قبل الثورة كان محرماً على المصريين الجلوس بجانب الأجانب في السينما! طبع المنشورات ضد الإنجليز وأنشأ إذاعة سرية لمحاربتهم في القناة رُقي استثنائياً من مجلس قيادة الثورة "مصر جثة هامدة"..كانت خطتنا للخداع إسرائيل قبل حرب أكتوبر ربى إحدى اليابانيات في بيته فأصبحت وزيرة للدفاع! "أتذكر أن الإعلام هو الذي "ودانا في داهية" في حرب 67، فكانت فيه مبالغات طبعا وكذب، لدرجة أنهم في إسرائيل قالوا "علمناهم الحرب وهم علمونا الكذب"، ولكننا صححنا الأخطاء واسترددنا الثقة في الإعلام المصري في حرب 1973 عن طريق الصدق والأمانة، ولا توجد شتائم، فقد قلت لا للشتيمة، حتى لو تحدثتم عن جولدا مائير تقولون السيدة جولدا مائير، فهناك آداب للنقد والمخاطبة". هذه بعض من كلمات الأب الروحي للإعلام د.عبدالقادر حاتم الذي رحل عن عالمنا مساء أمس عن عمر يناهز 97 عاماً، وصفه المؤرخون بأنه جزء لا يتجزأ من ثورة 23 يوليو، فقد كان مديرا لمكتب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد أن بدأ حياته العملية في القوات المسلحة، ثم اجتمع مجلس قيادة الثورة ليقرروا ترقيته من "بكباشي" إلي "قائمقام" مع نقله إلى السلك المدني ليكون متحدثا رسميا للثورة، ثم يختاره عبد الناصر ليكون بجانبه في ثلاث وزارات هي الإعلام والثقافة والسياحة. قالت عنه "التايمز" البريطانية أنه معالج الإعلام الأول في الشرق الأوسط، وسجل الدكتور حاتم حافل بالإنجازات، فهو الذي أنشأ وزارتي الإعلام والسياحة، بالإضافة إلى مصلحة الاستعلامات ووكالة أنباء الشرق الأوسط ومدينة السينما ومسرح البالون والدار القومية للنشر، ومتحف الأقصر ومشروع الصوت و الضوء بمعبد الكرنك، وإنقاذ معبد أبو سمبل من الغرق. كما أنشأ المجالس القومية المتخصصة وكان أول رئيس لها وأمضى بها 22 سنة، كما أنشأ إذاعة القرآن الكريم والشرق الأوسط ومصنع أجهزة التليفزيون وشركة صوت القاهرة للأسطوانات. تحدث الدكتور عبد القادر حاتم، وزير الإعلام الأسبق، فى أحد لقاءاته عن أن وكالة أنباء الشرق الأوسط تأسست فى 15 ديسمبر 1955 كشركة مساهمة تملكها دور الصحف المصرية، وبرأس مال لم يتجاوز فى ذلك الوقت 20 ألف جنيه مصرى، وفى عام 1960 صدر قرار بتأميم الوكالة مع باقى المؤسسات الصحفية التى تم تأميمها بعد قيام ثورة يوليو. وأضاف أن الوكالة أصبحت تتبع وزارة الإعلام حتى استقر وضعها عام 1978 كمؤسسة صحفية قومية تتبع مجلس الشورى المصرى مثلها فى ذلك مثل باقى المؤسسات الصحفية القومية، وكان من الضرورى إنشاء وكالة لها فروع فى أفريقيا وعرض الأمر فى البداية على عبد الناصر ولكنه رفض بسبب فشل الآخرين، ولكنه أصر، وقال إنه لا يمكن لأى بلد أن يقف بدون لسان إعلامى، وكان ذلك قبل إنشاء وزارة الإعلام، ثم أصبحت وكالة لها اسم وكان لها دور أثناء العدوان الثلاثى ثم قام بإنشاء أكبر المحطات الإذاعية فى العالم العربى، مثل إذاعة صوت العرب، وإنشاء إذاعة القرآن الكريم، وإنشاء مدينة الإعلام وتطوير الهيئة العامة للاستعلامات وقدم الدكتور حاتم عديد من المؤلفات باللغة العربية والإنجليزية منها "الرأى العام والدعاية". الإسكندرية والمظاهرات عن حياته يقول الراحل في أحد اللقاءات الصحفية: ولدت في مدينة الإسكندرية، وقضيت بها مراحل الدراسة المختلفة قبل انتقالي إلى القاهرة للالتحاق بالكلية الحربية، وهذه الفترة من الثلاثينات كانت تموج بالمظاهرات الشعبية