6 دول من حوض النيل ليست بحاجة إلى مياه النيل مشروع نهر الكونغو وهمي وضد الطبيعة على الدولة زيادة حصة مصر المائية وليس الحفاظ عليها مصر هبة النيل، هكذا قال المؤرخ اليوناني "هيرودوت" منذ قديم الأزل، ولكن صارت هبة النيل مهددة بسبب سد تقيمه إثيوبيا على النيل شريان حياتها الرئيسي. وقد التقت شبكة الإعلام العربية "محيط" بالدكتور أحمد شحاتة أستاذ الموارد المائية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، لنستوضح معه تفاصيل هذه الأزمة وما هي أبعادها والحلول المقترحة لها، فإلى تفاصيل الحوار: ما هو الهدف من المشاريع التي تُنشأ على نهر النيل ؟ المشاريع المائية على نهر النيل منذ قيامها أو إنشائها مهمتها ضبط مسار النهر، ويعنى ذلك التحكم فى المياه، والغرض الأساسي منها هو الاستفادة من كم المياه المفقودة التي تفقد من أجل استخدامها فى مواسم الجفاف لأن نهر النيل له ميزة مختلفة عن كل أنهار العالم، فهو النهر الوحيد الذي يجري من الجنوب للشمال ومعنى ذلك أنه يمر في مناطق مختلفة من حيث ظروف المناخ، بينما كل أنهار العالم تمر بالعرض لأنها مرتبطة بمناطق المطر. هل كل دول حوض النيل تستفيد من النهر أم أن لها مصادر أخرى للمياه؟ هناك من دول حوض النيل من لا يعتمد على نهر النيل ولو بقطرة واحدة، لأن اعتمادهم الكلي يكون على الأمطار مثل "أوغندا وكينيا وتنزانيا وبورندي" وكذلك الكونغو، بمعنى أن هناك ست دول من حوض النيل ليست بحاجه تامة إلى مياه نهر النيل، بينما هناك دول تعتمد على مياه نهر النيل باعتماد موسمي وتمر بموسم مطر وموسم آخر جفاف، وأثناء موسم الجفاف تضطر إلى أن تلجأ للري من نهر النيل. أما مصر فهي الدولة الوحيدة التي تعتمد على نهر النيل اعتمادا كلياً فى حياتها لأنها ليست لديها أمطار تكفى احتياجات السكان، ومصر تعتمد على مياه نهر النيل بنسبة 98% بينما تعتمد على المياه الجوفية وبعض الأمطار التي تسقط شتاءاً بنسبة 2%، وإذا حدث نقص في كمية المياه التي تصل إلى مصر فسيكون تأثير ذلك قوياً. وهل يمكن أن تصل إلى مصر كمية مياه من نهر النيل أكثر من التي تصل الآن؟ نعم، ويكون ذلك بإدارة جيدة لموارد النهر أو الاستفادة من المياه التي تُفقد خلال رحلته التي تقدر ب7 آلاف كيلو، لأن هناك نحو 150 مليار متر مكعب من المياه في حوض نهر النيل فاقد بالتسرب أو التبخر، وتذهب هباءاً لا يستفاد منها لأسباب مختلفة، في حين أن المياه التي تصل مصر الآن بمقدار 55,5 مليار أدخلتها في حالة الشح المائي وهي مرحلة أصعب من الفقر المائي لأن الفقير مائيا تكون حصته في العام 1000 متر مكعب، ولكن حالة الشح المائي فيصل بها نصيب الفرد إلى 650 متر مكعب لكل الاستخدامات. وما هي الكمية التي تحتاجها مصر من المياه لكي تلبي كل احتياجاتها؟ مصر تحتاج إلى 90 مليار متر مكعب من المياه نظراً لتعدادها السكاني الذى وصل إلى 90 مليون نسمة، وإذا حصلنا على ال90 مليار متر مكعب من المياه سنصل إلى معدل الفقر المائي، وهناك تحدٍ جديد أمام إدارة الدولة وهو زيادة حصة مصر المائية وليس الحفاظ على الحصة الحالية فقط. وكيف يتحقق ذلك ؟ أفضل إنجاز من الممكن أن تقوم به الدولة هو أن تزيد من حصة مصر المائية وبدلا من أن تكون نسبتها 55,5 مليار متر مكعب، تصل إلى 90 مليار متر مكعب، وبذلك تكون مصر على خط الفقر المائي، وعندما يصبح لديها حوالي 35 أو 40 مليار متر مكعب مياه جديدة غير المياه التي نعيش عليها سيعني ذلك انفتاح داخلي في كل شئ، وتعني مجتمعات جديدة والمزيد من مساحات الأراضي الجديدة التي تزرع والخروج من الوادي الشيق الذي نعيش فيه. وهل هناك مشروعات فى دول حوض النيل من الممكن أن ترعاها مصر لاستقطاب الفاقد وزيادة حصة مصر المائية؟ نعم، هناك مشروع معروف منذ عهد السادات وهو مشروع قناة "جونجلى" في جنوب السودان، حيث يفقد بها حوالى 50 مليار متر مكعب، ومن الممكن أن نستكمل هذا المشروع لأن مصر هي التي أنشئت هذه القناة ولم تستكمل بعد، وتم إنجاز ثلثي هذه القناة وهذا أحد المشاريع الممكنة. هناك أيضاً المياه التي تأتي من الست دول الاستوائية التي لديها كم هائل من المياه التي تنزل عليهم طوال العام، وهذه المياه تتجمع وتدخل جنوب السودان، ولكنها لم تسير فى نهر بل تسيح وتتحول إلى مستنقعات، ومنها كمية تتسرب في الأرض وأخرى تتبخر ويت فقد 50 مليار من المياه، والحل هو مشروع قناه "جونجلى" التي ستجعل المياه تسير عبر نهر بحيث يتجمع هذا الكم من المياه بقناة تأخذها من بداية جنوب السودان إلى أن تعبر بها إلى شمال السودان حتى تصل إلى مصر. وهل سد النهضة بعد استكماله سيؤثر على كمية المياه الواردة إلى مصر ؟ نعم سيؤثر وبقوة، لأن نحن لدينا ما يعرف ببنك مصر المائي الذي يعد أفضل من البنك المركزي، وهي بحيرة ناصر وبها 160 مليار متر مكعب من المياه، وهذه البحيرة عبارة عن خزان مياه كبير يخزن فيه المياه القادمة من نهر النيل، الذي يأتي بالمياه خلال موسم الصيف فقط، والسد العالي تم بناؤه لعمل خزان للحفاظ على المياه طوال العام، وهذا الخزان سينتقل من مصر إلى إثيوبيا إذا استكمل سد النهضة كما ذكر الدكتور محمود أبو زيد وزير الري السابق وعلميا هذا كلام صحيح. ما هى المواصفات التي تريد بها أثيوبيا بناء السد؟ أثيوبيا تريد بناء سد طوله 2 كيلو وارتفاعه 148 متر تقريباً مثل ارتفاع السد العالى ويقيم بحيرة طولها 150 كيلو وعرض البحيرة حوالى 20 كيلو وستخزن مياه بقدر 74 مليار، وأخطر ما في السد هو بحيرة التخزين، لأن المياه التي تأتى تدخل السودان والباقي يصب على مصر، وإثيوبيا تريد عمل الخزان كحصالة مياه جديدة وبالتالي الكمية التي ستدخل السودان ويتبقى منها كي تأتى لمصر ستقل، وبدلاً من أن يأتي من إثيوبيا 45 مليار ستقل كل عام 12 مليار ويتبقى 33 مليار. قرأنا أن في سد النهضة إفادة لدولة السودان.. فهل هذا صحيح ؟ نعم صحيح، فسد النهضة مفيد للسودان وضار لمصر لأنه يمنع عنهم الفيضانات التي تغرق منطقة النيل الأزرق بشرق السودان، وسينشئون سد سيقلل الغرق والآن يفكرون في تعلية سد "الروسيرس"، والسودان هي أول دولة ستستفيد من توليد الكهرباء الناتجة عن سد النهضة، فضلاً عن تحصيل رسوم مرور تصدير الماء والكهرباء للدول المجاورة، وبذلك ستكون مستفيدة في كل شيء، بينما ستكون مصر متضررة من نقص حصتها في المياه ومنسوب بحيرة ناصر سينخفض وهذا يعني أنها ستؤثر على الحياة في مصر وعلى "توربينات" السد العالي التي ستتعطل معظمها وبالتالي ستزيد من أزمة الكهرباء مع تبوير كثيرا من الأراضي المصرية بمساحة مليوني فدان وكل مليون فدان في مصر يستنزف مياه من 6: 8 مليار متر مكعب. وما موقف الحكومة المصرية من السد حتى الأن؟ نحن لم نفعل شئ منذ أن بدأت أثيوبيا فى إنشاء سد النهضة فى إبريل من العام 2011 وخلال 3 سنوات أنجزت أثيوبيا 35 % من السد ولم يتوقفوا رغم المفاوضات الجارية ويعملون ليلا نهاراً لإنجاز هذا المشروع. ولماذ لم تفعل الدولة أي شئ منذ بناء السد حتى وقتنا الحالى ؟ لأنها كانت منشغلة بأوضاعها الداخلية، وإثيوبيا تعلن دائما أنها لن تضر بنا ولكنه كلام مرسل خاطئ و ليس له واقع على الأرض، وما يتم الآن هو إضرار بمصر. هل حقاً أن أرض إثيوبيا غير صالحة لإنشاء سد النهضة ؟ ليس حقيقي لأن المنطقة التي يبنى عليها السد من أكثر المناطق فى إثيوبيا أمانا لبناء السدود، فهي منطقة مستوية من الممكن إنشاء خزان مياه كبير بها، وبالتالي فقد بعدت إثيوبيا عن المناطق التي يحدث بها زلازل أو براكين أو تتعرض لمشكلات جيولوجية. لماذا أعلنت إثيوبيا عن بناء سد النهضة بعد ثورة يناير مباشرة ؟ لأنها تعلم جيدا أن مصر انشغلت بأمورها الداخلية ولن تعترض على أي شئ، فمن متطلبات القانون الدولي أو قانون الأنهار بالنسبة للدول المتشاطئة على نهر النيل، أن تخبر أي دولة من دول الحوض بقية الدول بالمشروعات التي ستقوم بها كي لا يكون لها أثر سلبي على باقي دول حوض النيل، ويجب أن توافق بقية الدول على المشروعات، ولكن إثيوبيا لم تخبر مصر بمشروعها وهو مشروع ضار لمصر. البعض يشير إلى أن أمريكا وإسرائيل يقفان وراء بناء السد.. فما صحة ذلك ؟ نعم فقد طلبت إثيوبيا من الولاياتالمتحدة دراسة عمل سدود على النيل الأزرق الذي يقام عليه سد النهضة الآن، وبالفعل قام مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي عام 1963 بدراسة حوض نهر النيل الأزرق، وصمم على هذا النهر 33 مشروع مائي منهم سد النهضة، وبدأت إثيوبيا في بناء هذه السدود، ولكن وصلت إلى بناء 4 فقط من 33 سد. أما بالنسبة لإسرائيل، فالمكان الذي نتركه فارغا لابد أن يحل محلك أحد غيرك، فعندما أعطت مصر ظهرها لإفريقيا فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك، فكثير من دول العالم حلت محل مصر، وعلى رأسها الصين وتركيا وإيران وإسرائيل وكل أوروبا والولاياتالمتحدة، وأصبح الآن سد النهضة أمر واقع لا مفر منه. هناك من يصرح بأن مشروع نهر الكونغو هو حلم المصريين.. فما تعليقك ؟ تعرضت لاتهام من صاحب مشروع نهر الكونغو لأننى أطلقت على هذا المشروع أنه مشروع وهمي وضد الطبيعة، لأنه يريد أن ينقل المياه من نهر الكونغو إلى نهر النيل فكمية المياه به تقدر بحوالى 15 ضعف مياه نهر النيل، وصعوبة نقل المياه منه بسبب الأرض وحتى تنقل المياه من نهر الكونغو إلى نهر النيل لابد أن يكون هناك ارتفاع مياه يقدر بحوالي 1200 متر. وطرح مثل هذا المشروع في الوقت الحالي سيجعلنا ننسى قضيتنا الأساسية في حقنا من مياه نهر النيل من إثيوبيا. وكيف يمكننا الخروج من تلك الأزمة ؟ لابد أن يدار هذا الملف بشكل قوي وإيجابي خلال الفترة القادمة، وأن تتم مفاوضات مباشرة بين مصر وإثيوبيا دون وسيط، ونحن نستبعد الحلول العسكرية ولكن المهم هو أن يتوقف السد الآن لحين الوصول إلى حل وتقييم الموضوع ككل، وأن تفتح إثيوبيا باب الحوار مع مصر. بالإضافة إلى الضغط على إثيوبيا، فهي دولة حبيسة حدودها مغلقة، ولابد من إدارة الملف دولياً واستغلال الأوراق السياسية والقانونية والدبلوماسية وغيرها من الاتفاقيات، وهناك الكثير من الأوراق قد تتحرك إذا حدث توتر في العلاقات المصرية الإثيوبية، وكلما كنت قويا كلما كنت أكثر احتراما بين الدول، وكلما كنت ضعيفاً ومفككا سيلعب الجميع بمقدراتك.