تقرير جديد صدر أخيراً، كشف عن المزيد من اتساع الهوة بين سود أميركا والأغلبية البيضاء. فقد كشف تقرير «حال الأمة السوداء» عن فجوة خطيرة بين سود أميركا وغيرهم في المجتمع الأميركي. واسم التقرير، «حال الأمة السوداء» أو «حال أميركا السوداء» يأتي مقتبساً الاسم نفسه الذي ابتدعه الدستور الأميركي للخطاب الذي يجب على الرئيس الأميركي إلقاؤه في بداية كل عام. فالرئيس يلقي خطاباً عن أحوال الاتحاد الفيدرالي، لذلك، صار الخطاب يسمى «خطاب الاتحاد». وقد اعتادت واحدة من أكبر منظمات السود الأميركيين، وهي «الاتحاد الحضري العام» أن تصدر سنوياً تقريراً يطلق عليه اسم «حال أميركا السوداء» تجمع فيه المعلومات عن تطور أحوال السود في كافة المجالات. وهو تقرير رصين يقابل بجدية لما يأتي فيه عادة من إحصاءات وأرقام، تعتبر بمثابة مادة أولية، يمكن استخدامها للمزيد من البحث والدراسة. وفي تقرير هذا العام الذي حمل عنواناً معبراً هو «أمة واحدة تحت مستوى التوظيف: الوظائف من أجل إعادة بناء أميركا»، كشف التقرير عن أن الفجوة بين السود والبيض على المستوى الاقتصادي صارت أكثر اتساعاً مما كانت عليه منذ عامين، بل إن سود أميركا صاروا في قاع السلم الاجتماعي مقارنة بغيرهم من الأقليات الإثنية والعرقية الأخرى. فبالنسبة للذين هم تحت مستوى التوظيف، كشف التقرير عن أن نسبتهم بين السود تصل إلى أكثر من من 20,5 % بينما تصل بين البيض إلى 11 %، وتصل بين الأميركيين من أصول لاتينية إلى 18 %. والسود كما تقدم يحتلون النسبة الأعلى رغم أنهم لا يتعدون 13 % من عدد السكان. أما بالنسبة لمعدل البطالة، فإنه يصل بين السود إلى 13% وبين البيض إلى 6,5 % ولا يزيد بين الأميركيين من أصول لاتينية على 9%. والتقرير يفضح أيضاً الفجوة الواسعة بين دخول البيض والسود في المنطقة الواحدة. فبينما كشف التقرير عن تباين بين الولايات، حيث توجد بعض الولايات التي يقل فيها التفاوت في الدخول، إلا أن ولايات أخرى كولاية مينيسوتا تتسع فيها الفجوة بين متوسط دخل الأسرة البيضاء في عاصمة الولاية ومتوسط دخل الأسرة السوداء ليكون بالنسبة للأولى 71 ألف دولار سنوياً مقابل ما لا يزيد على 28 ألف سنوياً للثانية. وقد تزامن مع توثيق الهوة بين السود والبيض الذي أثبته تقرير «حال أميركا السوداء» أخبار أخرى أكثر بؤساً حملها تقرير رسمي آخر صادر عن وزارة التعليم الأميركية تناول التمييز العنصري. فقد عرض التقرير نتائج دراسة قامت بها الوزارة عن التمييز العنصري في المدارس، فكشفت عن أن الأطفال السود عرضة للعقاب والتوقيف بل والطرد كلية من النظام التعليمي وربما السجن أيضاً أكثر من غيرهم بمقدار مرتين. وذكر التقرير أن احتمال التعرض لأي من ذلك يشمل كل مراحل التعليم بما في ذلك مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي، أي الحضانة. وقال التقرير إنه على الرغم من أن الأطفال السود يمثلون 18% فقط من كل أطفال مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي، إلا أنهم يمثلون أكثر من نصف الأطفال الذين يتم إيقافهم عن الدراسة أكثر من مرة في تلك المرحلة المبكرة للغاية من حياتهم التعليمية. والحقيقة أن مسألة توقيف الأطفال في مرحلة التعليم ما قبل الابتدائي ليست جديدة وهي ذكرتني على الفور بقصة تابعتها عبر شاشة سي إن إن، حين وقعت أحداثها منذ سنوات وراجعت تفاصيلها عندما قرأت التقرير. فالقصة وقعت عام 2012 لطفلة صغيرة سوداء لم تبلغ السادسة من عمرها. وقتها لم يتم فقط وقفها عن الدراسة وإنما تم استدعاء الشرطة لها بحجة أنها «كانت عصبية للغاية في الفصل»، وتم نقلها لحجرة الناظرة وتم استدعاء الشرطة. وحين جاء الضابط شهد بأنه، كما نقلت سي إن إن، وجد الطفلة على الأرض تبكي وتصرخ، ولاحظ تدميراً في الأثاث (!)، ثم قاومته الطفلة وهو يسعى لحملها، ثم قيد يديها وحملها إلى قسم البوليس، حيث اتهمت بالعنف وتحطيم ممتلكات! كل هذا وهي في السادسة من العمر. والأرجح أن ما فعلته الطفلة يفعله المئات من الأطفال البيض فيتم تهذيبهم وتدريبهم على السلوك السليم دون استدعاء البوليس. وقد أثبتت الدراسات أن توقيف الأطفال السود أو طردهم من المدرسة يؤثر في أدائهم الدراسي وفي أحيان كثيرة يكون هو بداية الزج بهم إلى السجون عبر تسليمهم للإصلاحيات أو للشرطة لأسباب كان يمكن علاجها مدرسياً، فيدخل الشاب في حلقة مفرغة لا يخرج منها أبداً. وهي ربما مسؤولة بدرجة ما عن العدد الهائل من السود الذين تمتلئ بهم السجون الأميركية. فرغم أن السود لا يزيدون على 13% من عدد السكان، إلا أن نصف الذين يعيشون خلف القضبان الأميركية من السود. عندما أقرأ الفجوة الاقتصادية التي يتحدث عنها تقرير حال أميركا السوداء أو أتأمل حال الأطفال الصغار الذين يتم عقابهم عقاباً شديداً لأتفه الأسباب، أسأل نفسي، ترى ما الذي كان سيفعله مارتن لوثر كنغ لو كان بيننا اليوم؟ فكنغ في آخر مشواره تحول إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسود أميركا، ولكنه اغتيل قبل أن يستطيع أن يحقق منها شيئاً. لكن الأخطر في الواقع هو حال الأطفال الذين تنتزع طفولتهم مثل الطفلة الصغيرة ذات الستة أعوام التي قال عنها الضابط إنها قاومته حين حاول حملها وتقييدها، ما يعنى أنها «قاومت السلطات عند القبض عليها وتقييدها». ترى ما الذي كان سيقوله مارتن لوثر كنغ لهذا الضابط؟ نقلا عن صحيفة " البيان" الاماراتية