يعني ببساطة: أن الزوج يقدم على إجبار زوجته بالعنف.. والتهديد والإكراه على معاشرته دون إرادتها ورضاها.
الإسلام يعتبر العلاقة الجنسية للرجل مع زوجته من باب العبادة.. ولكننا نجد بعض الفقهاء والمتشددين من أصحاب النظرة الذكورية.. يصفون العلاقة الجنسية بصورة خاطئة باعتبارها عقد استمتاع من الرجل للمرأة..
وحللوا وفق ذلك أن يستمتع بها دون نظر لاحتياجاتها.. تحت شعار (دا حلالي.. أعمل فيه اللي بدالي).. مفسرين النصوص الشرعية من آية أو حديث فيه تشديد وتوصية بطاعة الزوجة لزوجها على أنها انتقاص لإنسانية المرأة وكرامتها.. ومدخلاً لإظهار سلطوية الرجل.
أشهروا قوله تعالي: «نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم» ليتمشى مع أهواءهم.. ونسوا وتناسوا باقي الآية الكريمة «وقدموا لأنفسكم واتقوا الله وأعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين» [البقرة 223].
أشهروا الآية التي اشتهرت خطأ بآية الضرب.. في قوله تعالى: «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرهن في المضاجع واضربوهن» [النساء 34].
وتناسوا أن الله لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحاً إلا هنا.. من أجل امتناعهن على أزواجهن في المباضعة أي المجامعة. [تفسير القرطبي3/324].
الضرب في حالة واحدة.. حالة النشوز.. ضرب تأديب لا ضرب تكسير وتقبيح.. شيء قليل من الإيذاء البدني.. بعد النصح والموعظة الحسنة ثم بالهجر.. وليس قبلهما.
أشهروا قوله (صلي الله عليه وسلم ):«إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور-أي منشغلة بالعمل وإعداد الطعام» [الترمذي] وتحذيره لها بقوله (صلي الله عليه وسلم ):«إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح» [متفق عليه].
جعلوا من ذلك سيفاً مسلطاً على رقبتها.. فأباحوا له الضرب المبرح بسبب وبدون.. أباحوا له معاملة زوجته بطريقة تهدر آدميتها وكرامتها.. وأباحوا له فوق ذلك أن يجامعها وقتما شاء.
إنه تفسير سلطوي لمعنى الطاعة.. إنه تشويه لمنجز الإسلام الحضاري بشأن المرأة.. إنه اغتصاب للزوجة.. إنه اغتصاب للحلال.. كيف يضرب الرجل زوجته.. وهو جزء منها وهي جزء منه.. كرامتها من كرامته.. لا تمتد يد أحدهما إلى الآخر.. إلا بما يجلب السعادة.. أو يمسح العناء؟!
ألم يسمعوا قول (شريح) يوم وفاة زوجته (زينب) وهو يقول:«وددت أني قاسمتها عمري أو مت أنا وهي في يوم واحد» ثم أنشد قوله:
رأيت رجالاً يضربون نساءهم فشلت يميني حين أضرب زينباً وزينب شمس والنساء كواكب إذا طلعت لم يتبق منها كوكباً
[أحكام القرآن لابن العربي2/416]
وأسال فقهاء قمع المرأة.. ماذا يفعل الرجل لو تغير الأمر.. تضربه زوجته وتهينه.. ثم تطلب منه أن يجامعها.. فهل يرضى؟
أرى الدهشة في العيون تتساءل: وهل حقاً يجوز للمرأة أن تضرب زوجها؟
الإجابة: نعم.
فقد حكم الرسول (صلي الله عليه وسلم ) لبعض النسوة من الأنصار بالاقتصاص من الزوج المعتدي. [أحكام القرآن لابن العربي1/415].
ولن نذهب بعيداً.. فكل يوم نسمع أو نقرأ عن ضرب إحدى الزوجات لزوجها بعد أن أصابه المرض ولم يعد يقوى على ضربها كما كان في السابق.
