"يا مسرى المختار وداعا.. واليك يا أمي وصية.. احكي لشباب الإسلام.. قصة آيات العربية".. هي ذات السابعة عشر عاما زفت إلى مثواها الأخير قبل أن تزف لعريسها، وتصبح أما تنجب البنون ليحررون الأرض المحتلة كونها في ذلك كأي فلسطينية احتلت أرضها ومازالت تبكي بعد أن باع إخوانها القضية.. إنها آيات محمد الأخرس ابنة مخيم الدهيشة للاجئين القريب من مدينة بيت لحم. وككل الفلسطينيين والفلسطينيات حلمت "الأخرس" أن يأتي اليوم الذي ترى فيه أرضها محررة، وعلم وطنها مرفوعا يرفرف ككل بلدان العالم، ولم يكن باستطاعتها أن تحمل السلاح لكنها وهبت روحها ثمنا للدفاع عن أرضها المغتصبة، وعايشت الانتفاضة الثانية وأغضبتها دماء الشهداء وحرقة قلوب الأمهات وهذا ما دفعها للخطوة التالية. نيل الشهادة.. حلم كل عربي أو قل حلم كل فلسطيني فقد بات الكثير من العرب مشكوك في أمرهم، زينت نفسها واستعدت للحظة الحاسمة، وفي أحد المتاجر بالقدسالمحتلة قبل هذا اليوم باثني عشرة عاما، فجرت نفسها في عملية انتحارية ضد الاحتلال الصهيوني، وكانت الثالثة لفتاة فلسطينية. ميلاد زهرة الجنة ولدت آيات الأخرس في 20 فبراير عام 1985، وكانت الأخت الرابعة بين أشقائها، وتميزت بالتفوق الدراسي، وتمت خطبتها وكان من المقرر زواجها بعد انتهائها من دراستها في المرحلة الثانوية لكن قضيتها ووطنها كان لهما الأولوية والسبق. احتفظت بصور شهداء الانتفاضة، والاستشهاديين اللذين اعتبرتهم مثلها الأعلى، والتي أصبحت واحدة منهن فيما بعد، وكانت كثيرا ما تتساءل عن جدوى الحياة حسبما ذكرت والدتها أنها كانت كثيرا ما تسألها "ما فائدة الحياة إذا كان الموت يلاحقنا من كل جانب؟ سنذهب له قبل أن يأتينا، وننتقم لأنفسنا قبل أن نموت". وداع وزفة إلى السماء بعد قيام الاحتلال الإسرائيلي باجتياح القدسالغربية بدأت المنطقة التعليمية بالمدينة اعطاء دروسا تعويضية للطلاب، وهو ما جعل من "الأخرس" وزملائها يتوجهون للمدرسة في أيام الجمعة، حتى جاء يوم الحسم، فخلال عودتها مع صديقاتها لمنازلهم توقفت في منتصف الطريق وودعتهم قائلة لهم " إنني أريد إنجاز عمل"، وأعطت بعينين دامعتين إحدى زميلاتها المقربات "خطابا" كتبته وأعطته لها وطلبت منها ألا تقرأ ما فيه إلا بعد يوم من الآن. و"إلى أين؟".. كان السؤال الذي وجهته صديقتها لها، ولكنها لم تتلقى أى رد على سؤالها سوى العناق ثم رحلت، حينها فهمت صديقتها أنها في طريقها لعملية استشهادية، وقبل أن ترتدي فستانا أبيض لتزف به يوم عرسها، ارتدت بدلة الجندية والكوفية الفلسطينية، وحملت حقيبة مملوءة بالمتفجرات وتوجهت إلى أحد شوارع القدسالمحتلة، وفجرت نفسها لتزف إلي السماء، وتبقى ذكراها مثلا يحتذي به، ووصمة عار على العرب حينما تذهب نسائهم للآخذ بالثأر، وهم غارقون في سبات عميق، وأسفرت عمليتها الاستشهادية عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة عدد آخر. الشهيدة أسيرة لمدة 12 عاما بعد استشهادها ظل رفات "الأخرس" أسيرا لدى قوات الاحتلال حتى تسلمه أهلها مطلع فبراير الماضي لترقد روحها في سلام أمام أعين عائلتها بعد غياب دام 12عاما. وتقول والدة "الأخرس" بعد تسلمها رفات ابنتها "اليوم سيغلق قبرها وحزني المفتوح عليها منذ اليوم الأول من سماع نبأ شهادتها عام 2002، كل يوم كنت أدعوا الله أن يرجعها حتى ندفنها كما تستحق". الأم المكلومة على ابنتها توجهت إلى قبرها قبل سنوات استعدادا لاستقبال رفات الشهيدة، نزلت إليه لتزيل الحجارة وتجهز مدفن فلذتها لكي "ترتاح بنومتها". في الذاكرة رحلت "الأخرس" ورحل غيرها ولكنها ومن على شاكلتها باقون في الذاكرة.. النسيان خصيمنا تجاههم، رحلت ورحل غيرها وسيرحل آخرون، طالما هناك من العرب نائمون لإخوانهم لا يتذكرون!. «عروس العوالي» شعر سعودي ثناء على الشهيدة كتب عنها الشاعر السعودي غازي عبد الرحمن القصيبي قصيدة الشهداء، يثنى فيها على الشهيدة وعلى شهداء القضية الفلسطينية منتقدا التخاذل العربي، كان من نصها: قد عجزنا.. حتى شكا العجزُ منّا وبكينا.. حتى ازدرانا البكاءُ وركعنا.. حتى اشمأز ركوعٌ ورجونا.. حتى استغاث الرجاءُ وشكونا إلى طواغيتِ بيتٍ أبيض.. ملءُ قلبهِ الظلماءُ ولثمنا حذاء شارون.. حتى صاح "مهلاً! قطعتموني!" الحِذاءُ أيّها القوم! نحن متنا.. ولكنْ أنِفت أن تَضمّنا الغَبْراءُ قل "لآيات" يا عروس العوالي كل حسن لمقلتيك الفداء حين يخصى الفحول.. صفوة قومي تتصدى للمجرم الحسناء تلثم الموت وهي تضحك بِشرًا ومن الموت يهرب الزعماء