ربما ما ننقله من شهاده اليوم ليس لاحد من قواعد الإخوان المسلمين وليس أيضا من أنصار الرئيس عبد الفتاح السيسي و لكنها شهادة مصرية من قلب الحدث والميدان في هذه الذكرى المؤلمة التى فقدنا فيها العديد من المصريين على اختلاف ميولهم السياسية والحزبية والدينية . و هناك سؤال يتبادر الىالذهن أكان الاستخدام المفرط للقوة – بحسب رواية شهود العيان- ضرورة حتمية للفضّ أم كانت هناك بدائل و لم يتم استخدامها؟! لم يكن يعلم أحد فى البداية غير إنها مجرد هتافات الأمن سيتعامل معها بحرفية ووفقاً للقواعد المنظمة للاشتباك المعروفة في مثل هذه الحالات، لم يطن يتوقع البعض أبداً أن الفض سيحدث بهذا الشكل الدموي المؤلم المؤدى الى سقوط أعداد كبيرة من المتظاهرين –على اختلاف التقديرات- و بعض رجال الشرطة التي أُعلن عن سقوطهم أيضا . رواية شاهد عيان من خلف المسجد و لهذا قمنا بالحديث مع أحد شهود العيان الذين يسكنون بالقرب من الميدان وعلي مقربة من المسجد والذين عاصروا عملية فض الاعتصام و هو - المحامى يوسف ح – حيث رأى هو و أسرته كل ما يحدث فى الميدان من خلف زجاج منزله قائلاَ فى البداية : قبل الفض لم أشهد او أتضرر من أىشيء يحدث حولى حتى الخروج من المنزل كان أمراً سهلاً و كان التعامل مع المتظاهرين عادياً تماماً فقد كانوا يشرحون للسكان و المتواجدين هناك الهدف من تواجدهم و أن لهم هدف و فكرة و عقيدة مؤمنون بها . و بالرغم من اختلاف ردود الأفعال من قِبل السكان فمنهم من اقتنع بوجهة نظر المعتصمين ورحب بهم وتحمل ما تسبب فيه الاعتصام من مضايقات ناتجة عن تجمع ذلك العدد الكبير من البشر في مساحة محدودة وخلال شهر رمضان، وعلى الجانب الآخر كان هناك من ضاق بهم منذ البداية وأراد مغادرتهم للميدان بشدة لمخالفته وغضبه لما يرددونه من شعارات ومخالفتهم لرأيه السياسي أو انتمائه الفكري، لكن على الرغم من ذلك لم تؤثر كل ردود الافتعال في المعتصمين فقد ظلوا صامدين ثابتين على موقفهم حتى النهاية مواصلين الليل بالنهار في شهر رمضان الذي رأينا منهم فيه كل تعاون وتكافل، بل كان أبنائي يتجولون في الميدان قبل الإفطار ويخبروني عن كيفية التكافل بينهم . كان هناك مجموعة من المعتصمين الذين تبدو عليهم رقة الحال وقلة الإمكانيات يتقاسمون أرغفةً محدودة أو لقيمات بسيطة، لقد كنا نظنهم في البداية يدّعون أو يتظاهرون بالمظاهر الجميلة من باب لفت الأنظار أو محاولة كسب التعاطف، لكن الاستمرارية والتفنن في خدمة الآخرين والصبر على صعوبة التواجد في هذه الظروف كانت جميعاً أشياء تلفت أنظارنا إلى شيء نفتقده في حياتنا اليومية التي جففتها الظروف المعيشية وارتفاع الأسعار وخلافة. كما لاحظنا بعد ذلك ازدياد كبير فى الحشود اليومية المقبلة على الميدان، جاءتنا تحذيرات من أقاربنا في مناطق مختلفة من القاهرة من توجه حشود إلى مكان الاعتصام طالبين منا أن نترك منازلنا لخطورة ما قد يحدث وذلك فى يوم الاثنين السابق على يوم الفضّ إلا أننا لم نأخذ الأمر على محمل الجدّ، بل ولاحظنا تزايد الأعداد على الرغم من إشاعة الفضّ الكثيرة التي كانت تأتينا . يوم الفض وجاء يوم الثلاثاء، حتى فجر الأربعاء لاحظنا حركة غريبة في الميدان وكذلك بدأت قوات مشتركة من الأمن والجيش تحاصر مداخل الميدان من كل مكان ثم قبيل الساعة السادسة صباحاً أفزعتنا أصوات طلقات الرصاص و المدافع و قنابل الغاز المختلفة التي لم يفلح معها إغلاق النوافذ ولا أي وسائل أخرى حاولنا استخدامها لمنع الغازات من الدخول إلى بيوتنا، لم نتمكن من