قبل سقوطه، وخلال الأيام الأولى لثورة يناير دعم إعلاميون مواقفهم الرئيس الأسبق حسني مبارك.. وما لبثت الثورة أن نجحت حتى تحول الكثير من هؤلاء لصف المعارضة وبدئوا في فضح نظامه خلال ثلاثين عاما من الحكم. الإعلاميون المتحولون في عصر "مبارك" سرعان ما انقلبوا مرة أخرى حتى باتوا في صف المجلس العسكري الذي تولى مقاليد الأمور حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في 2012، وفاز فيها الدكتور محمد مرسي. الرئيس المعزول محمد مرسي هو الآخر نال نصيبه من الإطراء والمديح الإعلامي قبل فوزه وحتى خلال الشهور الأولى من حكمه، وما لبث أن تحولت الدفة بعد إخفاقه في تحقيق مطالب الثورة. في التقرير التالي نرصد أبرز التحولات الإعلامية التي طفت على السطح خلال المرحلة السابقة. مجدي الجلاد المدافع المعارض احد ابرز الإعلاميين اللذين ظهروا على الساحة في الفترة السابقة ونالوا نصيبهم من النقد بسبب تحولاتهم الإعلامية من حين إلى أخر كان الكاتب مجدي الجلاد، فالجلاد الذي يرأس تحرير جريدة الوطن حاليا كان احد المعارضين لحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك خلال فترة حكمه. وخلال الأيام الأولى للثورة ظهر الجلاد في موقف آخر تماما.. فالمعارض لمبارك ظهر مدافعا عنه ويطالب بالترحم عليه وإعطائه فرصة بدلا من الدخول في فوضى كما سماها "مبارك" نفسه. يقول عنه سامي كمال الدين في كتابه الصحافة الحرام: انه سريع التحول من اجل مصالحه الخاصة، وربط ذلك بقصة سردها في كتابه عندما اقر "الجلاد" حق زميلهما جمال الكشكي في نشر حوار على ثلاث صفحات.. وبعد نشر الحوار على صفحة واحدة ثار "الكشكي"، وعندما طلب من "الجلاد" شهادته أمام مدير التحرير لم ينطق بحرف واحد لصالح "الكشكي"، وأصبح في كفة مدير التحرير، لأنه لا يريد أن يغضبه.. و"هو ما جعله يربط هذا الموقف دائما بكل مواقفه السياسية والمهنية بعد ذلك". محمود سعد التحول الوسيم أما محمود سعد صاحب البسمة التي جمع بها المشاهدين حول برنامجه "مصر انهاردة"، فكان هو الآخر من أسرع المتحولين في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.. ولم يكن معارضا لمبارك ولكنه كان معارضا أكثر للحكومة والوزراء والمسئولين في الدولة. وكان "سعد" من أوائل المتغزلين في "مبارك"، وخاصة حينما شغل منصب رئيس تحرير مجلة " الكواكب" ونشر خلالها مقالا له بعنوان "مصر التي نريدها" سادت فيها عبارات الود والتقدير لسيادة الرئيس "المخلوع". وبعد تحوله لصف معارضة مبارك بفضل ثورة 25 يناير، وخلال مداخلة تليفزيونية اتهمه وزير الإعلام الأسبق انس الفقى بالنفاق والتحول والركوب على موجة الثورة، وانه كان يتمنى أن يدير حوارا مع الرئيس مبارك لان ذلك سيوصله للجماهير. وأوضح "الفقى" كيف كان محمود سعد يتقاضى منه 7 ملايين وطلب زيادة عقده ل 9 ملايين ،وكيف كان يتباهى بعدد الإعلانات التي تتوافد إلى برنامجه. لميس الحديدي المذيعة «الفلوثورجية» الإعلامية لميس الحديدي وصفت بالمذيعة "الفلوثورجية" بسبب تناقضها الشديد، والمتابع لبرامجها يتحير في كونها فلول أم أنها مناضلة ثورية. وللعودة إلى ما قبل سقوط "مبارك" نجدها المنسقة الإعلامية لحملة "جمال مبارك رئيسا"، إلا أنها سرعان ما تنكرت لذلك عقب ثورة يناير التي هاجمتها واتهمتها ب " نظرية العناصر المندسة". "الحديدي" دافعت عن الرئيس المخلوع وعائلته قائلة:"إذا تنحى الرئيس خسرنا المعركة، دعوه يعيش، أعطوه فرصة يخرج بأمان، هذا الرجل عمل من أجل مصر". توجهات "الحديدي" السياسية كانت أكثر وضوحا في عهد الرئيس المعزول "مرسي" واتسمت معالجاتها للقضايا بالجدية والضرب من تحت الحزام، لتعود مره أخرى وتصطف في طابور النظام الجديد. عمرو أديب صاحب الصوت العالي لا يختلف عمرو أديب كثيرا عن زوجته في تأييدهما لمبارك قبل خلعه، وظهر ذلك في برنامج "بدون رقابة"مع المذيعة "وفاء الكيلاني" ثم لا تلبث أن تفاجئ بتغير موقفه ل 180 درجة ليلحق بمن سبقوه لموجة الثورة في برنامج "آخر كلام" على قناة OTV الإعلامي "يسري فوده"، ومرة أخرى تجده يهلل ويدعم المشير عبد الفتاح السيسي. الإخوان السبب يقول الخبير الإعلامي "ياسر عبد العزيز" إن هناك عدد من العوامل أدت لتوجه عدد كبير من الإعلاميين لدعم "السيسي" و30 يونيو، أولها: مخاطر تفتت الدولة المصرية التي كان يطرحها الإخوان وحلفائهم، والثاني أموال تم ضخها لتركيز الإعلاميين في اتجاه معين، إضافة بالطبع إلى السمات