في مختلف أنحاء البلاد، ولم تنقطع في الإسكندرية التي كانت تنادي بسقوط الاستعمار والمتعاونين معه أو تنادي ضد نظام الملك فؤاد الأول ملك مصر آنذاك وضد أي حكومة تتعاون مع الملك أو الاستعمار، كل المظاهرات كانت مناهضة للاستعمار وللملك وحكومته غير الشرعية، بل غير الوطنية، وأنهم سبب كل المشاكل، وكان التخلص منهم هو السبيل إلي إنقاذ مصر مما تعانيه من تعسف وظلم وإهدار للكرامة الوطنية. في الاسكندرية كان الحاكم الفعلي هو الحكمدار البريطاني، وكانت القوة بأيدي الضباط والجنود البريطانيين الذين كانت سلطاتهم شبه مطلقة ليست لحمايتهم فقط، بل تمتد لتشمل كل أجنبي بغض النظر عن جنسيته.. اللهم إلا أن يكون مصريا، فإذا حدث أي خلاف بين مواطن مصري وآخر أجنبي فإن تدخل الشرطة لحل هذا الخلاف يعني أن يتم احتجاز المواطن المصري في قسم الشرطة، في حين يطلق سراح الأجنبي حتي لو كان هو المعتدي، فلا سلطان قانونيا حقيقيا عليه!. وفي دور السينما كان على المصريين أن يجلسوا في جانب معين بعيدين عن الأجانب، وإذا أردنا أن نذهب لشراء أي شيء من المحلات كان علينا أن نتحدث بالانجليزية أو الفرنسية أو الايطالية، حسب لغة صاحب المحل، أما اللغة العربية فلا تلقي الترحيب في أي مكان، وكنا نسير فنشاهد أسماء المحلات والشوارع والميادين كلها تحمل أسماء أجنبية لا تمت للمصريين بأية صلة وكانت التجارة والصناعة معظمها تقريبا ملك لغير المصريين، ولم يكن هناك ما يذكرنا بجزء من ثروات مصر يمكن أن يكون في أيدي أبنائها سوي بنك مصر وشركاته المتعددة التي أنشأها الرائد العظيم طلعت حرب!. ويأتي الملك ويكرر إعلانه بتعطيل أعمال الدستور ويأتي بوزارات ليس لها أي نصيب من التأييد الشعبي ويتجه إلي الجيش الضعيف أصلا ويحرمه حتي من الانتماء اللفظي إلي مصر، إذ يأمر الملك بتغيير شعار الجيش المصري من الله الوطن الملك، إلي شعار الله الملك الوطن!. يواصل الراحل: هذه هي الأجواء التي عشتها مع جيلي منذ أن طرقت أبواب مدرسة العطارين الابتدائية، وزاملت أبناء جيلي، والذين امتدت صداقتي معهم فيما بعد، وكان أبرزهم جمال عبد الناصر، والدكتور عبدالعزيز كامل الذي أصبح فيما بعد وزيرا للأوقاف. وأذكر أن هناك مشروعا تبناه السياسي أحمد حسين زعيم مصر الفتاة، أطلق عليه "الطربوش الأبيض" كرمز للصناعة المصرية الوطنية، بدلا من "الطربوش الأحمر" الذي كان علامة للاستعمار التركي، وقد انضم إلى هذا المشروع جمال عبد الناصر وعبد العزيز كامل وأنا وعدد كبير من أبناء هذا الجيل. البوليس وملاحقة عبدالناصر! يتابع حاتم: أتذكر في بداية الثلاثينات أن اندلعت مظاهرة كبيرة تنادي بسقوط وزارة صدقي باشا، واشتركنا نحن الطلبة في هذه المظاهرة كما نفعل مع كل المظاهرات إلا أن أحداث هذه المظاهرة شهدت تطورا أسفر عن إلقاء القبض على عدد ليس بقليل من الطلبة، وكان عبد الناصر وأنا من بين المقبوض عليهم، وتمت احالتنا للمحاكمة، والتهمة هي الهتاف الصريح بسقوط الوزارة، والطريف في هذا الأمر أنه طوال تلك المظاهرات كان البوليس السياسي يتتبعنا بسهولة ويحاول القبض على عبد الناصر أكثر مني، والسبب هو "طول" الزعيم بينما أنا أقصر منه، ولهذا السبب كنت غير ظاهر في حشود مظاهرات الطلبة ضد الاستعمار والملك!. وهذا تكرر في أكثر من موقف، وبعد أن انتهيت من دراستي الثانوية في الإسكندرية انتقلت إلى القاهرة للالتحاق بالكلية الحربية. وعن علاقته بعبد الناصر يقول، أنا دفعة 39 بالكلية الحربية، وعبدالناصر دفعة 38، وعندما التحقت بكلية الأركان حرب وكان يدخلها كل عام ثلاثون ضابطا بعد اجتياز امتحانات صعبة، وكنت في ذلك الوقت عام 1951 حاصلا علي دبلوم اقتصاد سياسي من جامعة لندن بعد دراسة استمرت خمس سنوات، كان عبدالناصر أستاذا لعلم المخابرات بكلية الأركان حرب، وكان لكل أستاذ جماعة بهذه الكلية، وأنا كنت رئيس الجماعة التي تتبع جمال عبدالناصر. من هنا بدأت العلاقة تقوي مع عبد الناصر بشكل مباشر. وفي ليلة الثورة كنت قائدا لمدرسة خدمة الجيش بالقاهرة، و اختارني عبدالناصر، وكنت الوحيد الذي لم يكن من المجموعات السرية، بالإضافة إلى صفات أخرى تلمسها كالسمعة الطبية، واتقان اللغات الأجنبية، والحصول علي شهادات علمية كثيرة من الخارج. وفي عام 1953 كلف الرئيس عبدالناصر زكريا محيي الدين بأن يكون مديرا للمخابرات العامة ووزيرا للداخلية، والذي اختار خمسة وكنت واحدا منهم لإعادة تنظيم جهاز أمن الدولة. فوضعنا تنظيما جديدا لإنشاء جهاز المخابرات العامة لمصر، ووقع الاختيار عليٌ بتكليفي لإنشاء قسم الصحافة بجهاز المخابرات في ذلك الوقت. وأول ما فعلته هو التخطيط لشن حرب نفسية ضد الانجليز بالقناة بإنشاء محطة بوسط الصحراء لا يعلم مكانها أحد حتي السفارة البريطانية، كمحطة إرسال لبث إذاعة باللغة الانجليزية، وسميت هذه المحطة فيما بعد بإذاعة أم كلثوم. كنت شخصيا أطبع المنشورات باللغة الانجليزية ضد القوات البريطانية في القناة، وترسل بواسطة ضباط المخابرات الذين كانت مهمتهم إنشاء جماعات فدائية ضد الانجليز في القناة. لقد عشت مع الرئيس عبدالناصر مديرا لمكتبه ومستشاره، ثم اجتمع مجلس قيادة الثورة، وهذا المجلس لا يمكن أن يقوم بأي ترقيات استثنائية، ولكنه قرر ترقيتي من بكباشي إلي قائمقام، مع نقلي إلى السلك المدني كمتحدث رسمي للثورة، بعد أن قمت بخطة الحرب النفسية ضد القوات البريطانية في القنال واستخدام محطة إذاعة الملك السابق مع ثلاثة من الشباب وسيدة بحملة سرية ضد الاستعمار البريطاني. كذلك بعد قيامي بإنشاء وكالة أنباء الشرق الأوسط ومصلحة الاستعلامات، ونجاح الحملة المصرية ضد العدوان الثلاثي على بلادنا، وشرح وتحصين المواطن المصري والعربي بالقومية والولاء للعرب والعروبة، ولهذا اعتبرني البعض جزءا لا يتجزأ من الثورة. خدعة الحرب عن خطة الخداع الاستراتيجي، يقول الراحل في كتابه "دور الإعلام في تحقيق المفاجأة الاستراتيجية"، "كانت أمامي فجوة عدم الثقة بين الشعب وأجهزة الإعلام سببها فقدان مصداقية الحكومة وجهازها الإعلامي منذ 1967، عندما كانت الإذاعة المصرية أثناء الهزيمة تذيع أكاذيب. لذلك كان دستور الإذاعة والإعلام في عام 1973 هو الصدق والسرعة في نقل الخبر بحيث يستمع المواطن المصري أول خبر عن أحداث الحرب بسرعة من مصادر الإعلام المصري". ويضيف حاتم عبر كتابه: "عندما كلفني الرئيس الراحل أنور السادات قبل حرب أكتوبر 1973 بأن أكون مسئولا عن الحكومة. وأن أنوب عنه في رئاسة مجلس الوزراء، انعكس ذلك علي قراري الأول في مجلس الوزراء. وهو عدم الإدلاء بأي تصريح مباشر أو تلميح عن الأداء أو الاستعداد للحرب وانطبق ذلك على العسكريين والسياسيين أيضا. وكنا في هذا نستفيد من الدروس السابقة نتيجة التصريحات غير المسئولة والتهديدات الجوفاء. التي طالما ترددت واستغلتها إسرائيل لمصلحتها حتى حدثت هزيمة يونيو 1967. وبالتالي كانت بداية خطة العمل الاستفادة من الدروس المؤلمة للنكسة. وكانت إحدى أولوياتي هي استعادة ثقة الشعب في الحكومة وفي وسائل الإعلام الوطنية. وعلى هذا الأساس جرى الإعداد والتخطيط الذي حقق النصر. وكان إعلام أكتوبر سندا وعونا في نجاح الجهد الدبلوماسي والأداء العسكري في تحقيق النصر النهائي". ويواصل حاتم شهادته عن حرب أكتوبر قائلا: "استطعنا خلاله أن نوصل إلى إسرائيل معلومات عن نوايانا بأننا سنحارب في وقت معين. وهو ما حدث في شهر مايو ثم في شهر أغسطس 1973. وفي الحالتين أسرعت إسرائيل بإعلان التعبئة العامة والاستدعاء الكامل لقوات الاحتياط. في حين كانت القوات المصرية يبدو عليها حالة الاسترخاء شبة التام. وفي إطار إخفاء النوايا المصرية ذلك قمنا بنقل المظاهرات الصاخبة والسخط الشعبي من أداء الحكومة بسبب التأخر في إعلان الحرب، وكان الهدف من نقل أخبار هذه المظاهرات الشعبية إلى الإعلام الأجنبي. إقناع الجميع وأولهم إسرائيل: أن مصر وإن كانت ترفض الوضع القائم وشعبها يغلي من هذا الوضع ولا يطيق تحمله أكثر من ذلك. إلا أنها عاجزة عن المبادأة بعمل عسكري كبير يعيد إليها أرضها المسلوبة وكرامتها المهدرة، بل كان الهدف الأسمى المقصود من كل هذا أن نوهم إسرائيل بأن مصر جثة هامدة وهي لا تقوى على الحرب. وأن هذه المظاهرات الصاخبة من شباب مصر وسكوت القيادة عليها تعني أن مصر غير قادرة على الحرب وتجسد هذا العمل في الإعلان عن أن القوات المسلحة المصرية ستقوم بإجراء مناورة عامة. وأنها بدأت في التجهيز لها واتخذنا ما يكفل أن تعلم إسرائيل بهذه المناورة قبل إجرائها بوقت كاف. حتى لا تفاجأ قبلها بقليل فتأخذ حذرها. وتم تسريب معلومات عن هذه المناورة إلى إسرائيل بشكل سريع وكامل. بحيث تحقق هدف الخداع الكامل الذي يتحقق من خلال القيام بأعمال خداعية متكاملة مقنعة". علاوة على أساليب الحرب النفسية، وكانت وسيلتنا في ذلك الإذاعة العبرية التي انشأناها وجعلناها تبث من القاهرة ناطقة بالعبرية دون أن يعرف أحد بوجودها. وتستهدف الشعب الإسرائيلي خاصة شريحة الشباب منه. وكانت الرسالة الإعلامية للإذاعة العبرية تقول أن الحرب أثم كبير حرمته الأديان المختلفة. وأن اليهودية والمسيحية والإسلام أديان سماوية موحدة ترفض الحرب والقتل والدم. وأن السبب فيما يحدث في الشرق الأوسط ليس بسبب العرب وليس بسبب الشعب الإسرائيلي. بل بسبب قلة من المسئولين. والقيادات الإسرائيلية التي ترى في استمرار حالة الحرب وضعا معززا لمكانتها. حتى لو كان ذلك على حساب دماء الأبرياء. أيضا استخدام بعض الأخبار العسكرية عن إسرائيل في تحقيق المفاجأة الإستراتيجية. فبعد أن كنا نرفض أن تنشر صحافتنا وإعلامنا أي أخبار عن صفقات السلاح الإسرائيلية أو عن تقدير موقف لصالح إسرائيل. بدأنا نستخدم هذا الإجراء في القدرات الكبيرة التي تمتلكها إسرائيل. وعما يقال عن أن إسرائيل قادرة علي تحويل القناة إلى مقبرة حارقة. وعن رأيه في الإعلام المصري عام 2010 قال في أحد لقاءاته، إذا أراد الإعلامي أن ينقد فلينقد كما يشاء فالنقد واجب، ولكن يجب أن يذكر محاسن ما ينقده قبل مساوئه، ويجب أن يذكر الحقائق، فهذه أسس في الإعلام. ويقول الكاتب صلاح منتصر أن الراحل استضاف فى فترة إحدى اليابانيات وتولى تربيتها فى بيته مع أبنائه، وهى حاليا وزيرة الدفاع اليابانية وكانت فى زيارته مؤخرا لتطمئن على صحته.