دور الأزهر في تعليم اللغة العربية وتعاليم الإسلام للأفارقة كان الأفارقة يستقبلون رجال الأزهر بحفاوة بالغة تحول أفريقيا لقارة دموية تواجه التنصير غياب دور الأزهر في مواجهة العنف في أفريقيا الأزهر والقارة السمراء، عروسان كانا في أوج توافقهما، فهو راعي الإسلام وحاميه منذ عهود مضت، وهي السمراء التي اندمجت في تعاليم الأزهر وعلت مكانته ومكانة أصحابه، وبتغير الأزمان والأنظمة السياسية، وانشغال الكافة بالسياسة، انفصل العروسان وظلا في تخاصم إلى يومنا هذا. عُرف الأزهر الشريف بأنه منارة عالمية للإسلام، وناشر لتعاليم الإسلام في شعوب لم تعرف منه إلا اسمه فقط، ولكنه أخطأ وانشغل بالسياسة، فاقدا دوره الفاعل داخل حدود أفريقيا، فانقلب الحال وأصبحت قارة تواجه عمليات تنصير مقلقة. تعليم اللغة العربية وتعاليم الإسلام: منذ عقود مضت، شغل الأزهر مكانة مميزة في إفريقيا، كمؤسسة إسلامية، بداية من تعليم اللغة العربية وتعاليم الإسلام من خلال مبعوثين ومعاهد التعليم الابتدائية الأزهرية، والمشاركة في استقلال إفريقيا ودعم نضالها ضد الاستعمار. ففي جنوب أفريقيا، كان عدد موفدي البعثة الأزهرية هناك إلى 20، فيما يتواجد حوالي 27 معهدا أزهريا بإفريقيا. وتضمن دور الأزهر أيضا إرسال القوافل الطبية وسبل الإغاثة إلى النيجر والصومال والسودان وغيرها من الدول الأفريقية، وإنشاء مراكز ثقافية بالدول الإفريقية تحت مسمي مركز الأزهر لتعليم اللغة العربية، وإنشاء الرابطة الإفريقية لخريجي الأزهر وبرلمان أفريقيا من الطلبة الوافدين. الأزهر ومكافحة الاستعمار: لعب رجال الأزهر دورا سياسيا هاما باتصالاتهم مع زعماء حركات الإصلاح والمعارضة الإفريقية إبان فترة الاستعمار، مثل حركات "عثمان بن فودي، الحاج عمر التكروري، أحمدو لوابو" في غرب إفريقيا، وكذلك حركة "السنوسية" في ليبيا و"المهدية" في السودان. وكان لقادة هذه الحركات الإصلاحية في إفريقيا، اتصال مع الأزهر سواء حركات مواجهة الاستعمار أو الإصلاح، كما عملوا على إعلاء قيم الحق والمبادئ والقضاء على البدع والخرافات. نسيج واحد: كان الأفارقة يستقبلون مبعوثي الأزهر استقبالا حافلا، وتولى رجاله العديد من المناصب القيادية الهامة في القارة السمراء، حيث لم يكن هناك تمييز بين الأفريقي صاحب الأرض، والأزهري المبتعث الذي كان قدوة للمسلمين غير العارفين بشئون دينهم. وصلت نسبة الطلاب الأفارقة الوافدين للدراسة بالأزهر إلى 65%، وفي المقابل يرسل الأزهر 75% من مبعوثيه إلى القارة السمراء، يصل عددهم إلى 400 فرد. بعثات تواجه عقبات: ولتغير الأزمان وتوتر العلاقات بين الدول عما كانت عليه قبل، قلّت البعثات إلى القارة السمراء، وانطوى عصر بريق الأزهر في أفريقيا فشابه الصدأ؛ فبينما يواجه المبتعثون معوقات إتقان لغة البلد، كذلك عدم إدراكهم لعادات وثقافات الشعوب الأفريقية، وعدم قدرة المبعوثين على التكيف معها أو حتى إلمامهم بطبيعة الأوضاع السياسية حولهم. وفي الوقت نفسه، قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في لقاء سابق، إن الأزهر يحاول دعم البعثات والطلاب الأفارقة الوافدين للدراسة بالأزهر الشريف في جميع المجالات العلمية. التواجد الأزهري يتركز في بعض المناطق الإفريقية على حساب غيرها، ففي إثيوبيا يقل تواجد الأزهريين فيها رغم أهميتها بالنسبة لمصر كونها تحتوي على منابع النيل والخطر الذي تمثله لمصر الآن بعد إنشاء سد النهضة وتهديد البلاد بحالة جفاف وعطش. تحول دموي وغياب وعي: فقد الأزهر مكانته تدريجيا وأصبح وجوده ضئيلا بلا تأثير؛ حيث تعيش القارة السمراء في حالات عنف واضطهاد للمسلمين في إفريقيا الوسطى؛ لاسيما عقب قيام مجموعة "سيليكا" الإسلامية المسلحة، بعزل رئيس البلاد المسيحي الذي جاء إلى السلطة إبان انقلاب 2003. في ديسمبر الماضي، قتل ما يقرب من 600 شخص، وهو ما أدانه الأزهر في بيان له محملا حكومة إفريقيا الوسطى المسئولية وداعيا إياها باتخاذ كافة السبل لحمايتهم من اعتداءات المتطرفين. وخلال الفترة نفسها، أعلنت الحكومة الأنجولية طرد المسلمين باعتبارهم "فئة غير مرغوب فيها" وهدم مساجدهم، حيث أصبح المسجد الوحيد المتواجد في العاصمة الانجولية مساويا للأرض بعد تفكيك مئذنته في فترة سابقة. طالب الأزهر بإيفاد لجنة تقصي الحقائق وأوضاع المسلمين بالبلاد، مناشدا الحكومة الأنجولية بتوضيح الأمر وتحديد موقفها صريحًا وواضحًا، والتعامل بعقلانية بعيدة عن ردود الفعل التي تزيد المواقف تعقيدًا. السياسة أفسدت الأزهر: فسر الدكتور مجاهد الجندي، أستاذ التاريخ الإسلامي، تراجع دور الأزهر في القارة السمراء، بأنه نتيجة لانشغال المؤسسة بالخلافات السياسية والتبرير لأخطاء الحاكم، في المقابل نشطت الكنيسة من دورها وأصبح لوجودها نفوذ قوي بعد قيامها بحملات للقضاء على المجاعات وغيرها مما جعل المسلمين هناك عرضة للتنصير. وتسبب هذا الوضع المأساوي داخل حدود القارة السمراء من مسلمين محبين للأزهر والإسلام، إلى محاربين يقاتلون من أجل البقاء، مستثنين دور الأزهر بعيدا، حيث انكشف الغطاء وظهر لهم مالم يتوقعوه من تخاذل في حماية الإسلام والمسلمين، فهل من رجعة للأزهر إلى حصونه للدفاع عن مكانته التي انهارت أمام جبروت التنصير والقتال؟.