وزارة التربية والتعليم وهي تعقد امتحاناتها الآن لتعيين 30 ألف معلم بالمدارس، جعلت من اجتياز امتحان الحاسب الآلي شرطاً للتعيين، في الوقت الذي تعاني فيه مادة الحاسب الآلي تهميشاً بالمرحلة الابتدائية والثانوية.. فما هذا التناقض؟!. إنّ الأميّة في عرف الدول المتقدمة أو الساعية نحو التقدم، ليست أمية القراءة والكتابة، ولكنها الأميّة في علوم الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولذا تبوأت هذه العلوم مكانة متنامية في التعليم لديها، باعتبارها أحد أهم العلوم العصرية المتغلغلة في كافة مجالات الحياة، وباعتبارها أحد أهم العلوم المؤهلة لسوق العمل في ظل ثورة المعلومات. ورغم هذا فلا زالت وزارة التربية والتعليم المصرية تتعامل مع مادة الحاسب الآلي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشيء من الإهمال والتهميش خاصة في المرحلة الابتدائية والمرحلة الثانوية، إذ صارت في الأولى نشاطاً اختيارياً، وفي الثانية مادة نجاح ورسوب ولكن لا تضاف درجاتها إلى مجموع الطالب في الصفين الأول والثاني، وفي الصف الثالث مجرد نشاط اختياري. ربما أتفق مع جعلها نشاط اختياري للمرحلة الابتدائية، ولكن أن تُجعل مادة مهمشة في المرحلة الثانوية لا تؤثر في المجموع الكلي للطالب، فذا يعني منح الطالب صكاً بعد الاهتمام بها، مهما حاولنا إقناعه بأهميتها كعلم وكمؤهل ضروري للجامعة وسوق العمل، فلو كانت مهمة - حسب فهمه - لتم اعتبارها مادة أسياسية من قبل الوزارة. أتعجب من حجج الوزارة بعدم جعل مادة الحاسب الآلي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مادة مجموع خشية خضوعها للدروس الخصوصية، وهي حجة واهية وغير منطقية، لأن المادة من العلوم التطبيقية التي لا يمكن تدريسها نظرياً عبر الدروس الخصوصية كسائر المواد تحت بير السلم أو فوق السطوح أو في البدروم، حيث تحتاج إلى تجهيزات مكلفة من حاسبات واتصالات، وهو ما لا يمكن أن يقدم عليه أي معلم للمادة، ومن ثم سيُجبر تلقائياً على تدريسها في معامل الحاسبات بالمدرسة، وبالتالي لن تكون من مواد الدروس الخصوصية إلا في أضيق الحدود، وإذا تم تفعيل عقوبة الدروس الخصوصية الواردة في القانون 155 لسنة 2007 وتعديلاته فسوف لا تكون مادة دروس خصوصية على الإطلاق. أو أن تتحجج الوزارة بأن معامل الحاسب الآلي غير كافية لتدريس المادة، رغم أن هنالك مواد أساسية يتم تدريسها بلا معامل كالفيزياء والكيمياء والأحياء، ورغم أن كثيراً من الطلاب يستطيعون شراء أجهزتهم واصطحابها إلى المدارس بطريقة مقننة. أو أن تتحجج الوزارة بأن معلمي الحاسب غير مؤهلين بالدرجة الكافية لتدريس هذه المادة وفقاً للمعايير المطلوبة، وهذه أيضاً حجة واهية خاصة مع من قضوا نحو عشرين عاماً في تدريس المادة، فول تعلم كل يوم جملة لصار عبقرياً في المادة. أتصور أن الاهتمام بمادة الحاسبات والتكنولوجيا والاتصالات بالمرحلة الثانوية سيكون مفيداً لأهم عنصرين في المنظومة وهما المعلم والطالب، فالمعلم سوف ينتعش إذا وجد مادته بين المواد الهامة، وسيبذل قصارى الجهد في البحث والتنقيب عن كل جديد فيها، وسيكون أكثر حرصاً على حضور الدورات التدريبية والاستفادة منها، وأما الطالب فسوف يولي المادة جزءاً من اهتمامه بالمذاكرة والبحث والتعلم والتفاعل مع المعلم، وسيكون أكثر جدية والتزاماً داخل قاعة الدرس، إضافة بأنه سيكون مؤهلاً بطريقة أفضل لفكرة إحلال الحاسب محل الكتاب المدرسي في السنوات القادمة. آن لوزارة التربية والتعليم أن تخرج مادة الحاسب وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من الثلاجة، بجعلها مادة ذات قيمة بإضافة درجاتها إلى المجموع الكلي الطالب في الصفوف الثلاثة بالمرحلة الثانوية، وبوضع مناهج عصرية متطورة، وأن تكون درجات الطالب نظرياً وعملياً فيها مسوغاً لقبوله بكليات الحاسبات والمعلومات وهندسة الحاسبات ونظم المعلومات.. الخ، لأن التأخر باتخاذ هذه الخطوة أكثر من ذلك سيكون ضاراً على مخرجات العملية التعليمية، وسوف يقدم التعليم قبل الجامعي طالباً إلى الجامعة جاهلاً بأحد أهم علوم العصر، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. إن كوريا والهند وماليزيا صارت دولاً تقدم تعليماً فائق الجودة، يوم أن اهتمت بهذا العلم في مدارسها، وبذا فلا عجب أن يكون تصدير البرمجيات هو العنصر الثاني من عناصر الدخل القومي في الهند، وأن تبرع كوريا في صناعة الالكترونيات الدقيقة. وليست مصر أقل من هذه الدول إن تحررنا من التوجس والتردد، بجعل العام الدراسي 2014/ 2015 عاماً لبداية ثورة تكنولوجية حقيقية في المدارس المصرية. يا وزارة.. من فضلك اسمعينا !!.