10 ملايين فى نهايته. وواصلت مصر انفجارها السكانى بوتيرة أعلى خلال القرن العشرين حيث ارتفع تعداد سكانها فى نهايته إلى نحو 65 مليون نسمة، قبل أن يصل عدد السكان فى منتصف سبتمبر عام 2015 إلى نحو 89.5 مليون نسمة وفقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
أعاجيب الارتداد السكانى فى مصر
شهدت مصر ظاهرة الارتداد السكانى أكثر من مرة، فبعد أن أدى التطور العلمى والثقافى والاجتماعى خلال عقد الستينيات إلى تراجع وتيرة النمو السكانى من 2.52% سنويا خلال الفترة من عام 1960 حتى عام 1966، إلى نحو 1.92% سنويا خلال الفترة من عام 1966 حتى عام 1976، عاد النمو السكانى للزيادة بقوة خلال الفترة من عام 1976 حتى عام 1986، ليبلغ نحو 2.75% سنويا فى المتوسط.وكان ذلك المعدل هو أعلى مستوى للنمو السكانى فى تاريخ مصر الحديث.
وكان ذلك الارتداد مرتبطا بهجرة أعداد كبيرة من العمالة المصرية إلى الخليج من منتصف سبعينيات القرن العشرين وتأثر هؤلاء العاملين فيما يتعلق بحجم الأسرة وتحديد النسل بالقيم الاجتماعية الخليجية المحافظة وبالذات بالفكر الوهابى المتطرف والبعيد بشكل هائل عما كانت منظومة القيم الاجتماعية المصرية قد أحرزته من تطور وتنور. ومع تكثيف العمل الثقافى والإعلانى للسيطرة على النمو السكاني، ومع ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل تراجع معدل النمو السكانى فى مصر ليصل إلى نحو 1.9% سنويا خلال السنوات الخمس التى سبقت ثورة يناير 2011. وبدا الأمر وقتها أن مصر تتجه فى المسار الطبيعى لتراجع معدلات النمو السكاني. لكن أمرا عجيبا حدث مرة أخرى بارتداد بالغ القوة فى النمو السكانى مرة أخرى منذ عام 2011.
وقد ارتبط ذلك الارتداد بصعود التيارات الإسلامية الإخوانية والسلفية المحافظة والرافضة لتحديد النسل إلى قمة هرم السلطة فى مصر منذ عام 2011 من خلال حيازة الأغلبية فى مجلسى الشعب والشورى ثم منصب الرئيس بعد ذلك. وحدث الارتداد المخيب للآمال حيث عاد معدل النمو السكانى للارتفاع بقوة متجاوزا نحو 2,3% سنويا بعد أن كان قد انخفض إلى نحو 1.9% قبل عام 2011. وفى عام 2014 بلغ عدد المواليد 2,72 مليون، وبلغ عدد الوفيات نحو532 ألفا، وبلغت الزيادة الصافية فى عدد السكان نحو 2.19 مليون نسمة، وبلغ معدل النمو السكانى نحو 2.4%. وهذا المعدل يشكل استمرارا للارتداد السكانى الناتج عن اختلاط وتعثر التطور القيمى بشأن تحديد النسل فى مصر.
ومع السماح للأحزاب السلفية وهى أحزاب دينية وهابية بالعمل السياسى وبخوض الانتخابات البرلمانية والالتفاف على الدستور فى هذا الشأن، فإنه يمكن توقع المزيد من التشوه السكانى فى مصر فى الفترة القادمة، خلافا للدورة الطبيعية للنمو السكانى التى فقدت كل عناصر المنطق فى مصر منذ منتصف سبعينات القرن الماضى تحت وطأة الغزو الفكرى الوهابى المحافظ والمتطرف والمرتبط بمجتمعات أقل تطورا.
وخلال الفترة من عام 2011 وحتى سقوط حكم الإخوان بعد الموجة الثورية الهائلة فى 30 يونيو، استخدمت التيارات الدينية المحافظة والمتطرفة المنابر السياسية التى سيطرت عليها وكذلك المساجد والجمعيات الأهلية الشرعية والدينية والمؤسسات التعليمية الجامعية وما قبلها فى نشر فكرها المتطرف والأدنى تطورا بشأن مختلف القضايا وضمنها قضية تحديد النسل مما أسهم فى ذلك الارتداد السكانى المشوه.
التركيب السكانى المصرى ونافذة الفرصة الديموجرافية
تشير البيانات الرسمية المصرية إلى أن عدد السكان الأقل من 15 عاما بلغ 27.14 مليون نسمة بما يعادل 31.3% من عدد السكان عام 2014. وبلغ عدد السكان فى الفئة العمرية المنتجة أى من 15- 64 سنة نحو 55.94 مليون نسمة بما يعادل 64,4% من عدد السكان. وبلغ عدد السكان الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما فأكثر نحو 3,73 مليون نسمة بما يعادل 4.3% من السكان.
وهذا التكوين السكانى هو تكوين مثالى يمكن الاعتماد عليه كأساس لتحقيق نهضة اقتصادية فعالة أو دورة نمو وازدهار اقتصادى قوي. لكن ذلك يتوقف على توظيف هذه القوة البشرية فى أعمال حقيقية تؤدى إلى زيادة الناتج ورفع مستويات المعيشة، وتحويل القوة البشرية إلى طاقة جبارة للنهوض. وقد حققت غالبية دول العالم المتقدمة والناهضة قفزاتها الاقتصادية العملاقة خلال الفترات التى كان السكان فى سن العمل يشكلون الغالبية الساحقة من السكان مثلما هو الحال فى مصر حاليا.
وتشير البيانات الرسمية إلى أنه من بين عدد السكان البالغ 55.94 مليون نسمة فى سن العمل، فإن من يعتبرون ضمن قوة العمل المحتملة (عاملين وعاطلين) لا يتجاوز وفقا لتلك البيانات نحو 27.69 مليون نسمة. وإذا استبعدنا من هم فى مراحل الدراسة فى هذه الفئة العمرية الطويلة ومن يخدمون فى الجيش، فإن قوة العمل المحتملة تبقى ضئيلة مقارنة بعدد السكان فى سن العمل. وهذا الأمر يعكس الاعتماد على تقديرات منخفضة للغاية لقوة العمل بهدف تخفيض عدد العاطلين ومعدل البطالة بصورة غير واقعية.
وكنت قد كتبت فى مقالات سابقة عن هذا الأمر. ورغم المبادرة الطيبة التى قدمها رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بالإقرار بوجود مشكلة فى حساب عدد العاطلين ومعدل البطالة والوعد بمراجعة الأمر، إلا أننا ما زلنا فى انتظار التعديل وآمل ألا يطول.
وعلى سبيل المثال تشير البيانات الرسمية إلى أن تعداد قوة العمل (عاملين وعاطلين) بلغ 27.7 مليون شخص فى نهاية عام 2014، مقارنة بنحو 27.3 مليون فى نهاية عام 2013، ونحو 26.9 مليون شخص فى نهاية عام 2012، ونحو 26.8 مليون شخص فى نهاية عام 2011. أى أن قوة العمل المصرية زادت بمقدار 400 ألف فقط فى عام 2014، ونحو 400 ألف عام 2013، ونحو 100 ألف فقط فى عام 2012. وكل هذه التقديرات لا علاقة لها بالواقع ولا تفيد فى بناء أى استراتيجية حقيقية لمواجهة البطالة فى مصر وتوظيف السكان بالصورة التى تحقق التنمية وتسهم فى نهوض مصر ورفع مستويات معيشة أبنائها.
وتشير بيانات الجهاز الخاصة بخريجى النظام التعليمى فى مصر إلى أن عدد خريجى التعليم المتوسط بلغ 546 ألف خريج، بينما بلغ عدد خريجى الجامعات والمعاهد الفنية نحو 358 ألف خريج. أى أن مجموعهما معا بلغ 904 آلاف خريج. وهذا يعنى أن الغالبية الساحقة من هؤلاء تنضم لقوة العمل. ويضاف إليهم الداخلون الجدد لسوق العمل من غير المتعلمين ممن تسربوا من التعليم ليبلغ مجموع الداخلين الجدد لسوق العمل من المتعلمين وغير المتعلمين أكثر من 1.1 مليون شخص سنويا. وإذا طرحنا من هذا الرقم ممن يخرجون من سوق العمل بالمعاش أو الوفاة ، فإن صافى الداخلين الجدد لسوق العمل لا يقل عن ثلاثة أرباع المليون وليس 100 ألف أو 400 ألف فى العام كما تشير بيانات الجهاز!!
ومن البديهى والمفهوم أن دخول بعض الخريجين للخدمة الوطنية (العسكرية)، يقابله دخول الخارجين منها إلى سوق العمل بما يجعل التأثير متعادلا فى هذه الحالة ولايؤثر على تقديرات الداخلين الجدد لسوق العمل.
ويمكن القول إجمالا أن التكوين السكانى الراهن لمصر، والذى يشكل من هم فى سن العمل غالبيته الساحقة هو تكوين مساند للتنمية الاقتصادية الفعالة والسريعة شرط استغلال هذه الطاقة البشر فى وظائف حقيقية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وشرط العمل على إيقاف دورات الارتداد السكانى المشوهة ببرنامج ثقافى وتعليمى وإعلامى وإعلانى فعال لتحديد النسل وضبط النمو السكاني. والحقيقة أن البطالة باعتبارها تعطيلا للطاقات السكانية الفعالةهى ظاهرة معقدة وذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية. ومن الضرورى أن يتم حشد الدولة والمجتمع لمعالجتها لتوظيف البشر وهم أعظم ثروات مصر. وهذا يبرر اعتبار هذه القضية هى الأكثر أهمية عن كل ما عداها لأنها ببساطة تجمع فى طياتها رفع معدلات الاستثمار لخلق فرص العمل الحقيقية، وتوفير التمويل للاستثمار من خلال رفع معدل الادخار، واتباع السياسات الاقتصادية الكلية والمالية والنقدية لتنشيط النمو وكل مسبباته، وتحسين الرعاية الصحية والتعليمية والتدريبية لرفع الكفاءة العلمية والمهنية والبدنية لقوة العمل. وكل ذلك يبرر اعتبار قضية معالجة البطالة بالتنمية هى القضية الأولى لمصر واقتصادها فى الوقت الراهن.
نقلا عن " الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.