المسئولية المستقبلية لمؤتمر الحزب الوطني د.نبيل أحمد حلمي لاشك أن مؤتمر الحزب الوطني الخامس الذي سيعقد لمدة ثلاثة أيام من2008/11/1 يتم في ظروف محلية وإقليمية ودولية غير مسبوقة. وإذا نظرنا إلي الظروف المحيطة بمصر في الوقت الحالي فنسجد أنها تظهر في نواح عديدة أهمها النواحي الدولية والإقليمية والمحلية. فمن الناحية الدولية نجد أن هناك أزمة مالية طاحنة تعاني منها دول المجتمع الدولي وتهدد في المقام الأول الاقتصاد الأمريكي وما يتبعه من آثار علي الاقتصاد العالمي. و من الناحية الإقليمية: تحاط مصر بأزمات إقليمية متعددة في السودان, حيث إن أزمة دارفور ومحاولة تقديم الرئيس السوداني عمر البشير إلي المحكمة الجنائية الدولية, وكذلك الأزمة الفلسطينية الفلسطينية من ناحية والأزمة الفلسطينية الإسرائيلية من ناحية أخري علاوة علي ما يحدث في العراق وإيران وسوريا ولبنان مما يجعل المنطقة العربية في حالة توتر سياسي واقتصادي ويحمل مصر مسئولية إقليمية دولية أمام العالم حيث إن مصر هي معيار التوازن في المنطقة لما تتمتع به من سياسة مستقرة وواضحة. وأما من الناحية المحلية: فإن الحزب هدفه الأساسي هو في وضع السياسات الفعالة في مكافحة الفقر والرعاية الاجتماعية للطبقات الفقيرة في مصر من خلال توفير فرص العمل وفتح مجالات الاستثمار في المناطق الفقيرة في شمال وجنوب مصر, علاوة علي الاهتمام بالرعاية الاجتماعية, خاصة التعليم والصحة وغيرهما من الخدمات الأساسية التي يجب أن تتطور وتنضبط, وهذه تحديات تتطلب وضع خطة واضحة ليشارك الجميع في تنفيذ سياستها من خلال جدول زمني واضح والتزام من جميع الأطراف. ومن هنا نجدأن لجان المؤتمر التمهيدية ستناقش قضايا التعليم والمواطنة والديمقراطية والأبعاد الدولية للتنمية والاستثمار والتشغيل والقضايا الاقتصادية والنقل وسياسات التنمية الاجتماعية ومكافحة الفقر والصحة والطاقة والإسكان والتخطيط العمراني ودعم الاستثمار والتصنيع الزراعي. وفي الوقت نفسه لابد أن نعرف أنه مهما تعددت القضايا فإنها قضية واحدة وهي تنموية ورفع مستوي معيشة الشعب المصري وأدائه وكفاءته لكي ينعكس ذلك علي النمو الاقتصادي والاجتماعي. ومن ناحية أخري فإن المشكلات التي سيناقشها المؤتمر الخامس للحزب الوطني هي مشكلات مصر وليست مشكلات الحزب. ومع ذلك فإنني لا أجد تحركا ملموسا لدراسة هذه المشكلات الأساسية لدي الأحزاب السياسية الأخري, بل هي مشغولة بخلافاتها الداخلية أو بتهجمها علي الحزب الوطني والحكومة دون إعطاء دراسات واقعية توضع محل الاعتبار لمواجهة مشكلات مصر المتنوعة وتوضيح كيفية المعالجة وما هي الحلول التي يمكن تطبيقها لرفع مستوي الشارع المصري. وإنني اقترح أن يكون هناك هدف قومي تشارك فيه الأحزاب وكل المجتمع المدني والحكومي ونجتمع حوله وهو مكافحة الفقر ونحدد له مدة للقضاء عليه ولتكن خمس سنوات أو أكثر حسب ما تصل إليه الدراسات الجادة. ولابد أن نشير إلي أن مكافحة الفقر هي أساس أي تنمية في أي مجتمع, حيث إن وجود الفقر في مجتمع معين يدل بصفة أساسية علي أن هناك خللا كبيرا في تركيبة هذا المجتمع ومن ثم يكون العلاج هنا هو علاج لأسباب الفقر ومشاكله ومواجهة قوية لجذوره