لم تكن الرغبة فى انفصال إقليم كتالونيا عن أسبانيا رغبة وليدة اللحظة ولم تأتي على غرار التجربة الأسكتلندية التى باءت بالفشل ولكنها رغبة شعبوية ذات بعد تاريخي طويل. فقد تصاعدت حدة المظاهرات المطالبة بالاستقلال وبلغت ذروتها في الاحتفالات بالعيد الوطني لكتالونيا يوم 11 سبتمبر/أيلول الجاري ببرشلونة شارك فيها أكثر من مليوني شخص، ورفعت خلالها شعارات مثل "كتالونيا الدولة القادمة في أوروبا"، و"برشلونة ليست أسبانية". وبعد أسبوع من تلك المظاهرات، طالبت جماهير فريق برشلونة لكرة القدم، البالغ عددها أكثر من 73 ألف متفرج خلال مباراة الفريق أمام سبارتاك موسكو الروسي، باستقلال إقليم كتالونيا عن أسبانيا، وذلك في سابقة هي الأولى التي تطالب فيها جماهير الملعب بالاستقلال خلال مباراة رسمية لهذا الفريق. ورغم أن دعوة الانفصال ليست جديدة فإن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها أسبانيا وسّعت دائرة الداعين لها، بعد أصبحت المقاطعة الأكثر مديونية في البلاد مع حوالي 44 مليار يورو، أي 22% من إجمالي ناتجها الداخلي. وتتهم كتالونيا الحكومة المركزية في مدريد بأنها مسؤولة عن أزمتها، وطلبت في أغسطس/آب الماضي من مدريد مساعدة مالية بقيمة خمسة مليارات يورو، ورفض رئيس الوزراء الأسباني ماريانو راخوي طلب رئيس وزراء كتالونيا أرثور ماس توقيع اتفاق ضريبي جديد يضمن للإقليم حق التصرف بعائدات الضرائب لمواجهة أزمة ديونه. ويشعر الكثير من سكان كتالونيا بأن المنطقة كانت ستتعامل بشكل أفضل مع الأزمة في حالة عدم إجبارها على تسليم جزء من عائدات ضرائبها إلى المناطق الأسبانية الأكثر فقرا. حقائق عن «كتالونيا» ويتمتع الإقليم، الذي يبلغ عدد سكانه 7.5 ملايين نسمة، بأوسع تدابير للحكم الذاتي بين أقاليم إسبانيا، ويأتي ترتيبه السابع من حيث المساحة، وتبلغ مساحته 32.1 ألف كلم، ويضم 946 بلدية موزعة على أربع مقاطعات هي برشلونة وجرندة ولاردة وطرغونة. ويتحدث سكان الإقليم لغة خاصة تجعلهم يشعرون بهوية مختلفة عن باقي أنحاء أسبانيا، مما غذى فكرة الاستقلال، فالكتالانية هي لغة كتالونيا وتسمى بالعربية اللغة القطلونية، وتعتبر اللغة الرسمية في الإقليم، كما يتحدثها أيضا مناطق عدة أخرى في أسبانيا، إضافة إلى البرانس الشرقيةبفرنسا ومدينة ألغيرو الإيطالية. وتعد كتالونيا من أكثر المناطق المتطورة اقتصادياً في إسبانيا وإحدى أهم المناطق الصناعية، فهي تقدّم نحو ثلث الإنتاج الصناعي الإسباني وتعدّ مدينة برشلونة أحد أهم الموانئ الإسبانية على البحر المتوسط، وإحدى أهم نقاط الاتصال مع العالم الخارجي عبر مطارها الدولي الحديث. استفتاء الانفصال وقد توصلت الأحزاب الانفصالية في البرلمان الكتالوني إلى اتفاق حول صيغة وموعد الاستفتاء على الاستقلال عن أسبانيا، وبهذا يكون حزبا الأغلبية في البرلمان الكتالوني قد تجاوزا خلافاتهما خلال الأشهر السابقة، والتي كادت تهدّد التحالف بينهما في الحكومة الكتالونية. ومن المقرر حسب الخطة المعلنة أن يتم الاستفتاء يوم التاسع من نوفمبر 2014، وسوف يحتوي الاستفتاء على سؤالين: أولهما هو "هل توافق على أن تصبح كتالونيا دولة؟"