أجمع خبراء وباحثون في دراسات الشرق الأوسط والعلاقات الدولية أن مراكز اتخاذ القرار حوال العالم ما هي إلا أداة في يد الساسة وصناع القرار، مؤكدين أن نشأتها في الغرب جاءت في الأساس للسيطرة على العالم خصوصا منطقة الشرق الأوسط. من جانبه، قال طارق فهمي الخبير السياسي بمركز دراسات الشرق الأوسط في تصريحات لشبكة الإعلام العربية «محيط»: إن المراكز البحثية تنقسم إلى 4 تقسيمات هي، مراكز بحثية مستقلة، ومراكز قريبة من أوساط دوائر الحكم، ومراكز خاصة وأخرى حكومية . وأضاف أن معظم الكتاب في هذه المراكز مسؤلون سابقون يعملون على استغلال هذه المراكز لصناعة السياسة، فعلى سبيل المثال نجد أن مركز التقدم الأمريكي يخطط لأوباما لسياساته في الشرق الأوسط وغيرها من مراكز الأبحاث حيث يوجد نحو 1750 مركزًا بحثيًّا في جميع أنحاء العالم . أوضح أن رؤية هذه الأبحاث لظاهرة الإسلام السياسي تختلف على حسب توجهات الكتاب وميول المراكز البحثية، مشيرا إلى أن مركز واشنطن يدرس الظاهرة الإسلامية بموضوعية وحيادية فهو ليس مع ولا ضد، في حين أن كارنيجي يهدف إلى تقديم التوصيات إلى صانعي القرار والجهات المعنية الرئيسة، من خلال تقديم الدراسات المعمّقة، وأيضًا من خلال وضع مقاربات جديدة للتحديات التي تواجهها البلدان العربية التي تمرّ في مراحل انتقالية. وتابع "أما بخصوص التقييم العام للمراكز البحثية عامة فهي تهدف إلى توجيه القرار السياسي في أي دولة، فمثلا في دولة إسرائيل يوجد مركز يسمى "متعدد الاتجاهات" ومركز دراسات الأمن القومي، كل من يعملون في هذه المراكز هم مسئولون سابقون وبالتالي فهم من يساهمون بشكل كبير في صنع وتوجيه القرار". وأردف قائلا: إذا عقدنا مقارنة بين المراكز الغربية والمراكز العربية نجد أننا لانملك مراكز بحثية قوية في عالمنا العربي فمعظم المراكز العربية تقوم بالنقل والاقتباس والترجمة أيضا، وهي في الغالب مراكز ملونة، فعلى سبيل المثال نجد أن مركز الزيتونة بتونس مركز "ملون" فمدير هذا المركز ينتمي ويدافع بشدة عن ظاهرة الإسلام السياسي . ورأى أن مركز دراسات الجزيرة غير محايد وغير موضوعي كما أنه يعمل لصالح الإسلاميين، بينما مركز الأهرام بعد كل هذه السنوات لم يعد له وجود على الساحة العربية والدولية. أما الدكتور سعيد اللاوندي الخبير في شؤون العلاقات الدولية قال ل«محيط»، إن مراكز الأبحاث الغربية جزء لا يتجزأ من السياسة الغربيةالأمريكية وتدور في فلكها وأن الباحث بهذه المراكز يخدم السياسة الخارجية لبلاده. وأضاف اللاوندي أن هناك العديد من الكتب تؤكد أن تلك المراكز هي أداة في يد السياسة الأمريكية وأن الغرب يريد أن يمتد بسلطاته للسيطرة على العالم والشرق الأوسط تحديدا. واستشهد اللاوندي بواقعة تدخل السفارة الأمريكية لإغلاق مركز الشيخ زويد للدراسات بالإمارات بعد عرض الباحث الفرنسي تيري ميسان لكتابه الخديعة الكبرى والذي شكك في الرواية الأمريكية الرسمية لأحداث 11 سبتمبر وقدم عدد من الأدلة التي تفيد أن العملية هي صنيعة أمريكية بتواطؤ مسؤولين في الجهاز الإستخبارات الأمريكي. وأضاف أنه ما أن استضاف المركز الباحث الفرنسي حتى تدخلت أمريكا متمثلة في سفيرها بالإمارات وأغلق المركز نهائيا حتى وقتنا هذا، موضحا أن ذلك يعني أن غالبية المراكز الغربية هي مجرد أداة في يد السياسة الأمريكية التي تريد أن تمتد في التأثير لخدمة مصالحها. وعن المراكز العربية، قال اللاوندي، إنها مجرد مراكز ورقية تعمل لخدمة الاستبداد الموجود في المنطقة العربية