بفضل "سوق الشماعين" نشأت فوانيس رمضان! بسبب رخص الياميش..كان يلقى على الأطفال في زفة الفوانيس المحتسب عاقب "كنفاني غشاش" بحرق مؤخرته! كانت القاهرة منذ نشأتها مركزاً للتجارة العالمية، وانعكس ذلك على حركة البيع والشراء بها، فأصبحت أسواقها أكثر بقاعاً ازدحاماً وضجيجاً، وخلال شهر رمضان كان الازدحام على الحوانيت أكثر المظاهر إثارة وتشويقاً في أسواق القاهرة، خاصة وأن أهلها حسبما لاحظ الرحالة يشترون طعامهم مطهياً من الأسواق، واستمر هذا الوضع حتى مقدم الحملة الفرنسية في نهاية القرن ال18 م، ويعزى ذلك إلى قلة "الوقود" اللازم لعمليات الطهي بالمنازل وارتفاع أسعاره. ولاشك أن الفترة المحددة للإفطار، وهي لحظة الغروب، كان يسبقها صخب يمتد إلى وقت السحور. وقد أمدنا الرحالة المغربي "العبدري" بصورة حية لما كان عليه حال سوق "بين القصرين" في أواخر شهر رمضان من عام 688 ه، إذ صادفه سوء الحظ فنزل بالمدرسة الكاملية المطلة على السوق، فقال: كنت قلما أرقد إلا منغصاً لصياح الباعة وهم يبيعون طول الليل، وقلما يكون طعام الشريف منهم والوضيع إلا من السوق، والطرق غاصة بالخلق حتى ترى الماشي فيها لا هم له سوى التحفظ من دوس الدواب إياه ولا يمكنه تأمل شئ في السوق؛ لأن الخلق مندفعون فيها مثل اندفاع السيل. بيد أن هذا الصخب والضجيج كان يتوقف في لحظة واحدة، إذا ما شعر التجار وعامة الناس بنزول المماليك إلى الشوارع للاقتتال، وكثيراً ما كان يحدث ذلك فيسرع أصحاب المتاجر إلى إغلاق أبواب حوانيتهم والهرب بحياتهم خلف أبوابه الضخمة، وتتحول الطرقات والدروب إلى مقبرة للصمت!. ووفق كتاب "معجم رمضان" لفؤاد مرسي، فقد كان هناك عديد من الأسواق التي تنشط فيها الحركة في شهر رمضان بشكل خاص، وبالتحديد خلال العصر المملوكي، فكما يقول المقريزي: كان سوق "الشماعين "بالنحاسين الذي كان يمتد من جامع الأقمر إلى سوق الدجاجين في القاهرة، من أهم الأسواق خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين، فكان به في شهر رمضان موسم عظيم لشراء الشموع الموكبية التي تزن الواحدة "عشرة أرطال" فما دونها، وكان أرباب سوق الشماعين يحتفلون بمقدم هذا الشهر بتعيق الفوانيس المتخذة من الشمع على واجهات الحوانيت وعلى جوانبها، وكانت أحجم الشموع تتنوع ما بين كبيرة وصغيرة، فمنها شموع المواكب الكبيرة ومنها ما يزن عشرة أرطال، ومنها ما يحمل على العجل ويبلغ وزن الواحدة منها القنطار. وكانت مشاهدة هذا السوق في الليل من الأشياء المحببة للمصريين. وبفضل هذا السوق وتقاليد تجارته نشأت فوانيس رمضان التي نعرفها الآن. ولم ينافس سوق الشماعين حركة ونشاطاً في شهر رمضان سوى الأسواق والحوانيت التي كانت تبيع أصناف الياميش وقمر الدين وعلى رأسها "سوق السكرية" داخل باب زويلة، وكانيعج بأنواع الياميش وقمر الدين، وكان البدالون أي أصحاب البقالة يفرشون على أبواب محالهم الياميش وقمر الدين، وكانت رخيصة السعر في متناول الجميع، حيث كانت تقدم للضيوف في رمضان للتفكه والتسلية، بل كانت تبدر على الأطفال الذين يسيرون في زفة بالفوانيس. وكانت "سوق الحلاويين" تروق رؤيته في شهر رمضان، إذ كان من أبهج الأسواق ومن أحسن الأشياء منظراً، حيث كان يصنع فيه من السكر أشكال خيول وسباع وغيرها تسمى "العلاليق" ترفع بخيوط على الحوانيت، فمنها ما يزن عشرة أرطال إلى ربع رطل، تشترى للأطفال، فلا يبقى جليل ولا حقير حتى يبتاع منها لأهله وأولاده. ومن غرائب ما كان يباع في الأسواق من طعام في شهر رمضان، الدجاج المطبوخ بالسكر، وقد يضاف إليه الفستق فيعرف بالفستقية أو الجوز فيقال له الجوزية!. وكانت الأسواق في العصر المملوكي تخضع لمراقبة المحتسب، وكان يجوس من حين لآخر خلال المدينة يتقدمه عامل يحمل الميزان والصنج، وخلفه الجلادون والخدم، وهو يمر على الدكاكين والأسواق واحداً بعد الآخر يفحص الموازيين والمكاييل، ويستفسر عن ثمن المأكولات، ويتأكد من نظافتها، وإذا اكتشف مخالفة ينزل العقاب بمرتكبها، وتذكر كتب التاريخ عقوبات فريدة أنزلها المحتسب بالغشاشين، كهذا الرجل الذي كان يبيع الكنافة ناقصة الوزن، فأمر المحتسب بجلوسه عاري المؤخرة فوق صينية الكافة الساخنة، وأحياناً كان المحتسب يقطع جزءاً من الأذن أو الأنف. ومن الأسواق الحالية التي تنشط في شهر رمضان، سوق البلح بحي روض الفرج بشبرا، الذي يباع فيه ويشتري كافة أصناف البلح من كل بقاع مصر، إضافة إلى سوق المكسرات والياميش وقمر الدين بحي بين الصورين، وسوق الفوانيس في تحت الربع، وسوق الملابس بالعتبة والموسكي.