كما يقول المثل الدارج [انكس الفرخة تصبح ديكاً].
إن عدم مراعاة كلا الزوجين – وخاصة الزوج - لحالة الآخر النفسية والمزاجية هو ما يسمى (باغتصاب الحلال). وقد نقلت إلينا السيرة النبوية صورة واضحة عن ذمِّه (صلي الله عليه وسلم ) لاغتصاب الرجل لزوجته.. فقال (صلي الله عليه وسلم ):«يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبد ثم يظل يعانقها ولا يستحي» [طبقات ابن سعد8/205].
ويصل الاستغراب والاستقباح من هذا السلوك ذروته في قوله (صلي الله عليه وسلم):«لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم» [البخاري].
فالضرب والمجامعة نوع من انفصام الشخصية.. فقد استبعد (ص) وقوعهما من العاقل.. فالمجامعة إنما تستحسن مع ميل النفس والرغبة في العشرة، والمجلود غالباً ينفر ممن يجلده. [فتح الباري9/382].
لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد.. فليس في الإسلام أصلاً جلد للعبد حتى نجيز للرجل ضرب امرأته.. التي هي نفسه.. وكرامتها من كرامته..
أنظر كيف عبر النبي (صلي الله عيله وسلم ) بلفظ امرأة تكريماً للزوج إنها إنسانة مثله.. ثم نسبها إليه (بالهاء).. ليجعل كل ما ينسب لها من إهانة تنسب له.. فهل تظن أن تلك الوسيلة التي لا تستخدم سوى مع الحيوانات هي التي ستردعها.. وتجعلها تعود إليك ذليلة منكسرة؟..
أم أنه دعتك قدرتك على ظلم الناس، ونسيت قدرة الله عليك؟.. نسيت قول أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها:«ما ضرب رسول الله شيئاً قط، ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله» [مسلم].
فهل يعقل أن تكون زوجتك أقل منزلة من الجارية والخادم؟
فما سر قوله (صلي الله عليه وسلم ):«ثم يجامعها في آخر اليوم»؟.. معناه –والله أعلم- ذم الجماع مع الضرب.. حتى لا تصبح العلاقة بينهما علاقة القط والفأر.. فيتوهم الرجل أنه لا جنس إلا بعد الضرب والشجار..
إنها تربية خاطئة يتلقاها الرجل في مجتمعنا.. تربية تجعله يتذكر وهو في أحضان زوجته.. يتذكر أمه عندما كانت تضربه ثم تتأثر بآلامه.. فتحتضنه فيذوب بين أحضانها.
إن المثل الأعلى للتعامل مع المرأة –النبي (ص)- قد نبهنا لوسيلة لتحويل العنف لقوة مداعبة.. وجعله حالة من خفة الدم.. فقال (ص):«هلا بكر وفي رواية جارية – تداعبها وتداعبك» [متفق عليه].
يا ترى هل فهم معنى الحديث الآن؟.. معناه ألا يغتصب الرجل زوجته.. فترفع أمرها إلى القضاء.. فيحق لها الطلاق. وطبعاً لن تجدي هذه القراءة لآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي (صلي الله عليه وسلم ) مع فقهاء قمع المرأة.. الذين ملأوا الفضائيات والذين كرسوا داخل الرجل أن زوجته ملك يمينه..
يفعل بها ما يحلو له.. أما هي فلا اعتبار عندهم لنفسيتها.. وكرامتها.. ومزاجها.. الذي نبهنا إليه (ص) بقوله:«لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول. قيل وما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام» إنه احترام الإسلام للمرأة.. جسد وروح.
ترى: هل فهم الرجال حديثنا اليوم؟.. أم أنهم مازالوا كما قال الشاعر:
في حارتنا ديك سادي سفاح ينتف ريش دجاج الحارة كل صباح ينقرهن.. يطاردهن.. يضاجعهن.. ويهجرهن ولا يتذكر أسماء الصيصان.