، وفي حال الإجابة ب "نعم" على هذا السؤال يأتي السؤال الثاني، وهو "هل تريد أن تصبح كتالونيا دولة مستقلة؟". وكان الخلاف الأساسي بين حزب "التقارب والاتحاد"، وحزب "اليسار الجمهوري الكتالوني" حول هذين الموضوعين، وتحديد موعد للاستفتاء خلال العام القادم، واحتواؤه على سؤال واحد وبعد مفاوضات استمرت شهورا، حاول فيها حزب "التقارب والاتحاد" ألا يصطدم بالحكومة المركزية في مدريد، وفي نفس الوقت ألا يكسر شراكته مع حليفه الانفصالي توصلا إلى هذه الصيغة بعد تقديم تنازلات متبادلة، فقد قبل حزب "التقارب والاتحاد" تحديد موعد للاستفتاء دون الرجوع إلى الحكومة المركزية في مدريد، رغم محاولة "أرتور ماس"، رئيس حكومة إقليم كتالونيا، انتزاع الموافقة من رئيس وزراء إسبانيا "ماريانو راخوي" على هذه العملية، وبدوره قام حزب "اليسار الجمهوري الكتالوني" بالموافقة على وجود سؤالين في ورقة الاستفتاء بدلا من سؤال واحد، كان يصرّ عليه حتى اللحظات الأخيرة، وهو "هل تريد أن تصبح كتالونيا دولة مستقلة؟". ردود الأفعال وجاءت ردود الأفعال الأولى من الحكومة الأسبانية بالرفض القاطع، حيث أكد رئيس الوزراء "ماريانو راخوي" أنه سوف يمنع هذا الاستفتاء بكل الطرق، كما أكد أنه لن توجد مفاوضات أو نقاشات حول هذا الموضوع، بينما قام القطب الثاني في السياسة الأسبانية، وهو الحزب الاشتراكي العمالي الأسباني، بالاصطفاف مع الحكومة رغم دعوته إلى تعديل الدستور من أجل منح وضع مالي وصلاحيات أكبر لإقليم "كتالونيا"، في الوقت الذي تشير فيه استطلاعات الرأي في إقليم "كتالونيا" سواء تلك التي أجرتها الحكومة الإقليمية أو الحكومة المركزية إلى الموافقة على عقد الاستفتاء بنسبة 55% تقريبا من الذين تم استطلاع أرائهم، لكن نسبة الموافقة تختلف حسب كل جهة، بينما تقول الحكومة المركزية إن نسبة الموافقة على استقلال "كتالونيا" لا تتجاوز 20%، تقول الحكومة المحلية في كتالونيا إن هذه النسبة تصل إلى 52%. وحسب تصريحات "أرتور ماس"، رئيس إقليم كتالونيا، فقد تم اختيار شهر نوفمبر بعد عام تقريبا، لكي يتم الإعداد بشكل جيد للاستفتاء، ولكي يتم الحصول على الموافقات المطلوبة من الحكومة المركزية. ومن جانبها رصدت حكومة كتالونيا 5 ملايين يورو من أجل التحضير للاستفتاء، لكن هذا المبلغ قابل للزيادة، كما بدأ العمل في إجراء تعداد سكاني لحصر عدد سكان الإقليم الذين يحقّ لهم التصويت، ومن جانب آخر، تم إرسال وفد إلى سويسرا للتعرف على تجارب الحكومة السويسرية في إجراء الاستفتاءات، ويدور الجدل حول استخدام صناديق زجاجية أو كرتونية، ويبلغ سعر الصندوق الزجاجي 20 يورو بينما يبلغ سعر الصندوق الكرتوني 2 "يورو"، وهذا الأخير هو ما تم استخدامه في استفتاء "كيبيك" في كندا. ولم تصدر عن حكومة مدريد تصريحات رسمية عن الخطوات التي يمكن أن تتّخذها من أجل منع عقد الاستفتاء، لكن وحسب الدستور يمكن للحكومة تجميد الأحزاب الداعية إلى الاستفتاء، وهي أربعة أحزاب قومية كتالونية، والخطوة الأكثر صعوبة هي إلغاء وضع كتالونيا كإقليم له صلاحيات مستقلة مثل باقي الأقاليم، وإحالة هذه الصلاحيات إلى الحكومة المركزية إلى أجل غير محدّد، لكن أيّاً من هذه الخطوات يعتبر مخاطرة سياسية في الوقت الحاضر، حيث سيكون الرابح منها هو الفريق الداعي إلى الانفصال. وكانت جمعيات للعسكريين المتقاعدين قد هدّدت بالعودة إلى حمل السلاح لمنع استقلال كتالونيا، وهو ما لم تعلق عليه حكومة مدريد، بينما على الصعيد الأوروبي والدولي، كرّرت مفوضية الاتحاد الأوروبي تأكيدها على خروج كتالونيا من الاتحاد بشكل تلقائي حال انفصالها عن أسبانيا، ولضمّها تجب موافقة جميع الدول الأعضاء، وهو أمر من المستحيل حدوثه للرفض المتوقع من أسبانيا، كما أكد حلف شمال الأطلنطي "ناتو" أن انفصال كتالونيا عن إسبانيا يعني خروج