الخروج من المنطقة، فعندها لم أستطع منع نفسي من المراقبة عبر النوافذ فأفزعني مشاهد سقوط الكثير من المعتصمين من فئات عمرية مختلفة في مجال الرؤية المتاح لي حيث أسكن خلف مسجد ومستشفى رابعة العدوية حيث انهالت الطلقات المختلفة من كل الجهات . حيث تم اطلاق النار عشوائيا و بعدها فوجئنا بوجود مروحية تحلق فوق الميدان و اعتقدنا أنها تصور الحدث حتى تنقله للناس نقلاً حياً و لكن سرعان ما انضمت لها طائرة أخرى وكان على متنهما أفراد يطلقون الرصاص عشوائياً على المتظاهرين. لقد شاهدت من طرف بعيد أنه لا يوجد بحوزتهم أي أنواع من الأسلحة عدا بعض الأفراد المنتشرين على نقاط التأمين المحيطة بالاعتصام المسلحين بالعصي أو الحجارة على اقصى تقدير. مكبرات الصوت تطالب إفراغ الميدان ثم بدأنا نسمع مكبرات صوتية تطلب من المتظاهرين الخروج من الميدان فوراُ و تعطيهم إنذارات لطيفة ويبدو عليها المودة التي لا تتناسب أبدأً مع ما كنا نراه من دموية من اللحظات الأولى للفضّ، والغريب أنها كانت تعدهم بالخروج آمنين إن هم خرجوا من نقاط محددة للخروج والتي توجه إليها البعض الذين سارعوا بالعودة نظراً لتعرضهم لإطلاق الرصاص لدى محاولتهم الخروج وسقوط الكثير منهم و لعدم وجود أى مكان آمن يلجئوا إليه قرر البعض الهرب من مناطق مختلفة. الدخان يصيب بالعمي المؤقت لقد أصابت القنابل الدخانية الغريبة البعض منهم بما يشبه العمى المؤقت فكانوا يعتمدون على من يقودهم ومنهم من كان يصاب بحالات من الارتجاف فضلاً عن السعال الشديد الذي لم نسلم منه ونحن محتمين في منازلنا، إلا أن هؤلاء الذين حاولوا الخروج من خلف مستشفى رابعة المقابلة لمنزلنا من الناحية الخلفية كانوا يعوجون مسرعين إلى داخل الاعتصام خوفاً من رصاص قوات الأمن أو الخرطوش والمولوتوف الذي كانت تلقيه عليهم مجموعات من البلطجية الذين تبدو عليهم علامات وملامح الخارجين على القانون . لقد أنتشر هؤلاء في بعض الشوارع الخلفية المحيطة بالمسجد والمستشفى الذي بدأن ألسنة اللهب في التصاعد منه ثم بدأنا نسمع انفجار زجاج النوافذ لمستشفى رابعة العدوية التي كانت تحترق وكنا نسمع صرخات المعتصمين مناشدين عدم إحراق المستشفى بما فيه من جثث للقتلى و الأعداد الكبيرة من المصابين التي اكتظت بهم الشوارع . قد أدى هذا لتعاطف كثير من السكان معهم كما كانت هناك كذلك تعليقات شامتة لاعنه لهم من بعض السكان الذين ربما تأثروا بما كانت تذيعه وسائل الإعلام المختلفة وصفاُ للحدث بما لا يتفق مع ما رأيناه بأعيننا وعايشناه في يوم من أسود الأيام التي مرت على مصر وأكثرها دموية، حيث كانت تلك النوافذ الإعلامية تصف مشهداً يقع في مكانْ آخر بالعالم غير ما كان يقع في منطقتنا" . أضاف المحامي في حتام حديثه بألم شديد "لم يكن يتوقع أحد أبداً أن ساحة من ساحات الرأي تتحول إلى ساحة معركة يسقط فيها هذا الكم الهائل من الضحايا، ولم نكن نتخيل أبدأ أن يوجد من يشمت في الدماء ويفرح لسقوطها. اقرأ فى الملف " ذكرى فض رابعة .. من سيدفع الثمن ؟" * ما الذي جنته جماعة الإخوان من الاعتصام ؟ * مفاوضات ما قبل فض الاعتصام تكشف صدمة الإخوان وانفصامهم عن الواقع * عام على فض اعتصامي رابعة والنهضة .. والموقف الدولي لم يتغير * شهود عيان يكشفون ل«محيط» عن أسرار جديدة لفض الاعتصام * سياسيون : فض الاعتصام حقق هدفه.. وآخرون: قضا على المعارضة * خبراء : فض رابعة لم يحقق أهدافه والذكرى تزيد المشهد تعقيدا * تقارير "تقصي الحقائق" وثيقة إدانة للنظام أم شهادة حق لصالحه ** بداية الملف