يستعيد الأمريكي بول أوستر في روايته "حكاية الشتاء" حياته الماضية، ومختلف المراحل التي مر بها منذ طفولته وحتى شيخوخته، وتأثير كل مرحلة عليه، وتفكيره أثناءها، والأحلام والأوهام التي كان يبحث عنها ويحاول تحقيقها في كل مرحلة، وكذلك الأمكنة الكثيرة التي عرج عليها وسكن بها، وما خلفته لديه من آثار لا تمحوها السنوات. ووفق جريدة "الشباب الجديد"، فإن الشتاء الموصوف في رواية أوستر التي نشرتها شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت بترجمة هالة سنو مؤخراً، يعكس الفصل الأخير من عمر الروائي المولود في نيوجيرسي عام 1947، وبخاصة أنه يرمز إلى الشيخوخة ونهاية دورة الفصول، بحيث تكتمل الدائرة، وتبدأ بعدها دورة جديدة، ويكون فصل جديد يبدأ بالربيع، يستهل أوستر بمخاطبة نفسه وقارئه معا، بقوله "تظن أنك في مأمن من هذه الأحداث، وأنها لن تنالك، وأنك الشخص الوحيد في هذا العالم الذي هو بمنأى عنها. لكن لا بد أن يحين وقت خيبة الظن، فتراها تصيبك كالآخرين تماما". ويرى أن جسده يحوي قائمة آثار جروح مندملة، ولا سيما تلك المحفورة على وجهه وتتراءى له كل صباح عندما ينظر في مرآة الحمام، ويذكر الروائي أنه نادرا ما يفكر في تلك الندوب، ولكن كلما أتت بباله يدرك أنها أمارات حياته الفارقة، وأن الخطوط المسننة المتنوعة والمختلفة المحفورة في جلدة وجهه بمنزلة حروف أبجدية سرية تسرد وقائع متصلة بماهيته وتعرّف عنه، لأن كل ندبة أثر لجرح مندمل. ويذكر أوستر أن جسد الإنسان موقع أحداث لفظه التاريخ، وأنه من جسده تبدأ الحكاية، حكاية شتائه، وكل شيء ينتهي مع جسده أيضا، يستعيد أوستر ذكريات صداماته الأولى مع الوقائع، ويتذكر حبه الأول، وأصدقاءه السابقين، والديه وأصدقاء الطفولة والشباب، النساء اللاتي تعرف إليهن لاحقا، وكثيرا من الناس الذين صادفهم أثناء تجوله وتنقله، ومفارقات كتابته وأعماله، لا يخفي أوستر تأثره بالمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، لا سيما حين يشير إلى مقارباته الفكرية الهامة في عدد من القضايا، منها مسألة الهوية.