أراضيها عن مجال عمل الحلف، ومن الصعب ضمّها إليه في ظل معارضة إسبانيا وأيضا فرنسا المتوقعة. وفيما يتعلق بالشق الاقتصادي، تروّج الجبهة الداعية إلى انفصال إقليم كتالونيا إلى أن الدولة المزمعة ستصبح سويسرا الثانية من حيث الرفاهية ومستوى الدخل والمعيشة، ويستند القائلون بهذا إلى مساهمة إقليم كتالونيا بجانب وافر من الميزانية العامة الأسبانية، في حين لا يتلقّى الإقليم نفس المعدّل من الأموال اللازمة للخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية، كما يقول هذا الفريق إن الجنوب الأسباني في "الأندلس" هو المستفيد من الأموال التي تضخها كتالونيا في الدولة الإسبانية، لكن واقع الأرقام يقول عكس هذا، حيث إن الاقليم مدين للحكومة المركزية بأكثر من 9 مليارات يورو، وحسب دراسات اقتصادية مستقلة، سوف ينخفض مستوى المعيشة في كتالونيا بنسبة 8% في حالة الانفصال عن إسبانيا، كما ستفقد المنتجات الصناعية الكتالونية السوق الإسباني والأوروبي أيضا، ولكي تتمتع بالمزايا الجمركية مع دول الاتحاد الأوروبي، يجب على "كتالونيا" عقد اتفاقيات ثنائية مع كل دولة على حدة. ويمكن ل "كتالونيا" استخدام اليورو كعملة معتمدة مثل إمارة "موناكو" الفرنسية، لكن لن يكون من حقها التدخل في السياسات المصرفية والاقتصادية لمنطقة اليورو، وعلى المدى القريب في حال الانفصال عن أسبانيا سوف تصبح السياحة هي المصدر الرئيسي للدخل في كتالونيا، ومن المتوقع أن تقوم الشركات الأوروبية والإسبانية ذات المقرّات في كتالونيا بالهجرة إلى فرنسا أو إسبانيا، وهو ما هدّد به رجال أعمال كتالونيون لا يريدون أن يفقدوا السوق الإسبانية. تجميد قرار الاستفتاء هذا وقد أمرت المحكمة الدستورية فى أسبانيا، يوم الاثنين، بتجميد إجراء الاستفتاء على استقلال إقليم كتالونيا والذى كان من المقرر أن يجرى فى التاسع من شهر نوفمبر المقبل. وذكرت شبكة تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية أن المحكمة الدستورية أوضحت فى هذا الصدد أنها سوف تنظر فى مدى تعارض هذا الاستفتاء مع نصوص الدستور الأسبانى. وكان ماريانو راخوى رئيس وزراء أسبانيا، قد عقد فى وقت سابق أمس، اجتماعا طارئا للحكومة صرح بعده للصحفيين بأن الاستفتاء المطروح يتعارض مع نصوص الدستور الأسبانى وأنه لن يسمح لأحد - أيا كان - بأن يقسم أسبانيا أو يمزق وحدتها. تجدر الإشارة إلى أن إقليم كتالونيا الواقع شمال شرق أسبانيا يعتبر واحدا من أغنى وأكبر المناطق الصناعية فى أسبانيا، حيث يبلغ عدد سكانه نحو 7.5 مليون نسمة يشكلون قرابة 16% من إجمالى عدد السكان. وكانت حكومة أسبانيا قد أحالت فى وقت سابق المرسوم الصادر عن ارثر ماس رئيس إقليم كتالونيا بإجراء الاستفتاء إلى المحكمة الدستورية للفصل فى مدى دستوريته. وتسبب قرار المحكمة الدستورية الأسبانية بالمنع المؤقت لإجراء الاستفتاء على الاستقلال في إقليم كتالونيا في نشوب احتجاجات حادة في المنطقة. ووفقا لما جاء على وكالة الأنباء الألمانية فقد دعت المجموعات الانفصالية اليوم الثلاثاء لمسيرات في أرجاء منطقة كاتالونيا الواقعة شمال شرق أسبانيا. واتهم سياسيو كتالونيا قضاة المحكمة الأسبانية في مدريد بأنهم اتخذوا القرار بشكل سريع. ومن جانبه قال رئيس حكومة إقليم كاتالونيا ارتور ماس أن القضاة اتخذوا القرار بشكل سريع للغاية. وأشارت صحيفة "ايه بي سي" الأسبانية إلى أنه من الممكن معاقبة رئيس حكومة إقليم كاتالونيا، حال مواصلته للاستعدادات لإجراء الاستفتاء.