والشرق الاوسط ولا قيمة لها على أرض الواقع في مصر على سبيل المثال نجد أن هناك مراكز بعينها، كانت تخدم الرئيس المخلوع مبارك ومرسي من بعده وحاليا السيسي، مشيرا إلى أنها لا تبتعد عن فلك السلطة الحاكمة وتدور فيه وكل دورها هو تقديم وظائف للعاملين بها. وقال "كثيرا ما قدمت استطلاعات للرأي العام بنتائج خاطئة توحي وكأن الوضع الداخلي على ما يرام". وفيما يخص الجماعات الجهادية وتيارات الإسلام السياسي، قال إننا نفتقد للعمق في دراسة تلك الجماعات وما تقوم به المراكز العربية هو تقديم معلومات لمثيلتها الغربية لدراستها ومعرفة وضع هذه الجماعات. واعتبر اللاوندي أن تنظيم "داعش" هو كيان خلقته أمريكا لتحقيق هدفين لها وهو أن تخيف به فرائس دول الخليج العربي ومجلس التعاون الخليجي فيأتوا لشراء الأسلحة الأمريكية، والهدف الثاني هو ضرب سوريا ونظام بشار الأسد. وقال أحمد دلول، باحث سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية وقضايا الإسلام السياسي، إن المدقق في نشرات وإصدارات المراكز البحثية المذكورة يلاحظ سيطرة البعد الأمني عليها، وتركيزها على الحركات الإسلامية أو الأقليات بمختلف تصنيفاتها السياسية والعسكرية، مع التركيز على الحركات الإسلامية العسكرية مثل القاعدة وداعش والنصرة وغيرها سواء كان الناشر عربي أم أجنبي. وأوضح أن هذا الأمر مرده إلى أن جمهور المراكز المذكورة يختلف عن جمهور مراكز كثيرة حول العالم، حيث تعمل هذه المراكز وفق منظورة ال"think tank" الأمريكية، وهو مراكز أو مؤسسات تقدم الرأي والمشورة لصانع القرار الأمريكي. وأضاف علينا أن نأخذ في الاعتبار أن هذه المراكز تصنيف ضمن منظومة صنع القرار في أمريكا، وبالتالي فإن إصداراتها تكون على الأغلب ملزمة لصانع القرار، وهي عدة مراكز من أصل نحو 1,815 مركز أبحاث في ربوع الولاياتالمتحدة، أبرزها معهد "بروكنغز" وقد حصل على الترتيب الأول في المراكز الأكثر تأثيرًا في الولاياتالمتحدة والعالم، ويتلعه مجلس العلاقات الخارجية، ثم "مؤسسة (كارنيجي) للسلام الدولي، ومؤسسة "هيريتيج"، ومؤسسة "راند". وذكر أن تركيز هذه المراكز على الحركات الإسلامية جاء في نهاية سبعينات القرن الماضي، والهدف من دراساتها هو تقديم رؤية أو تشخيص سليم لصانع القرار الأمريكي حتى يتم التعامل بشكل سليم مع الحالة المذكورة بما يضمن عدم المساس بالمصالح الأمريكية بالمنطقة. وقال إنه من المؤكد أن هذه المراكز تحاول كي وعي بعض الباحثين من خلال ما تصدره، حيث كانت تروج قبل فترة إلى أن النظام السعودي يعيش حالة من الشيخوخة، وأن الأزهر والمؤسسة الدينية في مصر فقدت دورها في التأثير على المجتمع المصري وخاصة الشباب.. وهذا الأمر غاية في الخطورة في حال تعامل الباحث معه على أنه هكذا. وأكمل أما المراكز العربية ورغم أنها تقدم تشخيصا لحالة أو رؤية لصانع القرار أو البحث عن مستقبل وآفاق حالة ما، إلا أنها تبقى عاجزة عن البحث في ثنايا وأعماق قضايا تصنف على أنها قضايا أمن قومي، وعلى الأغلب تكون مؤطرة وتقدم اوراقها وفق إطار فكري أو مؤسساتي معين، وهو ما يجعل منشوراتها قاصرة أو غير مكتملة الرؤية. اقرأ في هذا الملف"المراكز البحثية.. سماسرة أفكار أم صناع سياسات؟" * «راند».. يصنف الإسلاميين وتقاريره يستخدمها الكونجرس والخارجية الأمريكية * «كارنيجي».. أداة أمريكية لدراسة الشرق الأوسط * «معهد واشنطن».. أداة صنع السياسة الأمريكية بالمنطقة العربية * هل استطاعت مراكز البحث العربية فهم الفكر الغربي ؟ ** بداية الملف