وطبيعته. لأن معالجة الفقر لا تكون من خلال الأعمال الخيرية أو الدعم المالي للطبقات الفقيرة, بل هي ضرورة تتطلب وضع علاج للخلل في علاقات المجتمع والأسباب التي أدت إلي هذه المظاهر. ولذلك فإن مكافحة الفقر في مصر لن تبدأ من فراغ بل من دراسات وتجارب محلية ودولية, ويمكن تجنيد الشعب المصري لاعتبار ذلك هدفا قوميا يلتف حوله ويجتمع فيه مثلما نجح من قبل في حروب كثيرة منها العسكرية والاجتماعية والسياسية وغيرها. إن من أهم الأهداف التي يجب أن يحققها المؤتمر هو اتخاذ خطوات جادة في استكمال سياسة مكافحة الفقر والرعاية الاجتماعية, خاصة في المناطق الفقيرة لكيلا تصبح مناطق طاردة فتزداد فقرا وتشكل ضغطا متزايدا علي المناطق الجاذبة للعمالة, فتتكدس وتؤثر علي فعاليتها. ومن ناحية أخري فالقضايا والرسائل السياسية التي يجب أن يركز عليها المؤتمر هي قضايا الخدمات فالكل يعترف بتدني الخدمات العامة مثل التعليم ما قبل الجامعي والجامعي والصحة والإسكان وغيرها ومن ثم لابد من التركيز علي حل هذه القضايا وفقا للسلوك المصري والتشريعات والتوعية بها. لابد أن يهتم المؤتمر بسياسات واضحة تأخذ وضعها في الاولويات القومية في العامين القادمين قبل انعقاد الانتخابات التشريعية وتظهر أساسا في التشاور مع الأحزاب السياسية الأخري ووضع تصور وقانون لنظام جديد للعمل السياسي والانتخابات التشريعية. المطلوب أيضا مزيد من الارتباط بالشارع المصري وزيارة القري الأكثر فقرا لمعرفة مشاكلها علي الطبيعة للوصول لحل فوري لها. هذا علاوة علي ضرورة إعادة النظر في سياسة الأجور والحد الأدني لها في مقابل العمل وتشجيع التعليم الفني بكل درجاته, حيث إن مصر تعاني من نقص العمالة الفنية المدربة, وفي الوقت نفسه تعاني من البطالة ومن ثم لزم التوعية بأن هذه المهن والعمالة الفنية هي مهن محترمة وتشجيع الالتحاق بها والتدريب عليها بما يفتح مجالا جديدا لفرص العمل والتنمية. وفي الوقت نفسه لابد أن تستغل السياسات المصرية الجوانب الايجابية لهذه الأزمة الدولية لدفع المسار المصري للاستفادة منها. ومن أهم هذه الخطوات الواجب اتخاذها في السياسة المصرية هو التوسع في الاستثمار الزراعي لمواجهة أزمة الغذاء العالمي ومن ثم نقص المعروض منه فلابد من مزيد من الاستثمار خاصة أن الأموال الدولية ستحاول أن تجد أسواقا جديدة للاستثمار المستقر بعيدا عن الأسواق والتقلبات الدولية. وفي الوقت نفسه لابد من العمل علي جذب أنواع جديدة من السياحة الدولية البعيدة عن منطقة الأزمة مثل السياحة العربية والآسيوية والروسية وكل المناطق الأقل تأثرا بالأزمة المالية. وفي الوقت نفسه تسويق الاستثمار في مصر لدي هذه المناطق البعيدة عن الأزمة وعن هذه التقلبات المالية العنيفة بهدف جذب الاستثمارات التي بالتأكيد ستحاول البحث عن مناطق جديدة بعيدة عن مناطق الأزمة. وإنني أثق في أن نجاح مؤتمر الحزب لابد أن يكون من خلال نظرة مستقبلية واضحة لمصر حيث إن محاور المؤتمر تدل علي اهتمام سياسات الحزب بالمستقبل ولكن أهمية هذا المؤتمر هي في المناقشات الجادة والتوصيات والنتائج التي يمكن أن تؤدي إلي خطة واضحة تلتزم حكومة الحزب بتنفيذها. عن صحيفة الاهرام المصرية 30/10/2008