تميزت الدراما العربية، التي تحولت الى صناعة رمضانية بامتياز تحرك دورتها الانتاجية ملايين الدولارات لتبلغ في مصر وحدها نحو 140 مليون دولار، هذا العام بتجربة "المسلسلات المختلطة المصرية – السورية – اللبنانية" تحديدا، حيث زاد الطلب على الممثلين اللبنانيين بشكل خاص، بحسب احد المنتجين الكبار في عالم الدراما المصرية. وترك "الربيع العربي" بصمته الواضحة على انتاج الدراما الرمضاني لهذا العام، فمعايير الاقبال على متابعة عمل درامي سوري من قبل المشاهدين وحتى شرائه من قبل التلفزيونات ارتبطت بمواقف الممثلين والمنتجين من الثورة والنظام في سوريا على سبيل المثال. واكد المستشار الفني لتلفزيون "المستقبل" عبد المولى خالد في حديث ل "الاناضول" ان شهر رمضان هو "موسم لصناعة الدراما السورية والخليجية والمصرية"، مشيرا الى انه "الملاحظ في هذه المرحلة واللافت للنظر العدد الكبير للمسلسلات المختلطة لبناني – سوري – مصري، بينما كانت الطفرة بين 2010 و2013 للمسلسلات السورية التي تأثرت هذا العام بالحرب". وانتقد خالد في هذا السياق الجزء الحالي من مسلسل "باب الحارة" السوري الذي "كان يجب برأيي الا يستمر لاكثر من جزئين او ثلاثة" على الرغم من انه استقطب مجددا هذا العام نسبة مشاهدة كبيرة في لبنان، معتبرا ان "كل مسلسلات رمضان هذا العام هي نسخة عن مسلسلات عام 2010". وقال ان تكرار هذه الاعمال بطريقة او بأخرى تعود لانها لاقت استحسان الجمهور وقتها وبالتالي "الغلبة صارت للذوق التجاري فصار الفن تجارة ولم يعد صناعة ذات قيمة فنية او كما نقول الفن للفن". من ناحيته، أشاد المنتج المصري هشام شعبان في اتصال مع "الاناضول" ب "تجربة الانتاج المختلط" القائمة على تعاون بين ممثلين سوريين ولبنانيين ومصريين، ووصفها بأنها "رائعة وجيدة جدا". واستذكر شعبان في هذا الاطار بدايات الممثل السوري تيم الحسن والنجاح الذي حققه حينها مع مسلسلي "حرب الجواسيس" و"عابد كرمان"، معتبرا في الوقت نفسه انه "بعيدا عن اي مجاملة فإن اي نجاح يجب ان يأتي من مصر". واوضح ان تراجع الانتاج الدرامي السوري ليس السبب الوحيد لزيادة الاهتمام في مصر بالانتاج اللبناني بل "ان بعض الوجوه اللبنانية مطلوبة جدا في اي عمل مثل يوسف الخال وورد الخال ونادين الراسي وميريام فارس وغيرهم"، مضيفا انه حاول التعاون مع يوسف الخال لكن ما "منع ذلك حتى الان هو ارتباطات الخال في لبنان". لكن هل كان للثورات العربية اثر على نجاح بعض الاعمال وفشلها تبعا لموقع الجمهور من بعض الفنانين بسبب مواقفهم السياسية؟ نفى شعبان ذلك، مؤكدا ان "الثورات العربية ومواقف الفنانين منها غير مرتبطة ابدا بنجاح اي عمل درامي او فشله"، واعطى مثلا الممثلة غادة عبد الرزاق التي "وضع اسمها على اللائحة السوداء لاتهامها بأنها ضد الثورة المصرية ومع ذلك فان اعمالها كانت الانجح في سنوات 2011 و2012 و2013". كنه اقر في الوقت عينه ان الازمة السورية اثرت على الممثلين السوريين وعلى الانتاج الدرامي السوري ومستواه في الوقت نفسه، وهكذا "بدأنا نلتفت للسوق اللبناني حيث صار الانتاج اللبناني هذا العام يعادل السوري اهمية". وعلى العكس من عدم الربط بين مواقف الفنانين من الثورة المصرية والاقبال على اعمالهم في مصر كما ذكر شعبان، يبدو ان الربط بين موقف الفنان السياسي من الثورة واعماله اقوى في الحالة السورية،حيث اشار خالد الى ان "هناك بعض الممثلين المؤيدون للنظام انخفضت نسبة مشاهدة اعمالهم". واوضح انه حتى المسلسلات السورية "كان لها هذا العام نصيب وافر مع الرقيب العربي لاسباب سياسية حيث تم شراء بعض المسلسلات او حجبها تبعا لتصنيف كل دولة للممثلين السوريين والعمل ما اذا كان مواليا للنظام ام لا". واعتبر انه "بسبب الربيع العربي وهجرة الممثلين السوريين الى مصر انتعشت الدراما اللبنانية التي كانت الاهم في السبعينات (من القرن الماضي)"، لكنه اكد ان "الدراما اللبنانية لا يمكن ان تحقق النجاح بمفردها". واضاف خالد ان اجور الممثلين بشكل عام كانت "اعلى موسمي 2011 – 2012 منها الآن وذلك بسبب الدراما السورية وكذلك عرض