"الانترنت مثل الماء"، هكذا يقول اللاجىء السوري معاذ الزايد الذي هرب مع والديه وزوجته من الحرب في بلاده، وسكن إحدى الخيم في منطقة المرج في سهل البقاع شرق لبنان. هكذا يكسر مشهد الصحون اللاقطة واجهزة توزيع الانترنت اللاسلكية المعلقة على خيم اللاجئين وتطل من بين حبال الغسيل ومن فوق اسطح الحمامات المقامة في العراء، المشهدية النمطية التي حفظها اللبنانيون عن خيم اللجوء الفلسطينية الاولى العام 1948. وهكذا غزا عصر الاتصالات والفضائيات والانترنت مخيمات اللجوء حتى صارت الصحون اللاقطة وكابلات الانترنت او حتى علب توزيع الانترنت لاسلكيا وكذلك الهواتف المحمولة الذكية، جزءا من العاديات والحاجيات اليومية للاجئ السوري في لبنان. طرق ضيقة معبدة لكن مهملة داخل سهل البقاع في منطقة المرج، توصلك الى تجمعات اللاجئين السوريين المنتشرة على أطرافها التي تحولت الى مخيمات لجوء عشوائية تغيب الدولة اللبنانية عن إدارتها بشكل شبه نهائي، فيما ترعاها بعض المنظمات الإنسانية والدولية التي يقصدها موظفوها من وقت لآخر كحال "مخيم الجراحية". الزايد، لاجىء تجاوز العقد الثالث من العمر وهو من الجولان المحتل، شدد وهو العاطل عن العمل على ان "الانترنت امر ضروري في الحياة مثله مثل الماء"، مشيرا الى أنه قصد منطقة بر الياس المجاورة لشراء "خطا هاتفيا ب25 الف ليرة لبنانية (17 دولارا) وفيه انترنت سعة 1500 ميغابيت". مع ذلك، يشكو من ان هذه السعة لا تكفيه لأكثر من شهر واحد، موضحا انه بسبب الحرب تشتت عائلته بين الاردن او تركيا وبالتالي "اتواصل معهم عن طريق الفايسبوك والواتس آب". واضاف "ان هذا ما يجعل الانترنت بالنسبة لنا كلاجئين ضروريا جدا، لانه يعني التواصل مع الاحبة والاقارب بعدمنا فرّقتهم الحرب". ولفت الى "عدم وجود شبكة لاسلكية للإنترنت (واي فاي) في المخيم" لارتفاع كلفتها ذلك أن "الموزع طلب مني 250 دولارا لتمديد شبكة لاسلكية جديدة بينما دخل الشخص هنا نحو 100 دولار شهريا"، ما يجعل معظم سكان المخيم غير قادرين على الحصول على خدمة الانترنت. تواصل الزايد مع العالم الخارجي لا يقتصر على الانترنت، بل هو نصب صحنا لاقطا لمشاهدة القنوات الفضائية بعدما "ملّ من مشاهدة الأخبار وكل الأحداث الجارية"، مضيفا انه خلال رمضان "قضينا وقتنا نتابع المسلسلات لا الاخبار". لا يعيش كل سكان المخيم هذا الترف، فلدى الإنتقال الى خيمة أخرى في ساعات الظهيرة القاسية يجلس عدد من الأطفال أمام شاشة التلفاز منشدّين لبرامج الأطفال التي يقضون وقتهم في متابعتها بعدما أقفلت المدرسة التي أنشأت بجوار المخيم خلال عطلة العيد. واشارت والدتهم الى أنهم يملكون تلفازا وصحنا لاقطا، موضحة انه على الرغم من انها تملك "هاتفا محمولا لكن لم اشترك بخدمة الانترنت". ويبدو ان هذه حال غالبية لاجئي "مخيم الجراحية"، حيث قال أبو نوح (35 سنة)، وهو لاجىء من حمص، انه لم يشترك بخدمة الإنترنت "لأن الوضع المعيشي بالأساس سيء جدا"، معتبرا ان "المخيم (الجراحية) منسي، فيما باقي المخيمات يوجد فيها إنترنت وكمبيوترات وكل شيء يصلها". لكن على الرغم من ان عشرات الأمتار فقط تفصل "الجراحية" عن "مخيم رجب"، الا أن سلم الأولويات لدى سكان المخيمين يختلف. ففي وسط "مخيم رجب" نصب عامود لبث الانترنت لاسلكيا وتوزيعها على عدد من خيم العائلات التي تقاسمت كلفة الاشتراك المرتفعة، ومنها عائلة خالد الغاطي (32 سنة) من حمص. واوضح الغاطي أنه اشترك بالإنترنت منذ فترة 3 أشهر ووضع جهاز استقبال (راوتر) متقاسما التكلفة مع 7 الى 8 عائلات اخرى، مشيرا الى أن "كلفة الإنترنت في الشهر الواحد للعائلة الواحدة تصل الى 10 آلاف ليرة لبنانية (7 دولارات)". واضاف ان "صاحب محل الإنترنت يأخذ منا 10 آلاف عن العائلة الواحدة حيث ان الكلفة الكلية أربعين دولارا." لا يملك الغاطي جهاز كمبيوتر محمول، لذلك فهو يستخدم الإنترنت عبر الهاتف المحمول ل "التواصل مع الأقارب والأهل من خلال الواتس آب والفايبر وسكايب". ولفت الى انه صار يشتري باقات اكبر من خدمات الانترنت على الهاتف بدل الرصيد الذي يخوله الاتصال العادي، "ذلك ان هذه هي الطريقة الافضل والاقل تكلفة للتواصل مع الاهل". وشرح ان "قسما من أهلي موجودون في سوريا حتى الآن ويوجد قسم في لبنان ونضطر الى التواصل معهم عبر الإنترنت لأنها اقل كلفة من المكالمات المحلية"، لافتا الى ان الجمعيات أو المنظمات الإنسانية "لا تعرف أنه يوجد لدينا إنترنت وهي تقدم لنا فقط المساعدات الأساسية". واكد الغاطي ان "الإنترنت أكثر شيء أساسي لأنه صلة تواصل بالوقت الحالي يمكننا من رؤية صورة وسماع صوت شخص يبعد عنا كثيرا". لكن التلفزيون ايضا مهم لمتابعة "الأخبار في سوريا ومشاهدة المحطات الإخبارية ومحطات الأطفال للأولاد"، كما قال الغاطي الذي امن "هذا الترف" بشراءه صحنا لاقطا. وأوضح حميد الفيل (25 عاما)، وهو أحد موزعي خدمة الانترنت في المنطقة، الى أن "نسبة استهلاك اللاجئين السوريين للإنترنت تفوق كثيرا نسبة استهلاك اللبنانيين"، وشرح أنه "إذا كان اللبناني يستهلك 10 الى 20 (جيغابايت) في الشهر فالسوري يستهلك من 60 الى 70 (جيغابايت) كإشتراك في الشهر الواحد"، عازيا السبب الى أن أغلب السوريين عاطلون عن العمل. وشرح الفيل طريقة التوزيع التي تتم عن طريق شبكات الانترنت wireless حيث نضع ماكينات تستقبل إشارة من محطة الإنترنت وتؤمن الخدمة "للاجىء في الخيمة أو البيت أو في المنطقة الموجود هو فيها". واشار الى أن عدد المشتركين السوريين بات يساوي أعداد اللبنانيين، موضحا أن "معدل المشتركين في كل مخيم وصل الى ما بين 30 الى 50 خيمة". لكن الفيل، لفت الى أنه على الرغم من استفادة الموزعين من ارتفاع اعداد المشتركين السوريين لكن الاقبال الكثيف "أثّر على الإنترنت سلبيا"، مضيفا أنه "أصبح لدينا ضغط كبير على الشبكات حتى اننا بتنا غير قادرين على تأمين الانترنت لزبائين جدد من بينهم لاجئون سوريون".