أحكمت جماعة أنصار الله الحوثيين قبضتها على المشهد السياسي في العاصمة اليمنية صنعاء بإصدارها الإعلان الدستوري مساء أمس والذي نقلت فيه السلطة إلى اللجان التابعة لها متجاهلة كل القوى السياسية اليمنية ولتنفرد بترتيب الحياة السياسية وان فتحت الباب أمام الجميع للمشاركة في المجالس التي سوف تنشئها لإدارة البلد في المرحلة الانتقالية التي تستمر عامين وفق شروطها وتحت جناحها وبذلك دخل اليمن مرحلة سياسية جديدة يتصدرها الحوثيون وحدهم . فقد منح الإعلان الدستوري اللجنة الثورية العليا برئاسة محمد على الحوثى صلاحية تعيين المجلس الوطني الذي سيكون بمثابة البرلمان لتمرير القوانين التى تخدم المرحلة الانتقالية وهذا المجلس سيشكل مجلسا رئاسيا من 5 أعضاء ويقوم بتشكيل حكومة كفاءات وطنية لادارة المرحلة حتى تنتهى بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ..ولم يشر البيان إلى وجود أي سلطة لعبد الملك بدر الدين الحوثى زعيم أنصار الله ولكن دوره سيكون كالمرشد الاعلى للثورة على غرار النمط الإيراني . ومحمد على عبد الكريم الحوثى رئيس اللجنة الثورية العليا والحاكم الجديد لليمن فى المرحلة الانتقالية ينتمى لأسرة زعيم جماعة الحوثيين فهو ابن عمه ويعد أحد المقربين منه وظهر فى الفترة الأخيرة من خلال رئاسته للجنة الرقابة الثورية التي شكلها الحوثيون بعد سيطرتهم على صنعاء بدعوى مكافحة الفساد وكان معتقلا فى جهاز الامن السياسى خلال الحروب الست التي شنها نظام الرئيس الأسبق على عبد الله صالح ضد الحوثيين فى الفترة من 2004 الى 2010. وتحاول جماعة أنصار الله اقناع الداخل والخارج بأن هذا الحل الذى لجأت اليه من جانب واحد هو الوحيد لسد الفراغ الدستوري الناتج عن استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادى وحكومة خالد بحاح وأن الشعب اليمنى فوض ثورة 21 سبتمبر لقيادة البلد في مرحلة الثورة حتى أن الاعلان الدستورى صدر باسم الشعب . فقد بارك صالح الصماد رئيس المجلس الرئاسي لأنصار الله / وهذا منصب على ما يبدو جديدا فقد كان منصبه رئيس المجلس السياسي / في بيان له نشره الموقع الرسمي لانصار الله للشعب اليمني وأكد أن الثورة هي ثورة كل اليمنيين ولن تقصي او تستبعد اي طرف وان الإعلان الدستوري أتي ليحسم خيارات عديدة كانت تستغل لتضييع الوقت لذلك اتت خطوة الاعلان الدستوري لتحسم المسارات الي مسار عام الجميع متوافق عليه لولا المكايدات السياسية وحدد الاعلان مسارا واحدا ليس فيه اقصاء لأي طرف ولازالت فيه مساحة واسعة للشراكة والنهوض بالمسؤلية بعيدا عن المكايدات السياسة . وأضاف ان يد الشراكة ممدودة لكل من يريد ان يساهم في بناء الوطن وعلي جميع القوي في الداخل والخارج ان تطمئن بان الثورة لم ولن تستهدف اي طرف وستعمل علي تعزيز الوحدة الوطنية بين كل ابناء الشعب اليمني بكل اطيافه وان تعمل علي بناء علاقات متينة مع كل دول العالم علي اساس الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدول ومصالحها وأن الامور طبيعية ولاداعي للقلق. وحذر الصماد من أن المواقف السلبية من جانب أى قوى ستضر من تبناها ولن تجدي في ثني شعبنا عن مواصلة مشواره في تصحيح واقعه..موضحا انه في حال اقدمت بعض القوي في الداخل علي اتخاذ مواقف سلبية تضر بمصلحة الوطن فانها لن تكون بمنأي عن اي تداعيات قد تحصل جراء مواقفها مع انها لن تجني غير الخسارة والهوان..وكذلك القوي في الخارج من مصلحتها ان تقف مع الشعب الذي سيثمن اي مواقف ايجابية ولن تثنيه اي مواقف مضادة قد تتبناها اي قوي خارجية. وقد حاولت اللجنة الثورية العليا طمأنة اليمنيين على أنها ستشرك من يرغب فى المؤسسات التى سينشئونها ولذلك حرصت على تواجد وزيرى الدفاع والداخلية فى صدور الاعلان واصدرت أول قرارين لها وهو تعيين وزيرى الدفاع والداخلية فى الحكومة المستقيلة قائمين بأعمال الوزيرين والغرض من ذلك هو ضمان السيطرة على المؤسستين العسكرية والامنية لما للوزيرين من شعبية فيهما كما أصدرت أمرا بتشكيل اللجنة الامنية العليا برئاسة اللواء محمود الصبيحى وزير الدفاع وهناك توقعات بأن يعين رئيسا للمجلس الرئاسى . ومن واقع الاعلان الدستورى فان الذى سيحكم اليمن هو رئيس اللجنة الثورية العليا بتفويض من الحوثى ولن يكون للبرلمان أو المجلس الرئاسى أو الحكومة أو حتى اللجنة الامنية أى دور فى تسيير الامور الا شرفيا وانما الهدف من ذلك اضفاء الصفة القانونية علي أى قرارات تصدر فحتى اللجنة الامنية بالرغم ما بها من أعضاء بارزين فى المؤسستين العسكرية والامنية الا أنها تضم قادة حوثيين هم الذين سيحددون أى قرارات قادمة . وتباينت ردود أفعال القوى السياسة ازاء التطورات الأخيرة فقد سارع المسئولون فى حزب التجمع اليمنى للاصلاح / الاخوان المسلمين / برفض هذه الاجراءات ووصفوها بالانقلاب وأنه البيان رقم 1 للانقلاب وسوف يجتمع الحزب اليوم مع تكتل اللقاء المشترك للتوصل الى قرار واحد ...وحذر مسئولون فى الحزب من أنعكاسات ما أقدم عليه الحوثيون داخليا وخارجيا . أما حزب المؤتمر الذى يعد حليفا للحوثيين وتضرر من الاعلان بحله مجلس النواب فقد أمتنع كافة أعضاءه عن التعليق على الاحداث وصدر بيان للحزب يفيد بأنه فى حالة انعقاد دائم لمتابعة الاحداث الجارية وقد عقد أجتماعا مساء امس فى منزل زعيمه على عبد الله صالح ومن المقرر أن يصدر بيانا اليوم عن موقفه من هذه الاحداث . ورفض الحزب الناصرى المشارك فى تكتل المشترك الاعلان الدستورى ووصفه بالانقلاب فيما يعلن الحزب الاشتراكى موقفه بعد التنسيق مع الاصلاح ورفض الحراك الجنوبى وحزب الرشاد السلفى الاعلان.. وأيد حزب الحق - أحد أحزاب اللقاء المشترك - الاعلان وطالب بيان أصدره كافة القوى السياسية والاجتماعية بتفهم هذه الخطوة والتعامل معها ايجابيا ولا غرابة فى هذا الموقف فقد كانت النخب الزيدية هى التى أنشأت الحزب عام 1990 ومن بينها حسين الحوثى زعيم أنصار الله الراحل ولا زال حسن زيد هو الامين العام له ..وقد تولى منصب وزير الدولة فى حكومة بحاح بضغط من الحوثيين . وكان أقوى رد فعل ضد الاعلان الدستورى من قبل مجلس شباب الثورة السلمية فبراير 2011 الذى وصفه فى بيان له بالخطوة الهيستيرية واستيلاء على الدولة واغتصابا لحق اليمنيين فى اختيار حكامهم ...وأعتبر أن صنعاء أصبحت عاصمة محتلة من قبل ميليشيات مسلحة طائفية وكل ما سينتج عنها اجراءات باطلة وغير مشروعة ودعا اليمنيين الى الوقوف صفا واحدا ضد هذه العربدة الحوثية ومقاومة سلطة هيمنة ميليشيات الحوثى . وفى ضوء هذه التطورات وردود الافعال التى ظهرت حتى الآن فان اليمن قد دخل فى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار تنبىء بحرب بين المكونات السياسية قد تبدأ فى أى لحظة خاصة فى مأرب التى تتجمع فيها القبائل الموالية للاصلاحيين والمدعومة من القاعدة وقبائل أخرى وهذه المحافظة أعلنت رفضها للاعلان الدستورى كما يخشى اليمنيون من اقدام الحوثيين على حل الاحزاب السايسة ومصادرة الصحف التابعة لها بعد غلقهم صحيفة "أخبار اليوم" التابعة للواء على محسن الاحمر . وقالت صحيفة "اليمن اليوم" التابعة لحزب المؤتمر أن مشايخ ووجهاء وقيادات عسكرية ومسئولين معظمهم موالين للاصلاح سيعقدون اليوم اجتماعا طارئا فى مأرب بحضور اللواء أحمد اليافعى الذى عين ضمن اللجنة الامنية العليا/ والمحافظ سلطان العرادة للنظر فى التطورات ..وأعربت عن قلقها من أن يتطور الموقف فى مأرب الى حد ارتكاب أعمال تخريبية فى المنشأت النفطية والكهرباء . وقالت صحيفة "الاولى" المستقلة أن ما أشيع عن اجبار اللواء محمود الصبيحى على حضور جلسة اصدار الاعلان الدستورى غير صحيح فقد حضر بناء على تفاهمات مع الحوثيين وأنه قد يتولى رئاسة المجلس الرئاسى . ومن جانبها نقلت صحيفة "الشارع" اليمنية المستقلة عن مصدر سياسى مطلع أن الحوثيين أصدروا الاعلان الدستورى بعد فشل مفاوضات غير معلنة جرت بشكل سرى فى السعودية بين ممثلين عن الحوثيين والمؤتمر والاصلاح وممثلين على الرئيس الجنوبى الاسبق على ناصر محمد برعاية سعودية وايرانية وعمانية ومصرية وأمريكية ...وكانت تجرى حول شكل الدولة وتشكيل مجلس رئاسى من 5 أعضاء لترتيب المرحلة الانتقالية بعد الرئيس هادى الذى سيتم منحه حصانة بعد تشكيل المجلس .