تحت عنوان: "تجديد الخطاب الدينى"، التقى جمهور معرض الكتاب، بالدكتور عبد العظيم حماد الكاتب ومفكر رئيس تحرير الأهرام السابق، والكاتبة الدكتورة جيهان أبوزيد. بدأ الدكتور حماد اللقاء قائلا: لقد كانت دراسة أفكار وأيدلوجيات تيارات الإسلام السياسى هى الشغل لى أنا والدكتورة جيهان على مدار سنوات، وزاد هذا الإهتمام بعد صعود الإخوان إلى السلطة، ومن خلال التواصل مع قيادات وزارة الثقافة والهيئة المصرية العامة للكتاب، قررنا إصدار سلسلة كتب شهرية تحت عنوان"المكتبة السياسية"، والسلسلة تهدف إلى تحليل أفكار وتنظيرات التيارات الإسلامية، من خلال تحليل السياق المجتمعى للدول العربية والإسلامية مع التركيز على مصر، بشكل موضوعى وحيادى، وأفضل أن نبدأ لقاء اليوم بعرض الدكتورة جيهان مدير تحرير السلسلة، لأهم إصدارات السلسلة. فى بداية حديثها أشارت د. جيهان لما طرحه د. حماد قائلة: فكرة السلسلة، كانت رد طبيعى على الصعود الكبير لظاهرة الإسلام السياسى عقب ثورة 25 يناير، فمنذ تفجرت ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة 2011 واعدة باستجابة طال تأخرها -من مصر مجتمعا ونظام حكم- لاستحقاقات العصر من ديمقراطية وتنمية وعدالة اجتماعية, توالت الجهود الفكرية والبحثية لتفسير مجريات الأحداث, ورصد مكامن الخطر على هذه الاستجابة, وكشف منابع الرجاء فى تحقيقها كاملة,وان طال المدى. وقد استأثر ما يسمى "بالإسلام السياسى" بالنصيب الأكبر من هذه الجهود, بما أنه مثًل البديل الحاضر للنظم المتكلسة, الفاسدة التى قامت الثورات لإزالتها، فأعادتنا الثورة إلى الثنائية التى لم يكتمل فيها النقاش أبدا, ثنائية الدين والدولة . لقد كشف صعود تيار الاسلام السياسى الى سدة الحكم عن عمق الاحتياج لبناء حوار موضعى رصين حول الجدل الذى بدأه الشيخ "على عبد الرازق" بكتابه "الإسلام وأصول الحكم", كان كتاب عبد الرزاق قد اخترق الجدل الدائر آنذاك وإبان سقوط الخلافة العثمانية متسائلا عن كيفية إقامة حكم ديني يقوم على سلطة الفقهاء في ظل الأنظمة السياسية المعاصرة، والتوفيق بين مفهوم الوطن، والدولة الحديثة، ومفهوم الأمة. وبرغم مرور عقود على صدور كتابه, فالحوار لم يستكمل بعد, ولم يتواصل الجهد الذى بدأه وتلقاه غيره من بعده, وظلت الإسهامات التالية متناثرة كجزر متباعدة يطمسها الفيض الذى ظل منذ هذا الحين يعلو ويهبط وفق ايقاع المتغيرات السياسية الهائلة التى مرت بها مصر والمنطقة, وكلاهما متداخلين . لقد صنعت "الخلافة الإسلامية" حالة رمزية طاغية في الفكر السياسي الإسلامي الحديث، ونسجت الكثير من الرؤى العاطفية من اجل اعادة النموذج التاريخى القديم للحاضر الراهن، فتشكلت حركات حملت على عاتقها مهمة إعادة هذه الراية وبعثها من جديد، ساعية الى تطبيق المشروع الاسلامى الحضارى الشامل، والذى تمثل السياسية واحدة فقط من أذرعه, فالى جانب السياسة هناك مشروع اقتصادي وثقافي واجتماعي, وكلها تتكاتف معا لبناء نموذج الخلافة الاسلامية الجديدة. على ان النموذج الجديد يواجه بميراث عالمي اعتاد مفردات على غرار الديمقراطية والمساواة وحقوق الانسان. مازالت اذن ثنائية على عبد الرازق-الدين