فضل : الأسد كان ملاسنا للملوك ..وصانع السلطة الثقافية أبو موسى : الأسد كشف الجوانب المجهولة عن العصر الجاهلى الأسد أثبت خطأ "الرواية الشفهية" وأكد :فى العصر الجاهلى الأمية أقل من زماننا زيادة : الأسد تأثر بالثورة العربية الكبرى فى كتاباته الشافعى : البيئة الثقافية والمزاج العام السبب فى افتقادنا لبدلاء العظماء الأسد كشف لعبة السلطة والإعلام فى "حرب المصطلحات" هو أحد أعلام اللغة العربية و التراث و الفكر ، صاحب " مصادر الشعر الجاهلى " الذى يعد مرجعا رئيسيا كشف العديد من الجوانب المجهولة عن العصر الجاهلى و صاحب " حرب المصطلحات" .. هو المفكر الأردنى الراحل ناصر الدين الأسد الذى احتفى به كلا من معهد الدراسات العربية و معهد المخطوطات العربية تحت عنوان " ناصر الدين الأسد : مشروع فرد مشروع أمة" . شارك في الفعالية الدكتور محمد محمد أبو موسى أستاذ البلاغة بجامعة الأزهر ، و الناقد الدكتور صلاح فضل و السفير اللبنانى بمصر د. خالد زيادة ، و د. حسن الشافعى رئيس مجمع اللغة العربية ، و د. فيصل الحفيان مدير معهد المخطوطات ، بينما اعتذر عن الحضور الأستاذ وائل نجل الدكتور الأسد ؛ الذي يعمل فى النمسا رئيسًا لبعثة الجامعة العربية والمنظمات الدولية فيها. و قد أكد الحاضرون أن تراث الأسد سيستمر على مدى الأجيال ، و أن رحيله هو و غيره من العظماء خسارة للأمة العربية ، التى تفتقد البيئة الثقافية و المزاج العام الذى ينشئ البديل لهؤلاء العظماء من العلماء ، مما يعرض الأمة للخطر . تحدث د. صلاح فضل عن ناصر الأسد مؤسسا و رائدا فأسس الجامعة الأردنية وهى من الجامعات الرفيعة فى الوطن العربى ، وكان رائدا للتعليم العالى ، مما أهله ليصبح وزيرا للتعليم فى الأردن ، كما أصبح مديرا لمنظمة الألكسو فى سنا مبكرا ، و أسس المجمع الملكى لبحوث الحضارة الإسلامية " مؤسسة آل البيت " ، كما عمل سفيرا للأردن فى السعودية و الصومال . و قال عن سيرة الأسد أنه ولد في العقبة جنوبالأردن في 1922م، لأب أردني وأم لبنانية، نشأ ناصر الدين في بيئة البادية ولم يعرف المدينة إلا حينما أوفد إلى القدس، وكانت أول مدينة يراها، وكان يحسن بأن بيئة البادية تصور بيئته ونشأته، وتصور ما في نفسه، فارتبط بالشعر الجاهلي ، و الأدب العربى ، مولعا بالقراءة منذ الصغر حيث اعتاد والده على إحضار الكتب له من رحلاته المختلفة . و تتلمذ الأسد على يد إسحاق الحسينى و أحمد الخالدى ، و نيقولا زيادة و أمين الخولى ، و عباس العقاد ، و طه حسين ، و أشرف على رسالته للدكتوراة أثناء دراسته فى القاهرة د. شوقى ضيف . و وصف فضل الأسد بأنه كان ملاسناً للملوك و الرؤساء ، دون تبعية لهم ، فكان مصدر للمشورة و الثقة ، مما جعله يحوز على المناصب و الجاه ، و يساهم فى التأسيس للتعليم و الثقافة فى المملكة الأردنية ، كما ساهم فى التأصيل للثقافة الفلسطينية . أما عن كتبه التى أثرت المكتبة العربية، فتحدث فضل عن أهمية رسالة ناصر الأسد " مصادر العصر الجاهلى " و الذى بها كان أول أردنى يحصل على الدكتوراة