مع حلول المساء، تلتحف العاصمة البوروندية بوجمبورا بدثار الصمت المريب.. تماما كبركان يتحضّر للإنفجار، يقوم المتظاهرون ضد النظام الحالي بتحضير ورسم مخططاتهم واستراتيجياتهم للتصدّي لقوات الأمن. احتجاجات على الطريقة الهوليودية نهارا، يعقبها أو يسبقها تكتيك ليلي لا يترك شيئا للصدفة، بحسب ما رصده وكالة "الأناضول" خلال يوم بأكمله قضاه بين المحتجين. وتتفرق مجموعات الشباب "المقاوم" على أحياء العاصمة البوروندية العتيدة ناياكابيغا و بويزا و موتاكورا و موساغا التي يصعب على الغرباء الولوج إليها بعد أن أقام أبناء الحي المتاريس على المداخل. أحد منظمي هذه المسيرات قال في حديث مع "الأناضول" إنه مع حلول المساء، نقوم بغلق جميع المنافذ بالحجارة والعجلات المطاطية وأغصان الأشجار ثم نقوم بحرق جميع ذلك في الصباح الباكر فيما يقوم شباب متمرس متسلح بالهراوات بحماية المتاريس والناس في الحارات. ثم يتابع قائد إحدى هذه المجموعات بالقول إنه يستعمل صفارة لإشعار الناس بخطر داهم في حال لمح إحدى سيارات الشرطة التي تكون مرفوقة في بعض الأحيان بعناصر أمنية تقوم بإيقاف بعض الأسماء المعروفة. وقد منعت المتاريس التي نصبت في بويزا و جاب و نياكابيغا يوم الثلاثاء الماضي أحياء في بوجمبورا 3 عربات من قسم التوثيق بالشرطة، من الدخول إلى هذه الأحياء، بحسب أحد المتظاهرين. أحد الشبان يشتغل حارسا في حي "جاب" من منطقة موكازا ذهب في هذا الاتجاه مؤكدا في حديث للأناضول إنه "يتم تفتيش كل غريب عن الحي كما تخضع جميع العربات إلى التفتيش ودفع مبلغ دولار واحد يستغل في التزود بالمياه والبسكويت لفائدة المتظاهرين". وابتكر المسؤولون عن هذه الأحياء المتلاصقة شبكة اتصالات ملائمة للوضع تعتمد على استعمال الرسائل الهاتفية والأصوات التي تحدثها بعض الأدوات للتنبيه لخطر ما ينبغي على المتظاهرين فك شفرتها. وعند الصباح الباكر، يلتقي الشباب الغاضب ويقسمون أنفسهم إلى 3 او 4 مجموعات تضم كل منا نحو 50 رجلا يقودهم شبان يتقدون حيوية. "نبدأ بالعدو على مسافة كيلومترين على الأقل حول الحي و تتوفر كل مجموعة على 3 صفارات على الأقل تعمل كجهاز إنذار، وتعمل هذه المجموعات على تفادي تسلل شباب حزب "سي آن د يدي-آف دي دي" الحاكم عبر القيام بمجهود مراقبة والحرص على التظاهر بكل سلمية"، يقول نيايكابيغا، احد منظمي المسيرات فيما يتع تفادي المواجهات مع الشرطة كل ما أمكن ذلك، إن لم يجدوا انفسهم أحيانا أمام الأمر الواقع وتفرض عليهم المواجهة فرضا. يوم أمس الإربعاء، حاولت عناصر من الشرطة اقتحام الشوارع المغلقة في بوجمبورا، فيما ارتفع منسوب التوتر لدى المتظاهرين الذين أطلقوا شعارات من نوع "حذار من ولاية ثالثة" و"النسر قد مات" في إشارة إلى الرئيس نكورونزيزا و "لقد مللنا" و "يحيا الجيش". في المقابل، ابتكر بعض الشباب الذين يتمتعون بلياقة بدنية متميزة أسلوبا جديدا للاحتجاج عبر القيام بعروض بهلوانية، تحت النظرات المنذهلة لعناصر الجيش التي تتدخل في كل مرة تندلع فيها المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين لتهدئة الأجواء. في الشق المقابل، يقوم رجال الشرطة بجميع ما في وسعهم لمنع الشبان من الوصول إلى شارع 28 نوفمبر و شارع شعب الموروندي و شارع الجامعة وجميعها ممرات تؤدي إلى قلب العاصمة، ورغما عن ذلك فإن الشبان تحدوا رجال الأمن وحاول مع حوالي الساعة 11 (تغ) المرور عبر الحواجز الأمنية البشرية التي تصدت إليها بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع و الرصاص الحي. وتشبه هذه المواجهات إلى حد كبير مشاهد هوليودية لا سيما مع الحجارة التي تنهال على رجال الأمن كرد على استعمال هؤلاء للرصاص، بحسب المتظاهرين. ومع تمام الساعة 12 (تغ) تدق ساعة "راحة المحارب" بأن يتناول الشباب الثائر الطعام لإيجاد قدرة على المضي من جديد، فيما يستغل رجال الشرطة هذه الهدنة غير المعلنة للانسحاب ولنيل قسط من الراحة والطعام بدورهم، قبل استئناف المعركة مع الساعة 15 تغ ببطون ممتلئة ومناوشات أقل حدة. شيئا فشيئا يقوم عدد كبير من الشبان القادمون من الجبال المطلة على المدينة بالعودة إلى ديارهم غير متأكدين من الوصول سالمين إلى قواعدهم بسبب "الكمائن" الأمنية المنصوبة في كل مكان.