والدولة- قيد الحوار ,واليها اضيفت متغيرات جديدة اقحمتها الحداثة ثم الثورات الصاعدة,لنفاجئ بمواجهة عبء ثقيل من ميراث فكرى لم ينجز ومتغيرات جديدة قيد التشكل ,وواقع يطالبنا بالتقدم لبناء المستقبل. فى ظل تلك التحديات خرجت المكتبة السياسية, كمساهمة جادة لاستكمال ما لم يكتمل وتعميق المعرفة بجذور التداخل بين الدين والدولة, ساعيين الى جمع الروافد المبعثرة فى نهر رئيس دائم الجريان,وذلك من خلال اصدار شهرى متخصص فى نقد افكار وحركات الاسلام السياسى, ملتزما بقواعد المنهج العلمى فى البحث والتاصيل ومستهدفا اوسع قطاع من الجمهور السياسى الذى يستحق ان يتحصل على معرفة مدروسة تحترم نزعته للتحليل والفهم المتعمق. ان اصدار كهذا لم يكن يجدر به الا ان ينتسب للهيئة المصرية العامة للكتاب, بميزانيتها المدفوعة من المواطنين وتحررها من كافة حسابات النشر الخاص, وانتمائها التاريخى لشعب مصر وللاحرار فى كل موقع كان. وبالفعل تمكنا من إصدار أول أعداد السلسلة فى أبريل من عام 2014، وكانت باكورة إصدارات السلسلة هى كتاب "السلفيون والسياسة" للدكتور حافظ دياب، ويحكي التطورات السياسية للجماعة السلفية، فقد مارس السلفيون السياسة منذ عقود في باكستان والكويت والبحرين، كما كان لهم دور سياسي في السودان من خلال جماعة أنصار السنة المحمدية السودانية عقب الاستقلال عام 1956 وفى السعودية من خلال مذكرة النصيحة والانتخابات البلدية التي قدمها سلفيو الصحوة عام 2004 وفى الإسكندرية من خلال دعوة المقاطعة السلفية للانتخابات البرلمانية إبان حكم مبارك، وعقب ثورة يناير 2011 في مصر أضحى السلفيون لاعبًا سياسيًا جديدًا. ورغم انتشار السلفية في جميع بلدان العالم العربى والإسلامي والغربى، فالدراسة التي يتناولها هذا الكتاب تقتصر على مجالات أربعة باعتبارها الأكثر تمثيلا هي السعودية فهى موطن نشوء هذا التيار في التاريخ الحديث مع الحركة الوهابية، والمغرب حيث ارتبطت السلفية هناك بالقضية الوطنية منذ الاستقلال، ومصر والظهور اللافت للحركة السلفية في الآونة الأخيرة، والسلفية الجهادية التي تبتغى إسقاط ما تراه أنظمة كافرة. وأشادت جيهان بالإصدار الثانى للسلسلة والذى تعتبره كتابًا من الكتب القليلة التى تناولت نظرية الإسلام السياسى من هذه الزواية، والكتاب صدر على جزئين فى شهر مايو ويونيو 2014 تحت عنوان" الأساطير المؤسسة للإسلام السياسى" للأستاذ صلاح سالم وهو باحث فى شئون الإسلام السياسى بجريدة الأهرام. وتابعت جيهان بشكل مُبسط وسلسل خالى من التعقيد، عرض بقية الكتب السلسلة عن السلسلة وهى: كتاب "زمن الأصولية رؤية للقرن العشرين" للكاتب والفيلسوف الكبير مراد وهبة، واختتمت جيهان حديثها بعرض أحدث إصدارات السلسلة وهما كتابى"خريطة الجهاد المسلح فى مصر" للكاتب مُنير أديب وكتاب"البحث عن خلاص.. أزمة الدولة والإسلام والحداثة في مصر "للدكتور شريف يونس. يسير الكتاب على خطين متوازيين ومتداخلين من البداية للنهاية. خط تاريخي يتتبع الأطر العامة والتحولات المهمة للدين والدولة، منذ ما قبل الحداثة إلى نهاية عهد مبارك، وخط مفهومي عبارة عن سلسلة من المفاهيم التي أُهدرت أو تم التعامل معها وكأنها