"فراشة" سلماوي تتنبأ بثورة المصريين الشعبية! غلاف الرواية محيط – سميرة سليمان صدرت رواية "أجنحة الفراشة" مؤخرا للكاتب الكبير محمد سلماوي، لكن كاتبها لم يكن يتصور أن تتحول الرواية بحذافيرها لواقع حينما ينزل ملايين المصريين للشوارع مطالبين بالخلاص من الديكتاتورية، حينها تحولت احتجاجات ال"فيس بوك" من عالم إفتراضي لواقع ملموس. الرواية صدرت عن الدار المصرية اللبنانية، ويرسم المؤلف ، وهو رئيس اتحاد كتاب مصر ، شكل الحياة في مصر حين يسقط الحزب الذى دام حكمه المستبد أكثر من ثلاثين عامًا على أثر سلسلة من المظاهرات والاعتصامات تصل إلى حد العصيان المدنى. ويستلهم المؤلف في بداية روايته نص "أثر الفراشة" للشاعر الكبير محمود درويش الذي يقول فيه: "أثر الفراشة لا يُرى/ أثر الفراشة لا يزول/ هو شامة في الضوء تومئ/ حين يرشدنا إلى الكلمات باطننا الدليل". حديث الطائرة تحكى الرواية عن "ضحى الكناني" زوجة العضو القيادى فى الحزب الحاكم، ورفضها لحياتها مع زوجها بسبب فشل علاقتهما الحميمة وحرمانها من الأولاد. كانت تشغل نفسها عن هذه المشكلة في الماضي بدراسة تصميم الأزياء عله يعطي لأيامها معنى. وأثناء توجهها لعرض أزياء في صالون ميلانو الشهير بإيطاليا، تلتقي في الطائرة بقطب المعارضة، الناشط السياسي والمعماري الشهير دكتور أشرف الزيني، الذي جذب اهتمامها بحديثه الصادق عن حكم الشعب والديمقراطية ، والذي يتطلب القضاء على الفساد وإرساء مبدأ تداول السلطة، وحظر تزوير إرادة الناخبين. وقال المعارض أن هذه مباديء أولية في أي نظام سياسي محترم، وهي مباديء ينادي بها الناس من دون أيديولوجية شيوعية ولا إسلامية. ثم تحدث للبطلة قائلا: "بعد إصلاح نظامنا السياسي فلتأت الحكومة التي تنجح في الانتخابات سواء أكانت يسارية أم يمينية .. لا يهم". ويواصل مدافعا عن حركات المعارضة بعد أن اتهمتها "ضحى" باستغلال معاناة الناس ودفعهم إلى الاعتصامات ليس لغرض إلا إسقاط الحكومة والقفز إلى مقاعد الحكم قائلا: ".. نحن لم نتسبب في معاناة الناس، الحكومة هي التي تسببت فيها، إن ما فعلناه نحن هو إعطاء صوتاً لمن لم يكن لهم صوت. وصدقيني لا أحد يستطيع أن يدفع الناس إلى الخروج في المظاهرات والاصطدام بقوات الأمن والتعرض للضرب أو الاعتقال، إن لم يكن الناس قد طفح بهم الكيل". اقتنعت ضحى بما سمعت فانضمت لصفوف المعارضة المصرية، واعتذرت عن عرض الأزياء الإيطالي الذي كان يمثل حلم حياتها. كان أهم ما يميز أزياء "ضحى" تأثرها بشكل الفراشة في ألوانها الزاهية وأجنحتها، وكانت تحب الفراشات لأنها رمز حياتها الجديدة حيث تتحول من دودة محبوسة داخل شرنقة، إلى فراشة طليقة في الهواء تستنشق عطر الأزهار . ولكن أشرف الزيني أقنعها أن أزياءها لابد أن تعبر عن الحضارة المصرية العريقة لتجذب اهتمام الحضور، فكرت بالفعل في حديثه، وقد شاهدت بروما كتابا يحمل اسم "فراشات مصر" وقرأت أن الفراش له موطن ، ومصر لها فراشاتها واسمها "النمر" وقد عاصرت فراعنة مصر القديمة ولها مذاق مر، وهو سام لمن يحاول التهامه من الطيور أو الحيوانات الأخرى. مطالب شعبية " إخواني أخواتي، البلد كله يتطلع إليكم. العالم كله يتابع خروجكم اليوم في هذه المظاهرة التي نتمنى ألا تغيب دلالاتها عن ذلك الحزب الديكتاتوري المستبد، الذي يسيطر على مقاليد البلاد..تغيرت الدنيا من حولنا، وهو لم يتغير". هكذا تحدث بحماس الدكتور أشرف الزيني إلى الشباب في مصر للخروج في مظاهرات من أجل حياة سياسية نزيهة، مضيفا: " ..