أسفر الصراع الذي لا يزال محتدما في جنوب السودان، عن تشريد مئات الآلاف من النازحين، وخلف العديد من السكان البؤساء دون غذاء أو دواء رغم الحاجة الماسة إليهما، فأصبحت المساعدات الإنسانية التي توفرها المنظمات والوكالات الأجنبية تمثل لهم الأمل الوحيد. وعلى الرغم من ذلك يجد عمال الإغاثة أنفسهم عالقين في وسط القتال بين القوات الحكومية وقوات المتمردين. ففي شهر أغسطس / آب الماضي، كان يعمل مايكل سوانكي (اسم مستعار) لمجلس اللاجئين الدانماركي، وهي منظمة غير حكومية دولية، في مقاطعة "مابان" بولاية أعالي النيل، عندما اندلع العنف ضد عمال الإغاثة، مما أدى إلى إجلاء أكثر من 200 منهم من المنطقة من قبل بعثة الأممالمتحدة في جنوب السودان، مما اضطره إلى التخلي عن وظيفته تماما. "اشتعلت الأوضاع للغاية، لذلك قررت أن أعود إلى جوبا حتى تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي".. هكذا استهل "سوانكي" حديثه لوكالة "الأناضول". وأضاف: "لم يتم توقيفي عن العمل، لكنني قررت الرحيل، لأن الوضع أصبح لا يطاق". وفي 5 و6 أغسطس/ آب، كان "سوانكي" في قلب الهجمات على عمال الإغاثة، عندما استهدفت ميليشيا تطلق على نفسها اسم "قوات دفاع مقاطعة مابان" عمال الإغاثة من عرقية "النوير"، ما أسفر عن قتل 6 على الأقل منهم على مدى يومين، وفقا للأمم المتحدة. وتابع: "عمال الإغاثة كانوا يتحركون دائما للوصول إلى مناطق عملهم، ولكن هذا أصبح صعبا للغاية لأن الجميع على الطرق ومناطق المخيمات، يحملون السلاح". وأشار "سوانكي" إلى أن المسؤولين الحكوميين كانوا يوقفون المركبات بين الحين والآخر، ويفتشون الركاب بداخلها، وكانوا يوقفون المركبات ويسألون الركاب إلى أين يتجهون. وتابع "كانوا في بعض الأحيان يطلبون من البعض منا الخروج ويبدأون في استجوابنا قبل السماح بدخول السيارة، وأنا أصبحت أخاف من الجنود وتركت العمل لتوي" ،ولمرات عديدة، تم استهداف عمال الإغاثة على مدار الحرب التي استمرت لما يقرب من عام، وأسقط مسلحون مروحية تابعة للأمم المتحدة في 26 أغسطس/ آب، مما أسفر عن مقتل طيارين روسيين اثنين وجرح ثالث". وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول، الماضي احتجز "مارك ديانغ" وهو موظف يعمل مع برنامج الغذاء العالمي، من قبل مجموعة من المسلحين في مطار ملكال، بينما كان يستعد لركوب طائرة للأمم المتحدة، ولا يزال في عداد المفقودين بعد مضي أكثر من شهر. وفي العاشر من الشهر نفسه، نفسه احتجز ثلاثة من المتعاقدين العاملين في بعثة الأممالمتحدة في جنوب السودان على يد مجموعة من المسلحين الذين كانوا يعملون في مطار ملكال، وفي اليوم التالي أطلق سراح اثنين من العمال الثلاثة، ولا يزال الثالث مفقودا حتى الآن. ويتعين على عمال الإغاثة أيضا التعامل مع الفيضانات المتكررة والطرق السيئة والمسافات الشاسعة بين المجتمعات المحلية المتضررة في البلاد، حسبما تشير "بريسكا أوبارا"، وهي ممرضة من بلدة كيسى في مقاطعة نيانزا الكينية تعمل لصالح برنامج صحة "بامات"، منذ 18 يوليو/ تموز الماضي. ويتم تنفيذ البرنامج بامات، الذي أطلقته منظمة الصحة الدولية "أطباء بلا حدود"، في مقاطعة أويل الشمالية في ولاية "شمال بحر الغزال"، ويستهدف بشكل رئيسي الأطفال والنساء الحوامل، ويوفر الاستشارات الطبية، والإحالات المنقذة للحياة، والرعاية قبل الولادة وبعدها، والتطعيمات والتغذية العلاجية.. وقالت "اوبارا" في حديث وكالة الأناضول: أحد التحديات التي نواجهها هي التأكد من وصولنا إلى السكان المستهدفين". وأوضحت أن "هناك مشكلة كبيرة تتعلق بإمكانية الوصول، وبشكل عام، لا توجد طرق، مما يجعل من الصعب الوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجون للمساعدة". وكانت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، كيونغ وا كانغ، حذرت من أن تحديات الأمن الغذائي بجنوب السودان تمثّل خطرًا يهدد بحدوث مجاعة بسبب عدم الزراعة والإنتاج نتيجة الصراع الدائر منذ منتصف ديسمبر/ كانون أول الماضي. وأشارت في مقابلة مع وكالة "الأناضول" في جوبا، إلى أن الهجمات العرقية على عمال الإغاثة المحليين تعرقل توصيل المساعدات للمناطق المتأثرة التي مزقتها الحرب في جنوب السودان. وأوضحت "كانغ"، أنه "نظرا للهوية العرقية للموظفين المحليين، كان من الصعب العمل في بعض المناطق ما سبب عددا كبيرا من التحديات". ولفتت المسؤولة الأممية إلى أن "نحو 13 من عمال الإغاثة فقدوا أرواحهم بالفعل، في حين اختفى البعض واختطف آخرون وأُخِذوا رهائن". وبحسب إحصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة فإن عدد النازحين من جنوب السودان إلى اثيوبيا بلغ 250 ألفًا منذ بداية الأزمة. وفي ال 18 من نوفمبر/ تشرين ثان الجاري، قامت مفوضية شؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية بنقل 15 ألفًا من النازحين الجنوبين من معسكر "متار" في إقليم غامبيلا إلى معسكر "بونجيدو" في الإقليم ذاته بسبب الفيضانات. وتقول المفوضية إنه إذا لم يتم إيجاد حل للازمة في جنوب السودان سيزداد عدد النازحين إلى إثيوبيا ما بين 300 ألف إلى 350 ألفًا في الربع الأول من العام القادم. ويعيش اللاجئون من جنوب السودان في 5 معسكرات بإقليم جامبيلا الإثيوبية هي: "أوكوبو"، و"بونجيدو"، و"كولي 1"، و"كولي2" و"ليكتور". ومنذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2013، تشهد دولة جنوب السودان مواجهات دموية بين القوات الحكومية ومسلحين تابعين لريك مشار، النائب السابق للرئيس سلفاكير مارديت، الذي يتهم مشار بمحاولة الانقلاب عليه عسكريا، وهو ما ينفيه نائبه السابق.