مسلم بها في الروايات التاريخية المتداولة. وفى تعقيبه أبدى حماد شكره لجيهان على ما قدمته من عرض لإصدارات السلسلة بشكل يجعل المتابع لا يشترى الكتاب بعد أن سمع هذا العرض الوافى، وتابع: إن المكتبة السياسية وإصداراتها قائمة فى الأساس على فهم وتحليل أيدلوجيات هذه الجماعات والتيارات كما سبق وأن أشرنا، ولنعود لموضوع لقاء اليوم وهو تجديد الخطاب الدينى، ففى الحقيقة قد يبدو الوضع صادمًا لكم عندما أقول لكم أن تجديد الخطاب الدينى قد ظهر فى مصر عقب ثورة 1952 وزاد فى الستينات بالرغم من غلبة الميثاق والفكر الناصرى وهو فكر وتوجه الدولة وقتئذ، وكان هناك سجال متبادل بين التيارين الإسلامى والسياسى. وانتقد عبدالعظيم ما يحدث الآن على الساحة بقولة، وبعد أكثر من خمس عقود عدنا من جديد لنطرح نفس القضية، ومعنى هذا أننا لم ننجز شى ولم نتخطى مرحلة الكلام، وكانت النتيجة أن ظهرت جماعات أخرى أكثر تطرفًا فى الدول العربية والإسلامية كالقاعدة وبوكوحرام وغيرها. فاجتهادى يقول بأننا للأسف ركزنا على العلاج ولم نركز على الوقاية، بعد أن إستفحل المرض وعم البلاء، فالمطلوب هو الوقاية والوقاية أرى أنها تتمثل فى: التعليم والمناخ العام للثقافة والأداء السياسى. وأشار عبد العظيم أننا للأسف لدينا نظام تعليمى شديد التخلف، حيث لا يدرك الطالب إلا القليل عن الحداثة، وتابع: فمثلاً كل مناهج التعليم والثقافة لدينا يغيب عنها عن قصد أو دون قصد ما يُعرف بمنهج التعليم الاجتماعى، علمًا بأن هذا الجزء قد أفرد له الفقهاء مساحات واسعة، وهذا الفكر غاب عنا وأتصور أننا لو قمنا بعمل إستبيان على عينة كبيرة من الشعب وسألناهم عن أهم أعمال طه حسين ستقتصر إجاباتهم على عدد قليل من كتب طه حسين مثل الأيام فحين يجهل الكثيرون رائعة طه حسين الفتنة الكبرى وكتاب فلسفة بن خلدون الذى حصل بموجبه على درجة الدكتوراة. فلماذا لا تُقر وزارة التربية والتعليم كتاب الفتنة الكبرى على طلاب المرحلة الثانوية، وأن تهتم بأن يتعرف الطالب على السياق الاجتماعى والثقافى والتاريخى للقصائد الشعرية التى يدرسها وكذلك رأى القدامى والمحدثين فى هذه الأعمال، ولكن للأسف يتم التركيز على مرادفات الكلام ومظهار الجمال. ولكم أن تعرفوا أن عبدالله بن العباس كان يسأل عن الجديد من قصائد عمرو بن ربيعة، وهذا ذوق فنى لا علاقة له لا بالحلال ولا بالحرام، وللأسف علاقة الطالب فى مصر تنقطع بالعلوم الإنساننية بعد الصف الأول الثانوى لطلاب القسم العلمى الذى تقتصر دراستهم على مواد الفيزياء والكيمياء والأحياء، مع إهمال تام للمواد الإنسانية التى هى حلقة الوصل بين الإنسان والمجتمع، ومنهنا يكمن الفشل الذريع لأنظمة التعليم لدينا. فى حين أن المدارس الفنية فى أوروبا تُدرس لطلابها مبادئ القانون والضرائب والفن التشكيلى والأدب والتاريخ والجغرافيا والفلسفة، ومن هنا يستطيع الطالب أن يكون فكر ثقافى مستقل ولا يعنينا هنا إن كان بالإيجاب أو بالسلب. فالثقافة هى وصل وقائى من التطرف، ومشكلتنا أن فكرة تجديد الخطاب الدينى لدينا هى فكرة موسمية لن تؤدى إلى شى، وأكد عبد العظيم أن الإهتمام بالتعليم منذ الصغر سيوفر الكثير فى معركة