إنسان الكهف ليس هذا الذي تصوره أفلام السينما العالمية ، بأنه جاهل ، متخلف ، بدائي لم ينل من الحضارة نصيبا ، يرتدي ثوبا من الجلد ، يستر عورته فقط ، مسلح بالحجارة وعظمة ضخمة في يده ، بربري لا يجيد أي اللغات ، يتصف بغياب الذكاء ، وسيطرة العدوانية على تصرفاته. صورة نمطية طالما قدمتها السينما العالمية عن إنسان عصور ما قبل التاريخ ، حتى رسخت في الأذهان . وفي كتابها الجديد تحاول الباحثة زينب عبد التواب رياض " ما بين المسكن والمعبد في عصور ما قبل التاريخ " إلغاء هذا التصور الخاطئ ، وتقول "لم يكن إنسانا بدائيا ، وبالتأكيد لم يكن نصف قرد ، والدلائل الحفرية توضح ذلك ، فأناس الكهف كانوا بشرا ، أناس يعيشون في الكهوف " وتضيف رياض - الحاصلة على درجة الدكتوراه في أثار ما قبل التاريخ قسم أثار مصرية قديمة : الإنسان الأول عبر عن الأفكار التي تدور في ذهنه من خلال رسومات الكهوف ، والتي صارت لنا بمثابة كتاب مفتوح نقرأ من خلال أفكار الأقدمين. لم تبدأ الحياة الإنسانية خطواتها الأولي على ضفاف النيل ، وإنما غرست بذورها الأولي على سفوح الجبال وقمم الهضاب المنتشرة حوله ، فالصحراء الكبرى التي تغطي بلونها الأصفر شمال أفريقيا لم تكن هكذا في الماضي ، وإنما تحمل صورة مغايرة تماما ، منطقة مطيرة ، ينمو بها السافانا والغابات ، وموئلا للحيوانات المفترسة. وفي كهوف غابات الشمال الأفريقي عاش الإنسان المصري الأول ، وترك الفنانون الأوائل الكثير من النقوش التي ظهرت بها حيوانات انقرضت حاليا من المنطقة مثل البقر الكبير والأفيال والخرتيت وأفراس النهر ، بعدما انحسر الماء والمطر ، وسيطر التصحر على كل المنطقة. ومن أهم الكهوف في مصر المتخلفة عن هذا العصر المطير ، كهف سودمين بوادي الجمال في البحر الأحمر ، على بعد 35 كم غرب مدينة القصير ، وكذلك كهف وادي سنور ، في بني سويف ، وعمره الآن 65 مليون سنة ، ويمتد لمسافة 70 مترا ، وعمقه 15 مترا . ويتميز بظاهرة الصواعد والهوابط الجيولوجية ، وليس له نظير سوي في في ولاية فيرجينا بالولايات المتحدةالأمريكية. وفي الصحراء الغربية ، تتواجد كهوف هضبة الجلف الكبير وجبل عوينات ، وتعد من أهم وأغني رسوم ما قبل التاريخ ، وبها 4000 لوحه جدارية تتميز بتنوع مواضعيها وجمال ألوانها ورسوتها . وأكثر كهوف الصحراء غرابة وإثارة للدهشة كهف تاسيلي ، والذي يقع بين الحدود الليبية والجزائرية ، حيث تتواجد به رسومات لمجموعة من البشر يرتدون ملابس تشبه ملابس رواد الفضاء ولوحات أشبه بسفن الفضاء وطائرات غريبة الشكل ، وأناس يسبحون وسط هذه الطائرات داخل فضاء ربما يمثل مدينة ضخمة شديدة التطور. وفي فرنسا عثر على كهف لاسكو ، وهو الأكثر إثارة للإعجاب وشهرة في فرنسا ، وتقدر اللوحات بعمر زمني 17 ألف عام ، وعليها صور بعض الحيوانات مثل الثيران والخيول والغزلان والقسم الثاني من الكتاب يتحدث عن المنشآت المدنية والدينية في عصور ما قبل التاريخ ، ويعرف المنشأت المدنية بأنها المساكن وملحقاتها من مخازن ومواقد وغيرها مما يخدم الحياة الدنيا ، وتنقسم المساكن هنا إلى : مساكن مؤقتة كالخيان والمأوي ، ومساكن دائمة. أما المنشأت الدينية فيقصد بها أي بناء ذي استخدام ديني مثل المقاصير ، المعابد البدائية ، الهياكل وأية أبنية ذات دلالة دينية . كانت الظروف المناخية هي الحافز ، فقد انحسر المطر ، ونزل الإنسان من الهضاب العالية إلى الودايان المنخفضة ، وفي مصر بدأت أولي بذور الحضارة الإنسانية على ضفاف النيل ، وكانت حضارة مرمدة بني سلامة ، والتي تقع حاليا قرب قرية وردان ، شمال غرب القاهرة بنحو 51 كيلو مترا ، وفيها شيد السكان أكواخ بيضاوية أو مستديرة غائرة في الأرض نحو ربع متر ، ويعدها العلماء أقدم القري المخططة على نظام ثابت في الشرق الأدني. ولم تحتفظ لنا الأيام بقصر ملكي أو بيت لعظيم ، فمواده كانت من الطوب اللبن الذي يصعب بقاءه أمام عوادي الزمن ، لكن ومن خلال النقوش على البطاقات العاجية والأواني وبقايا الحصون لقصور ملوك الأسرات نعرف أن للقصر مدخلان ، وكانا من أفخم عناصره المعمارية ، ويدل على ذلك اسمه في اللغة المصرية ويعني " البيت العظيم " . وفي العراق فرضت طبيعة المناخ والأرض وفيضانات الأنهار في بناء المنشأت والمدن في ربوات صناعية ، وإقامة سدود وجسور لتصريف المياة ، فضلا عن أن ندرة الجبال الصخرية في العراق دفع المعماري العراقي إلى استعمال الطمي المحروق أو المجفف بالشمس. فضلا عن أن ندرة الغابات دفعت المعماري إلى الاستغناء عن السقوف الخشبية ومساند النوافذ والأبواب الخشبية وإقامة العقود والقباب من الآجر ، وكان الرافديون أول من ابتكر هذه الأنواع من السقوف والعقود وعنهم أخذ البيزنطيون ثم الغرب. وفي أمريكا الجنوبية ، نمت واذدهرت حضارة المايا ، وشملت المكسيكوأمريكا الوسطي ، في حوالي 5000 قبل الميلاد . ولتقدم المايا أطلق عليهم علماء الآثار " يونان العالم الجديد " . وهناك أيضا حضارة الإزتيك في وادي المكسيك ، واستمرت حتى غزو الإسبان للعالم الجديد ، وحضارة الأنكا واستمرت كذلك حتى الغزو الإسباني. وعاصمتها مدينة كاسكو ، التي تقع على ارتفاع 11 ألف قدم فوق مستوي سطح البحر ، وتغوص بالمعابد والقصور ، ويطلق عليها مدينة الشمس المقدسة.