كيف تحول شخص مغمور يدعى أحمد فضيل الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي) إلى مؤسس أكبر تنظيم إسلامي مسلح يسيطر على 45% من العراق و 35% من سوريا؟ هذا اللغز وحالة الغموض التي تحيط بتنظيم الدولة وأسئلة أخرى يحاول الباحثان الأردنيان في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور حسن أبو هنية والدكتور محمد أبو رمان الإجابة عليها بكتاب مشترك وقعاه الاثنين في العاصمة عمان تحت عنوان " تنظيم الدولة الإسلامية الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية" . تناول الباحثان مسار تطور "تنظيم الدولة الإسلامية" والمراحل والتحولات التي مر بها، والمساحات المشتركة والخلافات الحقيقية والمفترضة بينه وبين تنظيم القاعدة المركزية والأسباب التي أدت إلى انشطار تنظيم القاعدة. تنظيم صعد بشكل متسارع مما دفع مسؤول عراقي لتبرير سقوط مدينة الموصل خلال ساعات بالقول " إننا نتعرض لغزو خارجي". ويجيب الكتاب على جملة من الأسئلة من خلال صفحاته ال 270 من أبرزها : ما هي المعالم الرئيسة لأيديولوجية هذا التنظيم؟ وكيف نفسّر صعوده السريع وتحقيقه انتصارات عسكرية سريعة في كل من العراق وسورية قبل أن يتشكّل التحالف الدولي والإقليمي لمواجهته؟ وهل أسباب صعود التنظيم مرتبطة بشبكة علاقاته وتكمن بمصالح إقليمية متوارية وراء المشهد أم بعوامل ذاتية أم بشروط واقعية موضوعية أخرى أم أسباب مركّبة ومتعددة؟ وهل الخلافات بين تنظيم الدولة والقاعدة المركزية مرتبطة بالصراع على النفوذ والقوة والسيطرة؟ أم أنّ هنالك فوارق أيديولوجية وسياسية حقيقية بين ما يطرحه التنظيمان؟ وبحسب الباحثان : قبل أحداث الموصل، وما نجم عنها من صدمة ليس فقط للعراقيين، بل حتى للرأي العام العربي والعالمي، لم يكن موضوع "تنظيم الدولة الإسلامية" يحظى باهتمام كبير، لكنه منذ تلك الفترة بات يتصدّر العناوين الإخبارية عن المنطقة العربية، وموضوعاً ساخناً في الندوات والمناظرات، التي تؤمّها جماهير غفيرة تبحث عن أجوبة مقنعة في تقدير حجم قوة التنظيم الحقيقية، وحلّ الألغاز المرتبطة بانهيار الجنود العراقيين والسوريين أمامه، وفي تفسير هذا السلوك الدموي العنيف في تعامله مع الخصوم، ومشاهد الفيديو المصوّرة، التي تبثّها مؤسساته الإعلامية على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.كثيرٌ من التفسيرات أصرّت على ربط التنظيم بما هو خارج السياق المجتمعي أو السياسي العربي الراهن، سواء كان ذلك في العراق أم سورية، فقد نفض المثقفون والوعّاظ والسياسيون والتيار العام في الشارع العربي أيديهم من "هذا التيار المتوحّش" بوصفه غريبًا عن البيئة العربية؛ وكأنّه ليس إنتاجًا صادقًا وأمينًا للواقع الراهن، أو أنّه ليس مؤشّرًا موضوعيًّا للمدى الذي يمكن أن تصل إليه الانهيارات السياسية والأخلاقية والثقافية والمجتمعية. أو كأنّه "كائن غريب" عن مخرجات الأنظمة السلطوية الفاسدة من جهة، والسياقات الاجتماعية المتردّية من جهة ثانية، وجمود المنظومة الفقهية والفكرية والاختلالات التي تعاني منها من جهةٍ ثالثة! ويؤكد الكتاب أنّ الخلافات بين تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة لها جذور ممتدة إلى مرحلة أبي مصعب الزرقاوي، الأب الفعلي والروحي المؤسس لهذا التنظيم، وتطورت في المراحل التالية يصورة متدرجة، بالرغم من بقائها غير معلنة، إلى أن انفجرت مع رفض أبي محمد الجولاني، مسؤول جبهة النصرة إعلان أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، عن دمج التنظيمين في تنظيم واحد باسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (في نيسان/ إبريل 2014). ترصد الفصول الأولى من الكتاب وحللت مسار تطور تنظيم الدولة الإسلامية والمراحل والتحولات التي مرّ بها، والأسباب التي أدت إلى تراجعه في الأعوام الماضية، قبل صعوده الثاني الأخير منذ العام 2011، وصولاً إلى إعلان الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ولاحقاً الخلافة. ويتناول الكتاب جبهة النصرة، في المشهد السوري، ويقف على الخلافات الداخلية بينها وبين تنظيم الدولة الإسلامية، التي أدت إلى انشطار القاعدة والصراع بين التيارين، وسنحاول تمييز البناء الأيديولوجي لتنظيم الدولة مقارنة بجبهة النصرة وبالسلفية الجهادية عموماً. يتطرق الفصل الأخير إلى البنية الداخلية والهيكلية لتنظيم الدولة الإسلامية، وكيف تطوّر عبر الأعوام الماضية من جماعة بسيطة إلى محاكاة نظام الدولة المعاصرة ومزاوجة ذلك بالميراث الفقهي الإسلامي. في الخاتمة، سنحاول استنطاق المؤشرات الرئيسة للمرحلة القادمة، على صعيد التحالف الدولي والإقليمي والحرب الراهنة وعلى صعيد تنظيم الدولة الإسلامية وأخيراً الخلافات في أروقة القاعدة وداخل التيار السلفي العالمي.