التجديد. لقد أهمل ملف تجديد الخطاب الدينى على مدار عقود طويلة وكنا نكتفى بأن نضع رؤسنا فى الرمال كالنعام، فمثلاً طوال فترة حكم مبارك التى تجاوزت الثلاثين عامًا، نادرًا ما كنا نسمع عن تجديد الخطاب الدينى أو مقاومة الإستبداد وللعلم إن آفة الإستبداد السياسى والسلطوى من أجل الدفاع عن كرسى الحكم هى أشد خطورة من الإستبداد الدينى، وكانت النتيجة دائمًا فى صالح الإستبداد السلطوى، فحركات التنوير لدينا ترى بعين واحدة وتمشى أيضًا بقدم واحدة. فهناك خلاف دائم وأزلى بشأن الفكر التجديدى، وحتى نكون حيادين يجب أن نُشير إلى أن أسباب فشل نهضتنا وخاصة بعد ثورة 1952 كان النُظم الإستبدادية وليس الجماعات الدينية، فالجماعات الإسلامية كانت ولا زالت لعبة يد الأنظمة الإستبدادية تحركها كيفما تشاء. وأنا لست مع فكرة أنا كل ما فات سىء أو كل الحديث جيد، بل أرى أننا إذا أردنا أن ننهض بشعب فلا يُمكن أن نطلب منه أن يرمى تراثه وعقيدته خلف ظهره، والأمثلة على ذلك كثيرة فالصين واليابان وكوريا نهضوا ببلادهم مع الحفاظ على تراثهم ومعتقداتهم فالإستبداد السياسى هو أبو الموبيقات، كما أن هناك مصلحة مزدوجة بين الأنظمة السياسية والجماعات الدينية. ومع فتح باب الأسئلة انتقد أحد الحضور أطروحات المُفكر السورى أدونيس فى لقائه بجمهور المعرض، وقد عارضت الدكتور جيهان السائل بقولها: فيما يبدو أنك لم يصل إليك ماكان يتحدث عنه أدونيس فهو من قال: "فليتغلغل الدين النفوس ولكن لا يتغلغل فى السلطة الحاكمة، فليتدين المواطن كما يشاء ولكن لا تتدين الدولة"، فعندما ثار المصريون فى 30 يونيو فقد ثاروا على محاولات الإخوان تدين الدولة وليس على الدين الإسلامى. وفى تعقيب الدكتور حماد على نفس السؤال أضاف: علينا أن ننزع القداسة عن السلطة السياسية وخاصة فى العصر الحديث، فالسلطة السياسية منذ عهد الرسول الكريم لم تكن وظيفتها أن تُدخل الناس الجنة بل كانت وظيفتها أن تُقرب لهم الجنة على الأرض. وفى مداخلة من أحد الحضور أشار فيها إلى أن هناك عدد من الدراسات التى نشرت فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى الفترة الأخيرة، تشرح بالتفصيل أن الإخوان استطاعوا أن يتوغلوا ويسيطروا على قطاع كبير من الشعب المصرى وخاصة البسطاء فى القرى والريف والأماكن العشوائية من خلال المساجد والزوايا والمدارس، وكذلك من خلال الزى الذى كان يعتقد الناس أنه هوية المُسلم التى لابد من الحفاظ عليها. وأكدت جيهان على ما يتعلق بإستخدام الإخوان لدور العبادة فى استقطاب الناس، مضيفة لا شك أن الدولة هى من ساعدة الإخوان على ذلك حين لم توفر للناس الخدمات الأساسية، فقد لعب الإخوان على وتر الفقر والحاجة، ومنطقيًا أن ينساق الناس سواء بتفكير أو دون تفكير مع من يساعدهم ويقف إلى جوارههم، فى ظل غيابكامل من الجهات الخدمية فى الدولة. وفى ختام الندوة أكد الدكتور عبد العظيم مجددًا أن العلاقة بين السلطة الدينية والسلطة المُستبدة هى علاقة أزلية، فأى مُستبد يعمل بكل الحيل والوسائل المشروعة والغير مشروعة، على توظيف كل السلطات الأيدلوجية الموجودة ليفرض سيطرته، فلا يبلغ العدو من أحمق ما لم يبلُغ الأحمق من نفسه.