أكدت نخبة من الخبراء والمتخصصين بالمركز القومي للبحوث على ضرورة حث المسؤولين في مصر علي طرق كافة مصادر الطاقة المتاحة وتوظيفها في الاستخدامات المناسبة لكل منها، وعند الإضطرار لاستخدام الفحم، فليكن وفقاً للمعايير الدولية. جاء ذلك في التوصيات التي أصدرتها ندوة "البعد الصحي والبيئي لانبعاثات مصادر الطاقة المختلفة"، التي نظمتها اللجنة الوطنية للسميات بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، تحت رعاية الدكتور محمود صقر رئيس الأكاديمية، والدكتور أشرف شعلان رئيس المركز، وفقاً لما ورد بوكالة "أنباء الشرق الأوسط". وشدد المشاركون على أن حماية صحة الإنسان وبيئته من مخاطر وأضرار الملوثات هي أغلي استثمار علي الإطلاق، وأن مصر غنية بمصادر يمكن استغلالها في سد جزء كبير من احتياجاتها في توليد الطاقة الكهربائية بخبرات محلية، ومصادر غنية كالشمس والرياح والأمواج والغاز الحيوي وخلافه. وأوصوا بضرورة الأخذ في الاعتبار عند استخدام الفحم تزايد معدلات انبعاثات الغازات الدفيئة خاصة غاز ثاني أكسيد الكربون، حتي في ظل السيطرة الفعلية مما قد يعرض مصر لمخاطر خرق الإتفاقيات الدولية الخاصة بالتغيرات المناخية وحرمانها من المطالبة بالتعوضات الدولية التي تستحقها، لأن مصر من الدول الأكثر تعرضاً للأضرار نتيجة التغيرات المناخية. ومن ناحية أخري غاية في الأهمية وهي ما سوف تطبقه الدول بقياس البصمة الكربونية، والتي ستحكم قبول أو رفض الصادرات من دولة لأخري اعتماداً علي المعيار الكربوني في بيئتها. وطالبوا بتحديد الأضرار التي يتسبب فيها استخدام الفحم كوقود على مياه الصرف القادمة من المصانع أو من عمليات تبريد المولدات ما لم تعالج هذه المياه مسبقاً حسب المعايير الدولية، مما يسبب فساد التربة وتسمم الزراعة ومصادر المياه المحيطة بها لتصبح غير صالحة للاستخدام الأدمي، إلي جانب الأضرار بالثروة السمكية في حال صرفها في نهر النيل. وأوضح الدكتور سميح عبدالقادر منصور رئيس اللجنة وأستاذ علم السموم البيئية بالمركز، أن الاتجاه إلي استخدام الفحم كوقود لتوليد الطاقة الكهربائية في مصر يصطدم مع عديد من التحفظات والمحاذير خاصة وأن الاعتماد علي الفحم في بلد يعتمد كلية علي استيراده من الخارج وتأسيس بنية ضخمة لنقله وتخزينه سيحمل المواطن المزيد من الأعباء وينهك الاقتصاد القومي لسنوات طوال، بالإضافة إلي الوقوع في احتكارات دولية متقلبة قد تقف عائقاً في عمليات الإستيراد مثلما يحدث بين الحين والآخر في قمح رغيف العيش. وأضاف أن الشروع في تطبيق الفحم في صناعة كالأسمنت مثلاً يتطلب أولاً إعادة جغرافية للمواقع المناسبة لهذه الصناعة وبعدها عن الكتلة السكنية علي المدي الطويل، وعن المناطق السياحية بما يعني أن العملية تتطلب إعادة النظر في التخطيط العمراني لمجرد استبدال الوقود الحالي بالفحم وتلك تكاليف باهظة تحمل علي اقتصاد منهك. وأفاد عبد القادر بأن مصر طوال العقود الماضية اعتمدت علي توليد الطاقة الكهربائية بشكل أساسي من البترول، وأغفلت الاستفادة المثلى من استغلال مصادر توليد الطاقة النظيفة، ويترتب علي استخدام الفحم المزيد من الإهمال في استغلال هذه المصادر الواعدة. من جانبها، أشارت الدكتورة أمل سعد الدين حسين عضو اللجنة ورئيس قسم الطب البيئي والمهني بالمركز، إلي أنه مع تطبيق التكنولوجيات الحديثة في استخدام الفحم هناك تقارير تشير إلي عدم إمكانية التخلص النهائي من بعض الغازات السامة والعناصر المعدنية. كما أن تقارير الوكالة الدولية لأبحاث السرطان تؤكد علي ارتفاع معدل سرطان الجلد والرئة والمثانة في العمال المعرضين مهنياً إلى سواد الدخان. وعرضت حسين بعض الإحصائيات الدولية عن استخدام الفحم كوقود والاتجاهات الدولية نحو التحول إلى الطاقة النظيفة كحل بديل للوقود الأحفوري حفاظاً على البيئة وعلى صحة المواطنين حيث يسعى الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2020 إلى تقليل انبعاثات الكربون في الهواء بنسبة 80%. وقد قام الاتحاد بوضع معايير صارمة على محطات الكهرباء والمصانع التي تعمل بالفحم في دول الاتحاد. وأشارت إلي أن هناك دولاً كثيرة في العالم اتجهت نحو الطاقة المتجددة مثل، الشمس والرياح، واستخدام بدائل أخرى أقل ضرراً من الفحم في إنتاج الطاقة ومنها المخلفات الصلبة والغاز الصخري مثل ألمانيا التي خفضت استخدامها للفحم خلال 5 سنوات من 82 إلى 66% واستبدال الفحم بالقمامة لتوليد الطاقة، أما هولندا فهي الآن تعتمد على المخلفات الزراعية والمنزلية الصلبة ومخلفات الصرف الصحي في توليد 98% من الطاقة اللازمة لمصانع الأسمنت. وأضافت أنه في أمريكا بدأ الاعتماد بشكل أكبر خلال العامين الماضيين على إنتاج الطاقة باستخدام الغاز الحجري، وذلك لأنه متوفر بكثرة في أمريكا وتكلفة إخراجه زهيدة، وهي الآن تنتج 21% من طاقتها الكهربائية باستخدام الغاز الصخري. كما بدأت دول القارة الإفريقية مثل كينيا والمغرب في إنتاج 60% من طاقتها باستخدام الطاقة الشمسية. وفي كندا أصدرت الحكومة الفيدرالية مشروع نظام لمحطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم من شأنها أن تجعل من أهداف كندا التقليل من استخدام الفحم للحد من انبعاثات الغازات المسببة للتغيرات المناخية، وذلك من خلال تقليل الانبعاثات الناتجة من الكهرباء إلى 90% بحلول عام 2020. وأضافت أن الصين، لكونها المستهلك الرئيسي للطاقة في عام 2012، ولمواجهة الضغوط الدولية للحث على تقليص انبعاثات الكربون، بدأت في تطبيق استراتيجية وطنية جزئية لحفظ الطاقة، والتخفيف من انبعاثات الكربون، أما في مصر فقد بدأت إحدى مصانع الأسمنت باستخدام قش الأرز والمخلفات الزراعية الصلبة في إنتاج 10% من الطاقة التي تلزمها في الصناعة مما قد يخفف من مشاكل حرق الأرز في المزارع.