اكتشفت أن عامًا قد تسلل بين أيدينا بينما أنا وغيري كثيرون نقف أسرى العجز والخوف والعاطفة، بينما يلح على خاطري بين الفينة والفينة من طرف خفي، أو نتيجة حوارات تثور بيننا على البريد الخاص أو في جلسات الإفاقة الخاصة متى يحين الوقت المناسب لنشرع في مهمة ثقيلة على النفس كونها في حد ذاتها تثير الآلام في النفس كما تثير الأقاويل وتفتح بابًا للجدل، فكثر هم من لا يقبلون فكرة النقد الذاتي أو إعادة التقييم في مثل هذه الظروف التي تعانيها الحركة، فالمهمة جدًا شائكة حين تتعلق برصد حجم الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الإسلامية منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 سواء ما صاحب التحضير للثورة أو تسارع وقائعها وأحداثها ثم الانخراط في تفصيلاتها. إن ثمة حاجة تلح في ضرورة الوقوف مليًا عند شيوخ أو رموز وقيادات سلفية وحركية أيضًا انخلعت تمامًا عن الأداء السياسي أو المعارضة السياسية لنظام مبارك بل تنادت بضرورة الطاعة للحاكم وعدم الخروج عليه، وفي تلك الأثناء من فجر تاريخ الثورة بدت نصائح شيوخ من صدر الحركة توصي الشباب بالانصراف من الميدان كانوا نجومًا على شاشات التلفاز افترى أحدهم الكذب على الشباب زاعمًا أنهم ضربوه بعصا على قدمه ! فلم أزل أذكر بينما كنا نصلي يومًا الظهر في ميدان التحرير أبصرت صحيفة افترشناها تحمل في صفحتها الأولي تصريحًا على هذا النحو لقيادي سابق بالجماعة الإسلامية ؟!. ثم نحتاج ونحن في مقام الرصد الدقيق والأمين فيما صاحب تخلي المخلوع عن السلطة في المرحلة الأهم والأخطر من إدارة شؤون البلاد في مرحلة انتقالية بالغة الدقة جرت فيها الأحداث على نحو يحتاج إلى جماعة من المؤرخين العدول وليس مؤرخًا وحيدًا لا حول له ولا قوة أن نعرف قدر التحولات التي صاحبت مواقف أولئك الشيوخ وأزلامهم التي مكنتهم من شغل موقع في صدارة المشهد السياسي في البلاد نحتاج أن نعرف أكثر عن أسباب دخول "الجماعة الأم منطقة حقل الألغام بقبول الترشح على مقعد الرئاسة بعد أن كان الموقف المعلن العزوف أو الإعراض عن هذا البلاء ؟ وما حقيقة دور المؤسسة العسكرية في هذا الخصوص ؟ فلم حملنا أنفسنا ما لا نطيق؟. نحتاج أن نعرف أكثر عما دار من أحداث في فترة الرئاسة التي حكم فيها الرئيس الدكتور محمد مرسي وتلك التي حاكت أو تلامست مع إعلان فوزه، وما الذي أعاق التواصل مع شركاء الثورة الذين وقعوا على وثيقة " فيرمونت " وتحالفوا معه في معركة الرئاسة ؟ وماذا أفاد تفعيل دور شخصيات انتهازية سرعان ما تحولت عن نصرة الإخوان إلى نصرة "النظام". ما هو حجم المؤامرات التي أحاطت بديناميكية عمل مؤسسة الرئاسة ؟ ولم صمت الرئيس وأعوانه ؟ وما الذي منع الرئيس مرسي من اللجوء إلى الشعب ليشاركه المسؤولية على النحو الذي فعله السادات مع مراكز القوى عام 71 ؟ إن بحث هذه الملفات لا ينبغي أن يكون ترفًا محضًا يشغله النهم المتقد من أجل المعرفة الفضولية أو الجدل المراء المنهي عنه، وإنما هو حق هذا الجيل الذي وقف ونصر وآزر وأيد حتى تم النصر وشغلت فصائل شتى من التيار الإسلامي مقاعد البرلمان المصري في سابقة هي الأولى والتي نتمنى ألا تكون الأخيرة. هو حق لهذا الجيل الذي تحمل عذابات الألم والإقصاء والسجون والمعتقلات والتعذيب عقودًا طويلة حتى جاءت اللحظة التي حصد فيها بشائر النصر وكسر الأغلال والقيود ثم واصل العطاء تأييدًا ونصرة وحماية حتى تحقق الحلم بوصول أول رئيس إسلامي لسدة الحكم في مصر، حقه في المعرفة والدراسة والبحث والتنقيب والتقييم واستخلاص الدروس والعبر، بعيدًا عن تراشق الاتهامات وتبادلها والغوص في أعماق النوايا شكًا وتعييبًا. ربما القيادات الأسيرة وهي تعاني عذابات السر ومعاناة المحاكم والتردد على قاعاتها بصورة يومية كل ذلك يعطيها العذر من محاولة التفكر والمراجعة وصوغ منهجية سريعة تدفع إلى الإمام غير أن قيادات توزعت في داخل البلاد أو خارجها في عواصم شتى عربية أو أوروبية لا تستحق الإعفاء من المسؤولية ولا ينبغي أن تبحث عن رخصة فلم يبلغني وجود جهد ذهني أو بحثي أو عقلي يفيد حرص هذه القيادات على رسم خريطة عاجلة لكيفية تفادي آثار الهزيمة وكيفية النهوض السريع ومواصلة العمل الدعوي والفكري الذي يهدف إلى التخلص من تبعات ما جري. واللا فإن الجماعة الإسلامية مثلاً وذراعها السياسي "حزب البناء والتنمية " كانا قد ضربا مثالاً يحتذى بالمسؤولية وإنكار الذات في ممارستهما في تلك الفترة، خصوصًا عندما تنازلا عن حقهما في شغل بعض المقاعد بلجان البرلمان أو الجمعية التأسيسية من أجل دخول عناصر أخرى فيما يمكن وصفه "بالإيثار السياسي للمصلحة العامة " لم تقف في مربع العجز رغم وفرة ما لديها من مفكرين عدول في مأمن من الملاحقة أو المطاردة !.ت أن - الجموع - التي قادت الحركة الإسلامية في مواجهاتها وأوردتها ما وصلت إليه لم تزل أسيرة الموقف تعوزها القدرة على التحرك السريع والرشيق للخروج من شرنقة أجواء الهزيمة والانكسار. إذا كانت الحركة الإسلامية خسرت فرصة وجودها على خريطة العمل السياسي والدعوي على رأس الدولة، فهي أيضًا تخسر معارك فرعية فيما يمكن أن نسميه "حرب الاستنزاف " حتى على المستوى الإفريقي، على الأقل في قضية انتهاكات حقوق الإنسان باتت رموز تيار دعم الشرعية ومقاومة الانقلاب عاجزة عن استغلال حقيقة ما يجري لمساءلة المسؤولين عن ممارسة هذه الانتهاكات إفريقيًا أو عربيًا أو أوروبيًا قضايا كثيرة تحتاج أن نشحذ الذهن والعزيمة وتحتاج أيضًا أن نستحضر النية فكل عمل بنية، نية الإصلاح لا نية التثبيط أو التجريح أو الاتهامات.