تكلمنا في مقالة سابقة عن أن الأزهر أشعري المذهب بالرغم أنه يدرس كل المذاهب الإسلامية في أصول الدين وأصول الفقه والفقه ودون الدخول في عمق المذهب الأشعري أردت أن يكون لنا ملمح تاريخي يساعدنا على الفهم وسأشير إلى كتابين أحدهما للإمام أبي زهرة والآخر للدكتور محمد عمارة فقد جاء في كتاب تاريخ المذاهب لأبي زهرة - ولد الأشعرى بالبصرة سنة 260 ه وتوفى ثلاثين وثلاثمائة ونيف بعد الهجرة ،تخرج على المعتزلة فى الكلام ،وتتلمذ لشيخهم فى عصره أبى على الجبائي ،وكان لفصاحته يتولى نائبا عن شيخه . ولكن الأشعرى وجد من نفسه ما يبعده عن المعتزلة فى تفكيرهم مع أنه تغذى من موائدهم ،ونال من ثمرات تفكيرهم ،ثم وجد ميلا إلى آراء الفقهاء والمحدثين ،مع أنه لم يغش مجالسهم ولم يدرس العقائد على طريقتهم . كما جاء في كتاب : تيارات الفكر الإسلامي للدكتور محمد عماره ص 196: 197 ما يلي: في الربع قرن الذي عاشه الأشعري ، ببغداد ، بعد خروجه على المعتزلة ، نهض بدور الرياده في وضع قواعد مذهبه الجديد ، وتأسيس وسطيته الجديدة .. ناظر خصومه ، من المعتزلة و الحشوية و جادلهم ...وصنف ثمانية و تسعين مصنفا ... و أيضا تخرج على يديه كوكبة من التلاميذ الذين أصبحوا الكتيبة الأولى في جيش الأشعرية الفكري !...ومن هؤلاء التلاميذ : أبو عبد الله بن مجاهد البصري ..و أبو الحسن الباهلي ..و أبو الحسين بندار بن الحسين الشيرازي (المتوفى سنة 353 ه ) .. وأبو بكر القفال الشاشي الفقيه .. و أبو سهل ألصعلوكي (المتوفى سنة 369 ه )..و أبو زيد المروزي (المتوفى سنة 371 ه ) ..إلي آخر أعلام الطبقة الأولى من تلامذته الذين باشروا التتلمذ على يديه .. ثم توالت طبقات أعلام الأشعرية وعلمائها ،الذين سلكوا طريق الأشعري ،وحذوا حذوه ،أو طوروا وأضافوا في إطار المذهب الذي قعد قواعده ، الأمر الذي خرج بالأشعرية من نطاق بغداد حتى رأيناها مذهب جمهور الأمة الإسلامية في الاعتقادات. لقد بدأت الأشعرية تسلك طريقها إلي ما وراء بغداد وتنتشر بالعراق منذ ثمانينيات القرن الرابع الهجري .. وحتى ذلك التاريخ لم تكن قد تعرضت لاضطهاد السلفية النصوصية ،إذ كان اضطهادها موجها إلى الشيعة والمعتزلة في الأساس ..فلما أقترب القرن الرابع من نهايته ،وبدأ انتشار الأشعرية خارج بغداد ، بدأت تتعرض لاضطهاد السلفية النصوصية الحنبلية بعد ميل كوكب الاعتزال جهة الغروب ، الأمر الذي جعل "عقلانية "الأشعرية – وقد أخذت تتزايد – هي مصدر القلق الأساسي للسلفيين النصوصيين ؟!.. ولقد كانت المحن والاضطهاد التي وجهها الحنابلة إلى الأشعرية خيراً وبركة :سببت انتشارها خارج العراق ؟!..فإعلامها الذين اضطهدوا ،فغادروا العراق ،حملوا معهم المذهب إلى مواطنهم الجديدة ، فنشروه فيها !.. ولذلك كان القرن الخامس الهجري هو قرن انتشار الأشعرية .. ففي المشرق أخذت تنافس الماتريدية.. وفي المغرب أخذت طريقها إلي صقلية و القيروان و الأندلس ..ثم سادت المغرب على يد المهدي محمد بن تومرت ]485- 524ه 1092 1130م[ حوالي سنة 500ه سنة 1107م .. ولقد ساعدها على ذلك عوامل كثيرة ،منها العام ،ومنها الخاص بذلك القرن .. فوسطيتها كانت قد جعلتها مهيأة أكثر من غيرها كي تلبي حاجة أوساط جمهور الأمة في قضايا الاعتقاد ..وكون تراث فقهاء الإسلام العظام وخاصة في أصول الفقه ،أحد منطلقاتها الفكرية فتح أمام عقائدها الطريق في كل أرض سادها فقه هؤلاء الفقهاء .. هذا إلي ما حفل به القرن الهجري الخامس من ظهور أعلام عمالقة ، اغنوا المذهب ، وحققوا هيمنة فكرية على أمة الإسلام ،من أمثال حجة الإسلام الغزالي ..وغيره ممن اقترب من مكانته العلمية الفذة ومجده الفكري العظيم !..ولقد دعم من الإمكانيات الذاتية الأشعرية هذه ما صنعته نظم الحكم السنية عندما رأت في الفكر الأشعري "الأيديولوجية " التي تمكنها من الإجهاز على "الأيديولوجية الشيعية ،عندما واجهت هذه الدول مهام وراثة مجتمعات كانت تحكمها الشيعة و يسود التشيع فيها .. صنعت ذلك الدولة السلجوقية ] 429 – 582ه 1037 – 1186م [ في المشرق ، عندما ورثت ملك الدولة البويهية ] 320 – 447 ه 932 – 1055م[ .. وصنعت ذلك أيضا الأيوبية ]567- 648ه 1171 – 125م[ عندما اقتلعت من المجتمع المصري أثار تشيع الدولة الفاطمية ]297- 567ه 909 – 1171 م [..الأمر الذي بسط هيمنة الأشعرية العقائدية على المشرق الأقصى ،بمساعدة الدولة السلجوقية ،و على قلب العالم الإسلامي ، بمساعدة الدولة الأيوبية ،وعلى المغرب الأقصى ،بمساعدة دولة الموحدين ]524 – 668ه 1129 – 1269م [ التي قادها إمامها و مهديها محمد بن تومرت ..الذي تتلمذ على يد الإمام الغزالي .. فبمؤهلات البنية الفكرية للأشعرية ..و الترغيب ..والترهيب ..حققت سيادتها على عقائد جمهور المسلمين !... ولنا تكملة إن شاء الله.