السياسية والشخصية للسيسي وعززت صورته في الإعلام. يضيف أن الإعلام المصري خلال الفترة السابقة في حالة متراجعة، وخسرنا بعض التقدم الذي كنا قد أحرزناه بعد ثورة 25يناير، وعهد "مرسي" كان عهدا ظلاميا وطرح مخاطر كبيرة، وجزء كبير من المشكلات التي يعانيها الإعلام المصري الراهن يعود إلى حكم الإخوان، وكل تصرف عنيف يمارسه الإخوان يبرر للدولة وضع قيود على الممارسات الإعلامية. ويطالب "عبد العزيز" بردع العنف حتى نستطيع خوض معركة الدفاع عن الحريات الإعلامية في مصر، وأن يوقف الإخوان تبعيتهم للمشروع القطري. استقطاب حاد أما الدكتور "محمود خليل"، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة فقال إن الإعلام المصري عانى منذ ما يقرب من العام أزمة حادة تعددت أبعادها، أولها يتمثل في حالة الاستقطاب الحاد التي سيطرت على الرسالة الإعلامية والتي كان لها صدى على الرأي دفعته باستمرار إلى التصنيف الدائم بين من هو مع ، ومن هو ضد. ويتمثل المظهر الثاني وفقا ل "خليل" في ذوبان الحدود الفاصلة بين الإعلام الخاص والحكومي فالإعلام المصري كله خلال العام المنصرم كان إعلاما رسميا بامتياز يعبر عن السلطة التي تحكم، ويحاول أن يبرر قراراتها وتوجهاتها في حشد الرأي المصري في تأييد قراراتها. فيما ارتبط المشهد الثالث بالتحريض فقد تورطت وسائل الإعلام خلال الأشهر الماضية في تحريض فئات المجتمع المصري على بعضها بصورة فجة. ويرتبط شعار الإعلام في هذا الاتجاه برفع راية "التخوين" لقطاع من المصريين والاستناد إلى "وصف الوطنية" عند الحديث عن قطاع آخر منهم. ويؤكد خليل أن قطاع الإعلام بات يقسم المصريين إلى قسمين: الوطنيين و الخونة، وأخذ يحرض هذا على ذاك، موضحاً أن معالم هذه الأزمة قد تجلت بصورة كبيرة في الحشد للانتخابات الرئاسية، فحديث أحد المذيعين عن ضرورة نزول 40 مليون حتى يظهر السيسي بشكل مشرف كانت أحد أساليب الحشد؛ غير أنه سرعان ما كشفت النتائج السلبية لعدد الناخبين عن الفشل الإعلامي فالعدد الذي نزل وشارك في انتخابات 2014 كان أقل بصورة ملحوظة من العدد في انتخابات 2012م. ولاحظ المصريون والعالم أجمع حجم عزوف الشباب عن المشاركة بالإدلاء بالصوت، فكانت النتيجة أن تحول الإعلام لحالة من الصراع وتحول الإعلاميون إلى مجموعة من الندابين والندابات، فقد خرج أحد المذيعين يتحدث عن أن هذا الشعب ملزوق على قفاه، وآخر عن أن الشعب المصري جاهل ولا يعرف مصلحته ولا يعرف أن مصر يمكن أن تتحول إلى سوريا وليبيا إذا كان المشهد الانتخابي غير منصفا للمشير، وأن حجم المشاركة المنخفضة سيدفع المشير للاعتزال عن الرئاسة وغير ذلك من لغو وخطابات هزلية تشارك فيها ضجيج الإعلاميين مع أصوات بكاء البعض، وغير ذلك من مشاهدات عابها المصريون. المستقبل مقلق وعن مستقبل حرية الإعلام في الفترة المقبلة يقول خليل: "مستقبل يثير القلق لأن هناك مؤشرات من تجربة العام الماضي تدل على أن السلطة ستفرض قيود على حرية الإعلام والدليل على ذلك برنامج "البرنامج" ل "باسم يوسف" والذي مر بعدة مراحل من cbc، ثم mbc مصر، لينتهي بخروج "باسم يوسف" معلنا نهايته." وهناك كتاب مصريون انتقدوا السيسي وتم إيقافهم مثل بلال فضل، وهناك نوع من المحاصرة الإعلامية للأصوات الناقدة مثل علاء الأسواني، وكل هذه المؤشرات تجعل من الإعلام أحادي الصوت وكذلك ما أعلنته وزارة الداخلية عن مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك وتويتر"، وعلى الرئيس أن يعي تماما أن من يريد إحياء تجربة مبارك هو كمن يقوم بتجربة إحياء ميت فهي محاولة ستكلل بالفشل حتما. موضوعية غائبة وتقول الدكتورة "هويدا مصطفى"، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة وعضو لجنة متابعة وتقييم الأداء الإعلامي في الدعاية الانتخابية لمرشحي الرئاسة: "إن الإعلام خلال الفترة السابقة كان يقوم بعملية حشد حيث كانت كل محطة تلفزيونية تروج وتدعم لتوجهاتها السياسية. وأضافت "مصطفى"، مارس الإعلام في الفترة السابقة جرائم بحق المعايير المهنية للتأثير على الرأي العام، وافتقد معظم الإعلاميين المهنية والموضوعية وموازنة الأمور بشكل عقلاني وهادئ. وأوضحت مدى حاجة الإعلام إلى حرية مقننة ومنظمة وليست مطلقة فكانت هناك فوضى وارتباك، والإعلام لديه حرية يجب ألا يسيء استخدامها بممارسة الاستقطاب السياسي الحاد ولابد من تفعيل المواد الدستورية التي تخص الإعلام والتي تحدد الفرق بين الحرية المطلقة والضبط.