التناقض بين الحداثة والدين كأحد مولدات العنف، هو موضوع ملف العدد الجديد من مجلة "الديمقراطية"، التي تصدر عن مؤسسة "الأهرام". "عنف كعنف القرون الوسطى"؛ هكذا تصف الدكتورة هبة رءوف عزت، في دراسة العدد، المشهد اليوم.. وتحت وطأة هذا العنف وفي ظل أحداثه، خصص ملف العدد لدراسة جذور وأسباب أزمة الحداثة وعلاقتها بظواهر وأحداث العنف المتلاحقة التي لا نكاد ننتهي من الدهشة والصدمة التي تخلفها إحداها، حتى تتبعها أخرى أكثر إيلاما و"إبداعا" في صنوف وألوان العنف. ووفق وكالة أنباء الشرق الأوسط، تستدعي ظاهرة "العنف الإسلامي"، كافة أنواع التفسيرات من لوم النفس على "فشل الحداثة" فى مجتمعاتنا، أو"الرفض الإسلامى" للحداثة، مع استدعاء ضرورة الإصلاح الدينى، وهو ما تتناوله بالبحث مقالتين، الأولى بعنوان "الحداثة برؤية علمانية"، والثانية بعنوان "لماذا أخفق الإصلاح الدينى فى الإسلام؟". وبخلاف حديث التطرف الدينى، يضع مفكرون آخرون العنف المتزايد الذى نشهده فى سياق ظاهرة أشمل هى التطرف الأيديولوجى ، فيؤكد السيد يسين فى كتاباته أن الفكر الدينى المتطرف هو فرع من فروع التطرف الأيديولوجى بوجه عام ، والذى قد يعبر عن نفسه فى صفوف الجماعات اليسارية كما بين طوائف وجماعات اليمين المتطرف وعنصريته تجاه الأقليات الدينية والعرقية والقومية ، ومختلف أشكال العنصرية. ويستشرف مقال "مأزق الحداثة وأزمة الديمقراطية" فى الملف، إفراز المجتمعات الديمقراطية الغربية لأفكار وتيارات عنصرية ومعادية لعناصر الحداثة ، وأنه سوف يكون التحدى الأكبر ويشكل محورا لمأزق الحداثة ، وأزمة الديمقراطية فى السنوات المقبلة. هذا النفى المتبادل بين الدين والحداثة الغربية، مع شعور كل طرف بالاصطفاء والاستعلاء الأخلاقى على الطرف الآخر هو لب الأزمة ، كما يعرض لها مقال "المركزيات الحضارية" ، بينما يستشرف مقال "المكون الدينى فى العمران ما بعد الحداثى" مخرجا معرفيا من فكرة الصدام المحتوم ، حيث تتسع أطروحات ما بعد الحداثة لمكانة ممكنة للدين لم يتم تطويرها إلى حدها الممكن بعد ، وإن كانت المابعديات قد تجاوزت الجفوة التقليدية بين الدين والحداثة. تناقض من نوع مختلف تدور حوله موضوعات قسم "مقالات" فى هذا العدد، جوهره الاختلاف فى الرؤية بين الأجيال والأولويات التى يوليها كل طرف لطبيعة المرحلة وأهدافها العليا، فكما يظهر من عنوان المقال "أزمة التعامل مع التيار الليبرالى"، يرى دكتور محمد عبد الشفيع عيسى أن التيار الليبرالى وأنصاره من الشباب فى مصر يشكلون نوعا من "الأزمة"، أو "العقدة". هذا التيار الذى كان شاغله الفكرى الأساسى منصبا على قضية الحرية الشخصية و"الكرامة الإنسانية" وحصانة المواطن الفرد أمام الدولة- كجهاز "للعنف المشروع"؛ تأثرا من وجهة نظر الكاتب بالخبرة السياسية الأوروبية، أصبح فى قطاعات منه يرى فى تحولات ما بعد الثلاثين من يونيو حيدة عن هذه الأهداف التى صمد من أجل الدفاع عنها فى الأعوام الأربعة الأخيرة. على صعيد آخر، يبحث مقال "الديمقراطيون الراديكاليون" للدكتورة دينا الخواجة فى العوامل التى أثرت فى وجدان وتشكيل قناعات جيل الثمانينيات على مستوى العالم وليس فى مصر فحسب، وترجعها بالأساس إلى نمط التنشئة الذى واكب انحسارا واضحا لدور الدولة فى أشكاله المختلفة وتعاظم دور القرناء ورفقاء الجيل؛ هذا الجيل الذى أصبح النواة الصلبة للمطالب الديمقراطية لم يتكون فى ظل مقولات و"ضرورات" دولة التحرر الوطنى، ومن ثم فقناعاته ومطالبه الديمقراطية أكثر جذرية. أما قسم قضايا مصرية، فتتناول مقالاته العديد من الموضوعات المطروحة على الحوار العام منها ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية المرتقبة ، سواء من حيث محددات المشاركة، أو الحظوظ المتوقعة للفئات المهمشة فى البرلمان القادم، أو سلوك وبرامج الأحزاب الدينية المشاركة، خاصة السلفية. كذلك تتناول المقالات عددا من القضايا ذات الصلة بعملية التحول الديمقراطى، ومنها رأس المال الاجتماعى، وكيف يسهم فى تماسك وتضامن مجتمعى "منير" فى مواجهة التضامن الآلى أو "المظلم"، وقضية العدالة الانتقالية المصرية فى ضوء الخبرات والتجارب الدولية، فضلا عن صناعة قياس الرأى العام، ضروراتها ومصاعبها فى ظل المراحل الانتقالية. وأخيرا؛ يشتبك العدد مع الحدث الأبرز على الصعيد الاقتصادى المصرى مؤخرا، فيتناول مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى، ويناقش ما يطرحه من مقومات "تجربة مصرية"، ومدى كفايتها للحديث عن تجربة وليدة للتنمية.