حين نطالب بتعديل الدستور فنحن نطالب بالحياة الحرة الكريمة لأبناء هذا الشعب، فالحرية هي التي تصون قوت الناس والديكتاتورية هي التي تأكل حقوقهم، إن هذا الشعب ليس شعباً خنوعاً، وهو لا يقبل الضيم، إن هذا الشعب حين يغضب فليس هناك من يستطيع أن يواجه غضبه، هذا الشعب سيثور من جديد ليسقط حكم حزب الفساد والاستبداد والطغيان". كانت هذه هي المظاهرة التي شاركت فيها أيضا "ضحى" بعد عودتها إلى مصر، وشاهدت بعينيها اعتقال الدكتور الزيني من قبل سلطات الأمن، وشاهدت الانتهاكات التي تعرض لها المتظاهرين، وفي اليوم التالي انقلب البلد رأساً على عقب بعد أن استجاب للزيني في الإعتصام والعصيان. وسيلة الاتصال بين مختلف التجمعات الشعبية التي لبت نداء الزيني كانت الإنترنت والتليفون المحمول، وانتشرت رسائل تدعو كل من يرفض حزب القهر والاستبداد وحكومته الفاسدة أن يبقى في بيته ولا يذهب إلى عمله حتى تتم الاستجابة للمطالب الشعبية. وتحاول الحكومة حسب الرواية أن تكشف عما اعتبرته مؤامرة مدعومة من الخارج لقلب نظام الحكم، فتعتقل جميع أقطاب المعارضة والمتعاملين معهم. رضوخ الحكومة يمضى سيناريو الرواية إلى تخيل امتناع معظم الموظفين للذهاب إلى أعمالهم، وكذلك غلق التجار أبواب محالهم، ولم تكتف الجماهير بالتزام المنازل بل نزلت إلى الشوارع في مظاهرات عمت جميع أنحاء القاهرة انتقلت خلال ساعات إلى الإسكندرية، ثم إلى صعيد مصر وعدد من المحافظات. شعر الناس بأنه لا أمل في عدول الحزب عن وسائله البالية في عدم الاستجابة لمطالب الجماهير، وفي التنكيل بأي قوة معارضة، وبات من الصعوبة بمكان السيطرة عليهم. استعانت الحكومة بوزير الدفاع لنزول الجيش إلى الشارع، ولكن الوزير رفض مؤكدا أن الجيش وجد للدفاع عن أرض الوطن ضد الغزاة والمحتلين، وليس لضرب المصريين أيّاً كانت انتماءاتهم أو أفعالهم. وهكذا تضطر الحكومة أن تتخلى عن عنادها، فتعلن استقالتها، ليتم تشكيل هيئة وطنية، تدعو لتشكيل جبهة ائتلافية، تعد لانتخابات حرة ونزيهة لأول مرة منذ سنوات طويلة. على إثر تلك الأحداث يتم اختيار الدكتور أشرف الزيني رئيساً للائتلاف، ليعلن أنه تم الاتفاق على تشكيل هيئة وطنية عليا مكونة من ممثلين عن مختلف القوى الوطنية، تكون مهمتها تسيير أمور البلاد لمدة ثلاثة أشهر يتم خلالها عقد انتخابات جديدة تُمثل فيها جميع الأحزاب والقوى المشاركة في الائتلاف. حيث سيتعين وضع دستور جديد يتم في ضوئه مراجعة جميع القوانين السارية بما يسمح ببداية مرحلة جديدة في تاريخ البلاد تسعى لتحقيق آمال الجماهير التي تعطلت طوال السنوات الماضية. عودة الروح لم يكن هذا هو الخط الوحيد الذي تمسك به الرواية، فقد كان هناك خط متواز آخر يتمثل في كفاح أخوين مصريين فقيرين من أجل تحقيق الذات، يتعلق أحدهما وهو "أيمن" بحلم البحث عن أمه التي طلقها أبوه وهو طفل وأوهمه بموتها، بينما يكتشف أنها لا تزال على قيد الحياة فيفعل المستحيل مع خطيبته وأصدقائه للعثور عليها والارتماء في حضنها الدافئ كالوطن. أما أخوه الثاني عبد الصمد فهو يتعلق بوهم الزواج من شيخة كويتية تراسله على شبكة الانترنت وتحثه على السفر إليها بعد أن يدفع للوسيط خمسة آلاف جنيه حفيت قدماه لجمعها بعد أن استدان من كل من يعرفه، إلى أن يكتشف أنه وقع ضحية عصابة منظمة لبيع الأوهام للشباب ولا يصبح أمامه إلا الضياع. وبحسب ما كتبه الناقد الكبير صلاح فضل على غلاف الرواية يستمر الخطان في التوازي طيلة الرواية دون أن تلوح في الأفق نقطة التقاء إلا في النهاية، فحين يصل الوطن إلى الخلاص أخيرًا من حكم الحزب الفاسد والمتسلط، يكون أيمن قد عثر على أمه التى كان يبحث عنها، وتكون ضحى قد تخلصت من زواجها الفاشل الذى فرض عليها رغمًا عنها، حيث تُطلق من زوجها وتتفق مع الدكتور أشرف الزيني على الزواج، لتتحول كما تقول من يرقة رخوة لا حول لها ولا قوة إلى فراشة جميلة نمى لها جناحان فصارت قادرة الآن على التحليق فى السماء. ** محمد سلماوى رئيس اتحاد كتاب مصر صدرت له ثمان مجموعات قصصية كانت آخرها "عشر برديات مصرية"، بالإضافة إلى مسرحياته العديدة التى عرضت بنجاح كبير فى مصر وفى الخارج والتى من أشهرها "سالومى"، كما ترجمت أعمال محمد سلماوى إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية.