موجة القاعدة تبلغ نهايتها بقلم دكتور كمال حبيب دكتور كمال حبيب تنظيم القاعدة هو ذلك التنظيم الذي نفذ أكبر عملية ضد الولاياتالمتحدة داخل أراضيها ، يتحدث بعض من عاصروا تنفيذ تلك العملية من أعضاء التنظيم أن اليمين المحافظ في أمريكا وأجهزة مخابراته ربما يكون علي علم بتلك العملية ، ومن ثم استغلالها في التسويغ لمخطط المحافظين الجدد في أمريكا والذي يقوم علي إعادة بناء ثورية للعالم بداية من العالم العربي والإسلامي . عبرت القاعدة عن آمال الشباب العربي في مقاومة أمريكا بعد أحداث عام 2001 وما قبلها ، فبعد نهاية الاتحاد السوفيتي بدأ تيار المحافظين الجدد يطرح فكرة " صدام الحضارات " وبدأ يطبق منظومة التعامل مع الاتحاد السوفيتي كما هي مع العالم الإسلامي دون إدراك للفروق الحضارية بين العالمين ، وبدأت مقولات العدو الأخضر والعدو البديل وقوس الأزمات وكلها تعبر عن العالم الإسلامي . وجاء غزو أفغانستان وإسقاط طالبان ثم غزو العراق وسقوط بغداد عاصمة العباسيين في يد الأمريكان لتعمق الشعور لدي الشباب العربي بأن القاعدة هي المظلة التي يمكن تحتها أن يقاوموا الهجمة الصليبية الجديدة علي العالم الإسلامي . بيد إن عدم تركيز القاعدة في المواجهة مع العدو البعيد وامتداد أعمالها القتالية داخل البلدان العالم العربي من ناحية ، وسقوطها في الانغلاق العقدي وإراقة الدماء علي نطاق واسع تجاه المخالفين معها حتي لو كان خلافا في الوسائل بالإضافة إلي تسرعها في إعلان دولة لها في العراق دون امتلاك أسباب التمكين جعلها تفقد شرعيتها بين التيارات السلفية والجهادية التي كانت تدعمها . وهنا تجب الإشارة إلي أن الجيل الأول من القاعدة وعلي رأسهم الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري فقدوا التواصل مع الأجيال الجديدة التي دخلت القاعدة وصرنا بإزاء أخوات للقاعدة وتنظيمات تتبني مظلتها ولكنها أكثر تعمقا في الغلو العقدي والضيق الفكري بالمخالفين ، ولم يكن ذلك نهج الجيل الأول ، ومن هنا بدأت شعبية القاعدة في التراجع . استراتيجية القاعدة أنها كانت حليفا للتنظيمات المحلية التي تقاتل الأمريكان فهي في العراق كانت حليفا قويا لدولة العراق الإسلامية ، كما أنها كانت حليفا عتيدا لطالبان في قتالها ضد الأمريكان بأفغانستان ، ولكنها ظلت محتفظة باستقلالها . وكانت المواجهة الطويلة مع الأمريكان علي الأقل منذ نهاية التسعينيات قد أدت إلي سقوط الرديف المصري القوي لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ، ومع تآكل البطانة المصرية للقاعدة المخلصة لبن لادن فإن الحضور الإعلامي له قد خف ، كما أن الحضور العملياتي للتنظيم قد تراجع . موجة الانتشار الاستراتيجي لفكر القاعدة قد بلغت أقصي مداها مع العام 2001 وبدأت تلك الموجة في التراجع شيئا فشيئا حتي ضعفت ، وكما نقول في العلوم الاجتماعية والاستراتيجية فإن كل الأفكار لها حد لمدها الاستراتيجي ولها مدي زمني لصعودها وازدهارها ثم خفوتها ، وما تحمله القاعدة من أفكار كانت تقول إن القوة هي السبيل الوحيد لمواجهة الغرب وأن تلك القوة هي ذاتها الوسيلة الوحيدة لمقاومة الاستبداد في العالم العربي ، ربما تكون القوة مهمة في إنجاز انتصارات تكتيكية كبري ، لكنها في ظل غياب الدولة التي توجهها وتحافظ عليها تبدو تلك الانتصارات التكتيكية عبئا علي التنظيمات التي أنجزتها . هنا نجد أحد مصادر التناقض الداخلي في فكرة استخدام القوة وحدها كأداة للصراع السياسي والاجتماعي ، كما أن استخدام العمل السري يحمل في داخله هو الأخري بعض التناقضات ، ومن هنا فإن القاعدة لم تحاول أن تطور أدوات أخري يمكن أن تستخدمها في صراعها السياسي مع الغرب بالإضافة إلي القوة والسرية . لم يكن ممكنا للتنظيم أن يتراجع عن خطته الأثيرة وهنا بقيت القاعدة متحالفة مع طالبان ، بيد إن قاعدتها تآكلت يوما بعد يوم في ظل المواجهة العاتية مع أمريكا ، ويبدو لنا أن موجة القاعدة بلغت نهايتها ، ولم يكن ممكنا لأمريكا أن تقتل بن لادن بالطريقة التي تمت لو كان للقاعدة قوتها وسحرها ونظامها الأمني القديم . التنظيمات كما الدول كموج البحر تبدأ وتأخذ مدها الاستراتيجي ثم تنتهي وتذوي ، وهكذا يبدو لنا أن موت الشيخ أسامة بن لادن عنوان الجهاد المعاصر هي إيذان ببلوغ موجة القاعدة نهايتها .