انعقد فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، مؤتمر «مصر فى مفترق الطرق: دراسات أدبية ولغوية»، فى الفترة من 4 إلى 6 نوفمبر، وقد اخترت اليوم أن ألقى الضوء على واحدة من الجلسات العامة على هامش المؤتمر، وكانت عن الجامعات المصرية ودورها. تحدث فى الندوة كل من الأساتذة عماد أبوغازى ومحمد أبوالغار ورضوى عاشور، اختار د. عماد أبوغازى أن يلقى الضوء على صورة الناشط السياسى فى السينما المصرية، وحسبما أوضح، فهى فى الأغلب صورة مبتورة وعاجزة عن تصوير الواقع الحقيقى للنشاط السياسى الجامعى، وقدر إسهامه فى الحركة الوطنية المصرية على مدى قرن من تاريخ الجامعة المصرية، وتحدث د. أبوالغار عن ماضى الجامعة مقارنة باللحظة الآنية، وقدم تحليلا لأسباب تراجع دور الجامعة على مستوى البحث العلمى مثلما على المستوى التثقيفى لطلابها ومستوى العملية التعليمية والنشاط الطلابى: رياضيا أو ثقافيا أو سياسيا. ففى مئوية الجامعة نسترجع ما قاله قاسم أمين فى افتتاحها، حين عبر عن أنها أمل المصريين فى تخريج دفعات من الطلبة شغوفين بالمعرفة، وننظر إلى حالنا الجامعى اليوم فنشعر بالأسى! أما د. رضوى عاشور، فقد اختارت مدخلا آخر للحديث، حيث ربطت بين تربع أول رئيس أسود فى البيت الأبيض للولايات المتحدةالأمريكية من ناحية، والخوف الذى تغلغل فى نفوس المصريين من خلال العملية التعليمية من ناحية أخرى، قال أوباما فى حديثه للأمريكيين لحظة انتصاره: «سوف ننتصر» مكرراً كلمات المناضل الأسود فى حركة الحريات المدنية فى الستينيات مارتن لوثر كينج، وقد ردد الأمريكيون وراء أوباما: «باستطاعتنا أن ننتصر». أما عن التعليم فى مصر فقد ذكرت د. رضوى الحادثتين المؤسفتين لموت الطفل «إسلام» فى فصله على يد مدرسه فى الإسكندرية أواخر أكتوبر، وموت الطفلة «خديجة» التى لحقت بزميلها الذى لا تعرفه بعد الحادثة الأولى بأيام، سقطت الطفلة فى الفصل قبل تنفيذ العقاب عليها وعلى زملائها، سقطت قبل أن تصلها ضربة مدرسها، سقطت «خديجة» خوفا، ولم يكن ذلك ليحدث لو لم تكن تعرف قصة إسلام.. وتتراوح أشكال الخوف فى التعليم المصرى بين العقاب البدنى والعقاب النفسى بالنفى والتشريد والحرمان من لقمة العيش أو العيش الآمن. أصبحت الجامعة مسكونة بالخوف من المؤسسة، فتراجع دورها الأول: فتح أبواب المعرفة، والتحريض على كسر القوالب الجامدة للتفكير، والانطلاق إلى آفاق مبدعة وجديدة وقادرة على المغامرة. ورفضت د. رضوى الاستسلام للفكر المتشائم، فقد أكدت أنه حتى فى أحلك اللحظات هناك دوما «أستاذ شارد» أو «تلميذ شارد» بإمكانه أن يتمسك بلحظة تمرد على حالة الموات. إذا كان الأفارقة الأمريكيون قد فاز لهم أول رئيس بعد أكثر من ثلاثة قرون من العبودية ومن بعدها التفرقة العنصرية ومعاناة الاضطهاد بسبب اللون والعرق، فليس بعيداً علينا أن «ننتصر» نحن أيضا، ونستعيد حريتنا من براثن الأمن الرابض على قلوبنا وعلى بوابات الجامعة وداخلها. كانت الندوة الخاصة بأحوال الجامعة المصرية ثرية وساخنة بالرغبة فى كسر قيود العقل، المفروضة على الأساتذة والطلاب من أعلى، وفكرت فى المقارنة التى عقدتها د. رضوى بين تحقق نبوءة مارتن لوثر كينج بعد ما يقارب الأربعين عاما من قولها، وحال كل المناضلين من أجل جامعة مصرية حرة وقوية ومالكة زمام نفسها. أردت فقط أن أضيف شيئاً صغيراً كى تكتمل المعادلة: أن الأفارقة الأمريكيين لم يتوقف لهم نضال منذ زمن العبودية وحتى هذه اللحظة التى يتولى فيها أحدهم رئاسة أمريكا، لقد رصدوا بفنونهم السوداء (موسيقى وشعراً ورواية وفناً تشكيلياً) هويتهم العرقية وحلم الحرية والنضال من أجلها، فغيروا من الخارطة الفنية الثقافية لأمريكا، كما دفعوا دماءهم وأرواحهم ثمناً يليق بالحرية، أما نحن، فإن كنا نرغب فى «أن ننتصر»، فعلينا أن نستوعب جيداً الدرس الأسود.