من جامعة القاهرة ، و اعتمد مشروعه على أصالة التراث العربى الذى يلتقى مع الحداثة. و تحدث فضل عن السنوات التى جمعته فى المجمع اللغوى مع الأسد ، الذى ساهم بالعديد من الأبحاث الهامة ، و ركز فضل على بحثين هامين ، أولهم نشأة الفكر العلمى فى تراثنا ، قائلا أن الأسدر رأى أن المنطلق الدينى هو المؤسس للمعرفة العلمية ، و التأسيس الدينى للثقافة العربية هو ما حماها من الذوبان فى الثقافات الأخرى ، و هو ما خالفه فيه فضل ، قائلا ان هذه المقولة ثار حولها الكثير من الجدل ، و قال أنه وجد فى الأسد عرقا سلفيا أصيلا جعله كثير الشبه بمحمود شاكر الذى جمعتهم الصداقة و لكن حدث خلاف بينهم بسبب طه حسين و كتابه عن الشعر الجاهلى ، أما بحثه الثانى فكان عن العاميات فى اللغة العربية ، و التى رآها ثراء للغة و لا تزاحم الفصحى. و ذكر فضل أن الأسد شارك فى معظم الجوائز العربية الكبرى كجائزة الملك فيصل و جائزة عويس و شومان ، مما جعله يساهم فى صناعة السلطة الثقافية ، و قد حصد الكثير من جوائزها مستحقا ، و كان له كاريزما و حضور ثقافى واسع ، متمنيا أن تظل مكانته كبيرة فى الأجيال القادمة ، فقد خلف علما ذاخرا ، غير من يخلفون مجرد أوراق . البديل الغائب من جانبه تحدث د. محمد أبو موسى عن رحيل الأسد قائلا يؤسفنا أن يذهبوا و تظل أماكنهم شاغرة ، لافتا للخطر الذى يحدق بالأمة بعد ذهاب عظمائها و عدم موجود كفاءات تحل محلهم . وقال موسى إن الأسد كشف الكثير عن مصادر الشعر الجاهلى المجهولة ، فقد تميز بالعمل العلمى الدؤوب ،و قد اهتم بالشعر الجاهلى مبكرا قبل التحاقه بالجامعة ، و كان مولعا بحفظ الشعر ، مشيرا لإجماع العلماء أن الشعر الجاهلى من المصادر الهامة للثقافة العربية ، و أنه أفضل بيان عندنا بعد كلام الله و رسوله . و أشار أن الشعر الجاهلى هو الذى جمع بين محمود شاكر و ناصر الأسد ، وأن كلاهما شعرا بالصدمة من كتاب طه حسين عن الشعر الجاهلى ، و قد أسهم ذلك ببحث الأسد أكثر فى الشعر الجاهلى ، و فند الكتاب قائلا أنها أقوال " مرجليوث " و لكنها بأسلوب طه حسين الآخاذ ، و برغم خلافه معه حول مسألة الشعر الجاهلى و لكنه ظل يحترمه و يعده أستاذا له حتى نهاية حياته ، كم أقر بذلك محمود شاكر ، و عن الخلاف بين ناصر و شاكر فأرجعه البعض لحدة شاكر ، و لكن أكد موسى أن ناصر الاسد ذكره فى مقدمة كتابه مصادر الشعر الجاهلى بكل إجلال . أما عن كتابه الهام "مصادر الشعر الجاهلى " فتحدث الأسد عن الأمية و القراءة و الكتابة فى العصر الجاهلى ، ليكشف أن القراءة و الكتابة كانت شائعة عند العرب وقت نزول القرءان عكس المتعارف، و كانت لديهم مكتبات ، و كان يستأجرون بيوتا و يحولوها لمكتبات تمتلئ حتى سقفها بالكتب، مشيرا ان قول أن العرب فى العصر الجاهلى لم يعرفوا سوى الرواية الشفهية خطأ ، و هذا ما جعل كتابه مصادر الشعر الجاهلى ليس له مثيل و سيبقى فى الأجيال . و لفت موسى أن المجتمع الجاهلى الذى يهاجمه الكثير ، هو المجتمع الذى خرج منه المهاجرين و الأنصار و الذى أعده الله لرسوله ، و يمتلئ بالنماذج الشعرية الرائعة ، و إن كان وصف بالجاهلى فلجهلهم بالدين و لكن لم يكن لديهم جهل أخلاقى أو علمى . الأمة لم تنضب بعد فيما قال السفير د. خالد زيادة أن ناصر الدين الأسد بدأ حياته العلمية مع نشأة المملكة الأردنية ، متأثرا بالثورة العربية الكبرى- التى خصص لها أحد كتابه - و التى أعادت الاعتبار للعروبة المتسامحة مع الإسلام فى الثورة على العثمانين و التتريك ، مشيرا أن الأسد كان الوجه التربوى للأردن ، و ظل أمينا على التراث الإصلاحى ، و قد وقف ضد القومية العروبية ، قائلا أن القومية ليست العروبة ، و أن العروبة و الإسلام وجهان لشئ واحد ، فكان يؤمن بالعروبة المتصالحة مع تراث الإسلام ، و إيمان الفرد المتحرر من قضايا السياسية . من جهته أشار د.حسن الشافعى أن البيئة الثقافية و المزاج العام لا يسمح بوجود بدلاء للعظماء الذين يرحلون ، و لكن الخصوبة العربية و خاصة الفلسطينية باقية ، مشيرا أن البطل الحقيقى فى حياة الأسد هوالكتاب و المكتبة ، و أن سعادته الحقيقية لم تكن فى المناصب و الكراسى وإنما بين كتبه . و قال الشافعى : لا سلطة فى القرآن لمال و لا سلطة و لا عصا إنما للبرهان ، و هذا ما أدركه هؤلاء العلماء الذين لم يقلدا شيوخهم بل كانوا مؤسسيين و رائدين أنفسهم ، مشيرا ان مواقف و علوم و مكتبة الأسد و غيره ستظل باقية و ستسهم فى ظهور البديل ، و هذه الأمة ستظل خصبة و سيتفجر عنها المستقبل، معزيا الفلسطينيين قبل الأردنيين فى رحيل المفكر الأسد . أقوال و آراء من أقوال العلامة ناصر الأسد و آراه الفكرية قوله : العروبة والإسلام أمران متلاحمان، حتى إنهما يكادان يكونان أمرا واحدا، ولا يجوز اصطناع هذه الخصومات المفتعلة بين الإسلام والعروبة، وأنا أعتقد أن كل مسلم هو عربي، على الأقل من ناحية الثقافة واللغة، وأي مسلم يستهين بالعروبة يجرح إسلامه في جانب من الجوانب. و هو القائل أن العالم يعيش " حرب المصطلحات" فأعد المصطلح من أهم أدوات الغزو الفكري، وكثيرا ما يستعمل لتغريب الفكر . ويوضح أنه حتى يصبح الحق المتوهم حقا متمكنا، لا بد من تحسينه وتزيينه وحشد الحجج له، وإقامة البراهين عليه، ووضع الخطط والبرامج لإقناع النفس به، ثم إقناع الناس، وهو ما تفعله عادة وسائل الإعلام المتعددة، وأساليب التعبئة الفكرية والنفسية التى تكرر تلك المصطلحات حتى تألفها العقول. و ضرب مثال بمصطلح " الشرعية " و " التشريع " المأخوذ من مصطلح الشرع فى الإسلام ، و لكن هذه المصطلحات أصبحت فى يد النظام تستخدم لتنظيم أساليب القهر لشعوبهم، تحت ستار من "سيادة القانون". و هذا ينطبق على الاتفاقيات الدولية ، متسائلا هل مقاومة معاهدة سايكس بيكو، ورفض ما نصت عليه من تجزئة الوطن الواحد إلى دويلات وكيانات هزيلة، يعد خروجا على "الشرعية" الدولية؟ و مصطلح " حقوق الإنسان " الذى تتخذه بعض الدول القويةذريعة وستارا للتدخل في شئون الدول الأضعف وتغيير رؤسائها أو أنظمتها، وتأليب مواطنيها، وقد استعمل هذا المصطلح للتأثير في الاتحاد السوفييتي بهجرة اليهود منه.