من بين 40 دقيقة، هي زمن كلمته أمام الأممالمتحدة، قضى الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي دقيقتين في مقدمة غلب عليها الطابع الديني، متفقة مع خلفيته كقيادي في جماعة الإخوان المسلمين قبل انتخابه رئيسا، بينما خلت مقدمة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في كلمته، التي استمرت 17 دقيقة، من التعبيرات الدينية، وجاءت مباشرة؛ حيث وجه فيها التحية للمصريين الذين وقفوا لتأييده أمام مقر الأممالمتحدة، وللمصريين الذين "ثاروا مرتين" في 25 يناير 2011 و 30 يونيو 2013 . ربما تكون هذه هي الملاحظة الأولى التي يكتشفها من يقارن بين خطابي السيسي، أمس، ومرسي في سبتمبر عام 2012 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن على قدر وجود الكثير من عناصر الاختلاف بين الكلمتين، كانت هناك ثلاثة عناصر مشتركة بينهما وهي الحديث عن "التطرف والإرهاب" و"مصر الجديدة" و"الشرعية". السيسي انطلق في حديثه عن الإرهاب من "النتائج"؛ فاستعرض خلال الخطاب وفي أكثر من موضع المشهد الحالي، بينما اهتم مرسي في خطابه ب "الأسباب"، وحمل المجتمع الدولي مسؤولية عدم تطبيق العدالة، بما سمح بخلق المناخ الذي يؤدي لانتشار الفكر المتطرف، وفق مقارنة عقدها مراسل وكالة الأناضول بين نصي الخطابين. وقال السيسي: "ولعل ما تشهده المنطقة حالياً، من تصاعد التطرف والعنف باسم الدين، يمثل دليلاً على الأهداف الحقيقية لتلك الجماعات التي تستغل الدين، وهو ما سبق لنا أن حذرنا منه مراراً وتكراراً. إن قيم العدل والمحبة والرحمة التي جاءت في اليهودية والمسيحية والإسلام قد تحولت على يد تلك الجماعات إلى طائفية مقيتة وحروب أهلية وإقليمية مدمرة يقع ضحيتها أبرياء من أديان مختلفة". وقال في موضع آخر: "عازمون على المضي دون تراجع أمام إرهاب يظن أن بمقدوره اختطاف الوطن وإخضاعه. ذلك الإرهاب الذي عانت مصر من ويلاته منذ عشرينيات القرن الماضي، حين بدأت إرهاصات هذا الفكر البغيض تبث سمومها، مستترة برداء الدين للوصول إلى الحكم وتأسيس دولة الخلافة، اِعتماداً على العنف المسلح والإرهاب كسبيل لتحقيق أغراضها". وتابع وفق نص الخطاب الذي حصلت "الأناضول" على نسخة منه: "وهنا أريد أن أؤكد، أنه لا ينبغي السماح لهؤلاء بالإساءة للدين الإسلامي الحنيف، ولمليار ونصف المليار مسلم ، الذين يتمسكون بقيمه السامية؛ فالدين أسمى وأقدس من أن يوضع موضع الاختبار في أية تجارب إنسانية، ليتم الحكم عليه بالنجاح أو الفشل. إن الإرهاب وباءٌ لا يفرق في تفشيه بين مجتمع نام وآخر متقدم.. فالإرهابيون ينتمون إلى مجتمعات متباينة، لا تربطهم أية عقيدة دينية حقيقية، مما يحتم علينا جميعاً، تكثيف التعاون والتنسيق لتجفيف منابع الدعم الذي يتيح للتنظيمات الإرهابية مواصلة جرائمها". وبينما حمل السيسي "الإرهابيين" أنفسهم مسؤولية الظاهرة، ألقى مرسي الكرة في ملعب المجتمع الدولي الذي يوفر البيئة الخصبة للإرهاب من خلال انتهاجه "ازدواجية المعايير"، وقال إن "النظام الدولي لن يستقيم طالما بقيت ازدواجية في المعايير، ونتوقع من الآخرين.. مثلما يتوقعون منا .. احترام خصوصياتنا الثقافية، ومرجعيتنا الدينية، وعدم السعي إلى فرض مفاهيم لا نتفق معها، أو تسييس قضايا بعينها وتوظيفها للتدخل في شؤون الغير". وأضاف: "ما يتعرض له المسلمون والمهاجرون في عدد من مناطق العالم من تمييز وانتهاك لحقوقهم الأساسية وحملات ضاربة للنيل من مقدساتهم أمر غير مقبول.. إنه يتعارض مع أبسط مبادئ ميثاق المنظمة التي نجتمع في ظلها اليوم حتى أضحى الآن ظاهرة لها اسم كراهية الإسلام "الإسلاموفوبيا". وتابع: "علينا جميعا أن نتكاتف في التصدي لتلك الأفكار الرجعية، التي تقف حائلا أمام تشييد أواصر التعاون بيننا.. إن علينا التحرك سويا في مواجهة التطرف والتمييز.. في مواجهة الحض على كراهية الغير على أساس الدين أو العرق.. إن على الجمعية العامة وكذلك على مجلس الأمن مسؤولية رئيسية في التصدي لهذه الظاهرة التي أصبحت لها تداعيات تؤثر بوضوح على السلم والأمن الدوليين". أما مرسي، فأشار حينها، إلى الأعمال المسيئة للنبي محمد، خاتم المرسلين، وقال: "يجب علينا، ونحن مجتمعون في هذا المحفل الدولي أن نتدارس كيف نستطيع جميعا أن نحمى العالم من زعزعة أمنه واستقراره بهذه السلوكيات"، لافتا إلى أن "مصر تحترم حرية التعبير، التي لا تستغل في التحريض على الكراهية ضد أحد، وليس حرية التعبير التي تسعى إلى استهداف دين أو ثقافة بعينه .. حرية التعبير التي تتصدى للتطرف والعنف وليس حرية التعبير التي ترسخ الجهل والاستخفاف بالغير". وكما كانت كلمة "التطرف" عاملا مشتركا بين الرئيسين، حرص كلاهما – أيضا – على تأكيد شرعيتهما، فقال مرسي إن "حضوري اليوم يحمل معاني عديدة تتجلى في أنني أول رئيس مصري مدني منتخب بإرادة شعبية حرة في أعقاب ثورة سلمية عظيمة، شهد لها العالم كله، هذه الثورة التي أسست شرعية حقيقية بإرادة الشعب المصري بكل أبنائه وفئاته داخل وخارج مصر وكان لهذا الشعب بفضل الله ما أراد ". أما السيسي فقال إنه جاء إلى سدة الحكم بعد أن "قال الشعب كلمته وعبر عن إراداته الحرة في الانتخابات الرئاسية". ولم يغب عن الخطابان الحديث عن "مصر الجديدة"، واتفق الرئيسان إلى حد كبير في كثير من النقاط حول طبيعة هذا المفهوم، لكن السيسي أضاف إليه "المواجهة الحاسمة لقوى التطرف والإرهاب". وفي هذا الصدد، قال مرسي في خطابه آنذاك: "لقد حققنا في مصر خطوات فعالة في مسيرة النهضة لإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة تستوعب العصر وتقوم علي سيادة القانون والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان دون تفريط في قيمنا الراسخة". ومضى قائلا إن "رؤية مصر الجديدة التي نسعى إلى تحقيقها بإذن الله لوطننا مصر، هي في ذات الوقت إطار العمل الذي نقدمه للعالم ونسعى للتعاون من خلاله مع المجتمع الدولي في سياق من الندية والاحترام المتبادل، والذي يشمل عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتطبيق المبادئ والمواثيق والمعاهدات الدولية التي نؤكد التزامنا بها، وفي مقدمتها ميثاق الأممالمتحدة". أما السيسي فجاء حديثة عن طبيعة "مصر الجديدة" في إطار ثلاثة محاور: "الأول تطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون بناءً على عقد اجتماعي وتوافق وطني، مع توفير كافة الحقوق، لاسيما الحق فى التنمية الشاملة، بما يُحصِن المجتمعات ضد الاستغلال والانسياق خلف الفكر المتطرف". والمحور الثاني هو "المواجهة الحاسمة لقوى التطرف والإرهاب ، ولمحاولات فرض الرأي بالترويع والعنف، وإقصاء الآخر بالاستبعاد والتكفير". أمام المحور الثالث، فأوضح فيه أن "رؤية مصر للعلاقات الخارجية تقوم على احترام مبادئ ومواثيق الاتفاقيات الدولية، القائمة على الاحترام المتبادل، ومراعاة المنفعة المتبادلة".