المسلسلات التركية"، على الرغم من ان بعض الممثلين النجوم مثل عادل امام "ما زالت اجورهم تصل الى نحو مليون دولار ويسرا ارتفع اجرها من حوالى 300- 400 الف دولار اميركي الى نحو 800 الف دولار". من جهته، كشف شعبان، ان "حجم حركة الاموال التي تم توظيفها في انتاج الدراما والاجور (للفنانين والمخرجين وغيرهم) والسوق الاعلاني بلغ هذا العام نحو مليار جنيه مصري (نحو 140 مليون دولار اميركي) في مصر وحدها". وقال شعبان انه "جرى انتاج 35 مسلسلا في مصر هذا العام"، مشيرا الى ان بعض هذه المسلسلات "بلغت تكلفتها ما بين 50 الى 60 مليون جنيه مصري (6.9 – 8.3 مليون دولار اميركي) ". واوضح ان "المسلسلات الثلاثة الاضخم من حيث الانتاج لهذا العام هي "صاحب السعادة" لعادل امام و"جبل الحلال" (محمود عبد العزيز) و"كلام على ورق" لهيفاء وهبي"، لكنه شدد في الوقت نفسه على ان "نجاح اي عمل درامي لا يقاس بكلفة الانتاج وما يدفعه المنتج والماديات بل بالنص المكتوب". واضاف منتج مسلسل "شمس" من بطولة الفنانة ليلى علوي، ان "اهم نقطة بالنسبة لي كمنتج هي السيناريو، وذلك اهم من البطل والمخرج. المنتج يبحث عن السيناريو الجيد قبل اي شيء آخر"، لافتا في هذا الاطار الى ان هناك مسسلسلات كانت كلفتها "عادية جدا" هذا العام مثل "السبع وصايا" و"سجن النسا" و"دلع بنات" لكنها "لاقت نجاحا جماهيريا كبيرا وحققت نسب مشاهدة عالية". من ناحيته، اكد خالد ان "اكلاف الانتاج الدرامي باهظة" هذا العام، ولفت الى ان "سرايا عابدين" بلغت كلفته "نحو 4 مليون دولار اميركي بين اجور ممثلين واخراج واكسسوارات"، لكنه رأى ان مسلسل "حريم السلطان" يحتل المرتبة الاولى حاليا. وكشف ان كل حلقة في اي مسلسل "والحلقة تعني ساعة تلفزيونية اي 45 دقيقة، يتم بيعها للتلفزيون بكلفة 60 – 70 الف دولار اميركي على الرغم من ان هذه ليست التكلفة الفعلية في الغالب". وعزا في هذا الاطار، نجاح الدراما التركية "ليس لكونها بالضرورة تقدم انتاجا اعلى فنياً لكنها تقدم وجوها جديدة وجميلة بقالب رومانسي والجمهور العربي عاطفي وشديد التأثر". لكن كيف تستطيع التلفزيونات شراء هذا الانتاج قبل ضمان تحقيق الربح؟ اوضح خالد ان كل تلفزيون يقوم عرض المسلسل "بحملات اعلانية لتحقيق اكبر نسبة مشاهدة كما تؤمن الرعاية المالية قبل شراء الانتاج الدرامي"، مشيرا الى ان "القنوات المتميزة التي تنتج وتدفع هيMBC و OSN وتلفزويني "دبي" و"ابوظبي" الحكوميين". واضاف انه "على الرغم من تراجع السوق الاعلاني"، تبقى الاعلانات مصدرا هاما للارباح بالنسبة للتلفزيونات حيث "تبلغ كلفة نصف دقيقة اعلان 4500 دولار اميركي في العام العربي وما بين 3000 الى 4000 دولار اميركي في لبنان". وقال "أرى ان OSN تفوقت هذا العام بعرض المسلسلات الحصرية كعرض الاول ومنها "صديق العمر" التي هي تكرار لقصة حياة الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر من خلال حياة صديقه عبد الحكيم عامر وبطولة الممثل السوري جمال سليمان"، مضيفا ان "سرايا عابدين" وهو عن الخديوي اسماعيل يعد ابرز المسلسلات التي تنفرد قناة MBC بعرضها. لكن الا يؤثر حصر كل الانتاج الدرامي تقريبا في شهر واحد هو رمضان، سلبا على المسلسلات المختلفة لكون المشاهد لن يجد الوقت لمتابعتها كلها؟ اجاب شعبان "صحيح ذلك قد يؤدي الى فشل مسلسل ما على الرغم من انه ممتاز"، لكنه في الوقت نفسه اشار الى ان "ميزة شهر رمضان انه يجمع افراد الاسر مع بعضها البعض كل يوم وفي الوقت نفسه هو وقت الافطار". واضاف "هذا لا يحصل في غير شهر رمضان وبالتالي نرى ان المعلنين يدفعون القسم الاكبر من الاموال في هذا الشهر لانهم يستغلون تجمع الناس في وقت واحد امام التلفاز لالتزامهم بموعد الافطار"، موضحا ان تزامن كأس العالم هذا العام مع بدء شهر رمضان "لم يؤثر كثرا على نسبة مشاهدة الاعمال الدرامية". وارجع ذلك الى ثلاثة اسباب، "الاول ان النساء، وهن غالبية المشاهدين، يفضلن المسلسلات، والثاني ان المباريات الهامة عامة كانت تبث ابتداء من الساعة ال 11 ليلا، وثالثا ان كأس العام انتهى اصلا في منتصف رمضان.